أفق الحرب الاسرائيلية الإيرانية

أفق الحرب الاسرائيلية الإيرانية

المؤشر 13-12-2025   

الكاتب: عوني المشني

نصيحة فيجيتيوس في كتابه الشهير " فن الحرب " التي تحولت إلى عقيدة عسكرية عالمية " إذا اردت السلام عليك ان تستعد للحرب " هي بالضبط ما تفعله إيران هذه الايام ، تسابق ايران الوقت في اعادة بناء قدراتها العسكرية ، وعلى الرغم من أن آخر ما تتمناه القيادات الإيرانية هو اشتعال القتال من جديد فانها تتفوق على على نفسها في تطوير وشراء السلاح وبناء قدرات هجومية ودفاعية في نفس الوقت ، وأكثر من هذا فهي تعزز قدرات حلفائها بكل الامكانيات المتاحة استعداداً لمعركة متوقعة او ربما منعا لمعركة متوقعة ، تعزز قدرات الحوثيون في اليمن وفصائل في العراق وحزب الله في لبنان وهكذا فانها لن تترك مكانا تستطيع الوصول إليه إلا وتعمل جاهدة ليكون قوة فعل عسكري اسنادا لتوجهاتها ، وايران ليس لديها اوهاما بتحقيق انتصار عسكري تقليدي مهما حضرت من امكانيات ، فهي تعلم ان إسرائيل ومن خلفها امريكيا قوى لا يمكن مضاهاتها عسكريا ، وحتى لو استمرت سنوات بالتحضر فهذا غير ممكن ، ومع علمها بذلك فهي تريد ارسال ثلاث رسائل : ان اي حرب قادمة ستكون مكلفة جدا لاسرائيل بثمن اعلى من اي انجازات يمكن ان تتحقق ، اما الرسالة الثانية ، ان ايران مستعدة لتحمل تبعات الحرب اكثر من تحملها اشتراطات امريكيا واسرائيل بشان مشروعيها النووي والصاروخي ، والرسالة الثالثة ان الحرب القادمة لن تبقى منحصرة بين إيران وإسرائيل بل ستدخل اليها اليمن وحزب الله والعراق وربما ساحات اخرى مما يجعل الحرب ذات مخاطر كبيرة ليس على إسرائيل فحسب بل وعلى مصالح الولايات المتحرك في الاقليم والاهم من كل تلك الرسائل هو عنوان الكتاب بأجمعه ، وهو المشروع النووي الايراني ، ايران تعيد ترتيبه في المعادلة من جديد بان اعادة التخصيب وبنسب اعلى ممكنة وقابلة للتحقق متى رغبت إيران بذلك وهذا يستخدم في اللحظة المناسبة لتبيان انه ليس هناك ترفا من الوقت لتضيعه امريكيا في ممارسة الضغوط على ايران فالوقت من تخصيب متسارع سيوصل الأمر إلى مرحلة اللاعودة .

هذا ما تفكر به القيادات الإيرانية وتعمل عليه ، اما إسرائيل وامريكيا فتفكر بان بطريقة مختلفة تماما ، هي تعتقد ان وضع ايران على حافة الحرب سيجعلها قابلة للتعاطي مع الاشتراطات الأمريكية الاسرائيلية بمرونة كبيرة وهذا مقدمة لاحتوائها ، وهي سياسة تقوم على تحقيق الاهداف عبر القوة ، ليس بإستخدامها بل بجعلها تهديدا ماثلا في المشهد ، حتى هذه النقطة هناك توافق إسرائيلي أمريكي كامل ولكن الاختلاف يأتي بعد ذلك ، فاذا لم تستجيب إيران للضغط العسكري تكون الاجابة الاسرائيلية مختلفة عن الاجابة الامريكية ، الاجابة الاسرائيلية واضحة وهي الذهاب لاستخدام القوة تطبيقا لمفهوم نتنياهو القديم الجديد وهو " السلام عبر الردع " وإدراكا منه بان إسرائيل لوحدها لا تستطيع تحقيق هذا الردع بالنسبة لدولة متعاظمة القوة كايران فانه يرى بان مشاركة امريكيا في تلك الحرب مسالة اساسية . بينما ترى امريكيا انها غير معنية لا بحرب شاملة في الاقليم ولا حتى بتورطها ذاتها في حرب ، بالتاكيد هي معنية بتقليص نفوذ طهران ، وبالدرجة الاهم الحفاظ على امن وسلامة اسرائيل ولكن لها نظريتها في ذلك بما يختلف حينا ويتفق احيانا مع الرؤية الاسرائيلية ، ولان امريكيا من يدفع ويسلح ويدعم إسرائيل بمستوى لا يمكن اسرائيل من الدفاع عن نفسها بدون هذا الدعم فان الموقف الأمريكي والى حد المطلق هو الذي يحدد المسار العام ، وهذه العقدة هي التي تكبح التفكير الاسرائيلي وتحجمه .

وهنا يأتي دور الوقت ، وهو السلاح الحاسم في تلك المواجهة ، بعد الحرب التي شنتها إسرائيل وأمريكيا على ايران واستمرت اثني عشر يوما ، اصبح الوقت عامل حاسم في تحديد مسار الصراع ، ايران استخلصت العبر بسرعة ووضعت استراتيجية مختلفة ، تعيد ترميم قوتها ، تعزز الدفاع الجوي ، تنوع مصادر السلاح ، تراكم كميا ما تبقى لديها ، تعالج الثغرات الامنية الفاضحة التي بدأت واضحة خلال الحرب ، وتجهز ما يمكن وما لا يمكن تجهيزه لمواجهة قادمة ، وتدخل في سجالات سياسية حول المفاوضات مع امريكياً بدون إقفال الابواب تماما ، هذا الوضع يقلق إسرائيل إلى حد كبير ويضعها امام وضع سيجعل كل عقيدتها الامنية امام تحدي حقيقي ، هذه التحدي مرجعة التناقض بين مفهوم الردع والقدرة على تنفيذه ، وهنا فان سبب غياب تلك القدرة هو الموقف الأمريكي والذي يضع مصالح الولايات المتحدة في المقدمة ويرى المصالح الاسرائيلية - والتي هي مهمة لديك - بطريقة مختلفة .

امام هذا التعقيد فان الحرب ستكون هي السيناريو الأخير ، والمستبعد على الاقل آنيا ، سياسة حافة الهاوية تلعبها واشنطن بنفس القدر التي تجيدها طهران ، وستتواصل ولكن بوتيرة متسارعة وصولا للحظة تعاد تفتح فيها بوابة المفاوضات ، وهذه المرة ستكون مفاوضات مختلفة ، فان من شأن التجربة التاريخية لكلا الطرفين ان تنهي كثيرا من الغموض الذي كان يلف المشهد ، كل من إيران وامريكيا باتا يدركان مخاطر المرحلة ، ووصلا إلى الحد الأقصى من المناورات ، ولم يعد لاي منهما ما يخفيه من اهداف . لكن وفي شرق تتغير فيه مسارات الاحداث بما هو غير متوقع وبسرعة عجيبة فان المستقبل مفتوح امام كل الاحتمالات إلا احتمال واحد وهو ان يحقق نتنياهو ما يطمح اليه وهو اخضاع الاقليم للإرادة الاسرائيلية ، هذا الاحتمال اصبح اقرب إلى احلام اليقظة خاصة بعد انكشاف تام لمنهج التوسع والعربدة الاسرائيلية والذي يهدد الاقليم برمته أنظمة وشعوبا وأراضي .