الاقتصاد الفلسطيني والزراعة تحت وطأة الإبادة الجماعية
المؤشر 16-12-2024 في تقرير يستند إلى دراسة أعدتها الدكتورة سامية البطمة لمعهد ماس بعنوان “الزراعة الفلسطينية، الأمن الغذائي، والدخل في سياق الإبادة الجماعية”، يتضح حجم التحديات الهائلة التي يواجهها الاقتصاد الفلسطيني بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة. الدراسة، التي تناولت الآثار الاقتصادية والاجتماعية للحرب، كشفت عن أرقام صادمة تعكس الدمار الذي طال الزراعة، المياه، وسوق العمل، مع تزايد معدلات الفقر وانعدام الأمن الغذائي.
دمار واسع في قطاع الزراعة والمياه
تشير الدراسة إلى أن العدوان الأخير أدى إلى تدمير 67.6% من الأراضي الزراعية في قطاع غزة، بالإضافة إلى إتلاف 71% من الأشجار المثمرة و44.3% من البيوت البلاستيكية. كما فقدت غزة حوالي 42,500 متر مربع من ألواح الطاقة الشمسية التي كانت مصدرًا رئيسيًا للكهرباء.
أما قطاع المياه، الذي يعاني أصلًا من تلوث بنسبة 97% قبل الحرب، فقد شهد دمارًا كبيرًا. تم تدمير 194 بئرًا للمياه، و40 خزانًا كبيرًا، و76 محطة تحلية بالكامل أو جزئيًا. نتيجة لذلك، يخصص لكل شخص في غزة ثلاثة لترات فقط من المياه يوميًا، في حين أن الحد الأدنى الدولي الموصى به يتراوح بين 7.5 و20 لترًا.
أزمة حادة في سوق العمل وارتفاع الفقر
ارتفعت البطالة في الأراضي الفلسطينية إلى مستويات غير مسبوقة. ففي غزة، وصلت البطالة إلى 80%، بينما بلغت 35% في الضفة الغربية. كما فقد 171,000 عامل في الضفة وظائفهم في إسرائيل والمستوطنات بعد الحرب.
نتيجة لذلك، أصبحت غزة تعاني من فقر شامل بنسبة 100%، بينما تضاعفت نسبة الفقر في الضفة الغربية من 12% في عام 2023 إلى 28% بحلول منتصف 2024. ومع انخفاض الدخل اليومي بنسبة 10%، تدهورت القوة الشرائية للأسر الفلسطينية، مما جعل تأمين الاحتياجات الأساسية تحديًا يوميًا.
انعدام الأمن الغذائي وتأثير التضخم
أوضحت الدراسة أن 96% من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، فيما يعيش 22% منهم في حالة مجاعة حادة (تصنيف IPC 5).
التضخم المتزايد فاقم الأزمة الاقتصادية، حيث بلغ 153% في غزة مقارنة بـ34% في الأراضي الفلسطينية ككل. هذا التضخم، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار، أدى إلى تقليص القدرة الشرائية للسكان الذين يكافحون لتأمين الغذاء والماء.
تحديات التعافي الاقتصادي
للتعافي الاقتصادي الفلسطيني، توصي الدراسة باتخاذ إجراءات شاملة على عدة مستويات. يجب التركيز على تعزيز الإنتاج الزراعي المحلي من خلال دعم المزارعين وتوفير مدخلات زراعية مستدامة، واستصلاح الأراضي المهجورة، وتطوير البنية التحتية الزراعية المتضررة، مثل البيوت البلاستيكية وآبار المياه. كما يتطلب الأمر تحسين شبكات الكهرباء والمياه لتلبية احتياجات السكان والمزارعين، وتطوير الطرق والمرافق اللوجستية لتسهيل نقل البضائع. وفيما يتعلق بالحماية الاجتماعية، ينبغي توسيع برامج الدعم للأسر الفقيرة، وإنشاء نظام تأمين اجتماعي شامل لحماية العمال والأسر المتضررة. وعلى صعيد سوق العمل، يجب إطلاق برامج تدريب مهني لتأهيل الشباب وزيادة فرص العمل في القطاعات الإنتاجية، مع توفير قروض ميسرة لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة. لتعزيز الاعتماد على الذات، تدعو الدراسة إلى تقليل الواردات الإسرائيلية ودعم المنتجات المحلية عبر حملات توعية وبرامج استثمارية، إلى جانب الضغط الدولي لرفع القيود على التجارة. كما يجب تعزيز التعليم والتدريب المهني لتطوير مهارات القوى العاملة بما يتماشى مع احتياجات السوق. وعلى مستوى السياسات المالية، توصي الدراسة بزيادة مخصصات الميزانية للزراعة والصحة والتعليم، وتطوير سياسات ضريبية عادلة. أخيرًا، تشدد الدراسة على أهمية تبني سياسات مقاومة للاستعمار مثل مقاطعة البضائع الإسرائيلية، وتعزيز التعاون مع المؤسسات الدولية والإقليمية لدعم إعادة الإعمار وتنويع مصادر التمويل بما يضمن الاستدامة الاقتصادية طويلة الأمد.مع هذا الدمار الواسع النطاق، يظل التعافي الاقتصادي في فلسطين مرتبطًا بجهود محلية ودولية لوقف التدهور وتوفير بيئة تمكن الفلسطينيين من إعادة بناء حياتهم ومستقبلهم.