كم يكلّف التأخير في المطارات حول العالم؟.. فروقات شاسعة بين أغلى المطارات وأرخصها

كم يكلّف التأخير في المطارات حول العالم؟.. فروقات شاسعة بين أغلى المطارات وأرخصها

المؤشر 07-12-2025  في عالم تتزايد فيه رحلات الطيران بعد التعافي من الجائحة، بات تأخير الرحلات أو إلغاؤها تجربة مألوفة لملايين المسافرين، لكن قيمة هذه التجربة—مالياً— تختلف جذرياً من مطار لآخر، تقرير حديث صادر عن منصة AirAdvisor استند إلى بيانات عام 2024، يقدّم مقارنة نادرة بين تكلفة قضاء ليلة واحدة غير مخططة في 50 من أكبر مطارات العالم، كاشفاً عن فوارق قد تصل إلى عشرة أضعاف بين وجهة وأخرى.

هذه الدراسة لا تكتفي بتصنيف الأسعار، بل تُظهر جانباً آخر من صناعة الطيران العالمية: كيف تؤثر السياسات التجارية، وتكاليف المعيشة، والبنية التحتية في مدن كبرى على الإنفاق اليومي للمسافر، حتى قبل أن يصعد إلى الطائرة.

كيف يتم حساب تكلفة ليلة في المطار؟

اعتمد التقرير على حساب مجموع ست نفقات أساسية يتكبدها المسافر العالق بسبب تأخير الرحلة أو إلغائها: وجبة سريعة، أو فنجان قهوة، أو زجاجة مياه، أو وسيلة نقل من وإلى المدينة، أو فرشاة أسنان، بالإضافة إلى إقامة في فندق اقتصادي من فئة ثلاث نجوم قريب من المطار.

 

اختارت الدراسة أفضل تمثيل ممكن لكل منطقة عبر مطارَين كحد أقصى لكل دولة، بهدف بناء مقارنة عادلة تغطي أميركا الشمالية وأوروبا وآسيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية. والنتيجة؟ خريطة عالمية لم تكن متوقعة لكلفة "الانتظار الإجباري".

 

مطارات نيويورك ولوس أنجلوس الأغلى

وفق التقرير، فإن مطار جون إف. كينيدي في نيويورك جاء في المرتبة الأولى بوصفه أغلى مطارات العالم من حيث التكلفة الإجمالية لقضاء ليلة، إذ قد تصل إلى نحو 281 يورو، تليه لوس أنجلوس بتكلفة تقارب 224 يورو.

هذه الأرقام تعكس بالدرجة الأولى كلفة الفنادق المحيطة بالمطارات الأميركية، التي تشكل النسبة الأكبر من إجمالي المبلغ، إضافة إلى الأسعار المرتفعة في المتاجر والمقاهي داخل المطارات، حيث تُحمَّل تكاليف الإيجارات العالية على المستهلك مباشرة.

القائمة ضمّت أيضاً مطارات أوروبية لطالما ارتبطت بارتفاع الكلفة المعيشية: زيورخ، باريس شارل ديغول، مدريد، لندن هيثرو، وأوسلو—all ضمن أغلى 10 مطارات.

في المقابل، حلّ مطار هونغ كونغ الدولي في المراتب العشر الأولى، بتكلفة تبلغ نحو 113 يورو، ليصبح أحد أغلى المطارات الآسيوية في الدراسة.

مطارات آسيا الأرخص عالمياً

على الجانب الآخر، جاءت بعض مطارات آسيا ضمن أرخص المطارات في العالم لقضاء ليلة غير مخططة، أبرزها: مطار دلهي الهندي بـ21 يورو فقط، ومطار بانكوك بـ39 يورو، ومطار بكين داشينغ بـ41 يورو.

ويرجع ذلك إلى انخفاض كلفة المعيشة، وتنوّع خيارات الفنادق الاقتصادية، وتنافسية أسعار الطعام والخدمات في هذه المدن الكبرى، ورغم أن بعضها من بين أكثر المطارات ازدحاماً في العالم، فإن التكلفة الفعلية على المسافر تبقى محدودة مقارنةً بالغرب.

الدراسة شملت أيضاً مطارات في كولومبيا، وتركيا، وكوريا الجنوبية، والبرازيل، ومصر وغيرها، وسجّلت جميعها تكاليف أقل من 65 يورو في المجمل.

 لماذا هذا التباين الضخم بين المطارات؟

يشير تحليل AirAdvisor إلى عدة عوامل رئيسية:

1. كلفة الفنادق المحيطة بالمطار

هذا هو العنصر الأكثر تأثيراً، ففي حين قد يتكلف المسافر في دلهي أقل من 15 يورو لفندق بسيط، قد يتجاوز السعر في نيويورك 250 يورو في الليلة الواحدة.

 2. الأسعار داخل المطار

الإيجارات المرتفعة للمحال التجارية داخل بعض المطارات —وخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا— تدفع أصحابها إلى رفع الأسعار لتعويض التكاليف، وهو ما ينعكس على أبسط المشتريات مثل الماء والقهوة والوجبات السريعة.

3. تكاليف المعيشة في المدينة المضيفة

مطار يقع في مدينة ذات تضخم مرتفع وأسعار عقارات مرتفعة سيعكس ذلك فوراً على المسافر العالق.

4. الفروقات التنظيمية

بعض الدول تفرض على شركات الطيران توفير إقامة أو وجبات عند التأخير الطويل، بينما دول أخرى لا تملك هذا الإطار القانوني، ما يترك المسافر أمام خيارات السوق فقط.

علاقة مباشرة بين ضغط السفر العالمي وارتفاع الأسعار

عاما 2023 و2024 شهدا عودة حركة الطيران إلى مستويات ما قبل الجائحة، مع استمرار اضطرابات سلاسل التوريد ونقص طائرات جديدة من المصنّعين، ما أدى إلى زيادة الضغط على الشبكات التشغيلية في أوروبا وأميركا، هذا الازدحام يرفع أسعار الفنادق المحيطة بالمطارات، ويزيد الطلب على خدمات الطعام والنقل، وبالتالي ترتفع تكلفة “ليلة الطوارئ”.

إضافة إلى ذلك، تستمر معدلات التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا في التأثير على كل ما يتعلق بسفر الأفراد، بدءاً من أسعار التذاكر وصولاً إلى فنجان القهوة في صالة المغادرة.

 ماذا يعني ذلك للمسافرين؟

التقرير يشكّل أداة عملية للمسافر العصري الذي يعتمد على السفر الدولي بشكل دوري، فهو لا يقدّم مجرد أرقام، بل يعطي صورة واضحة عن “المخاطر المالية” غير المتوقعة عند السفر.

فعلى سبيل المثال:

 مسافر عالق في نيويورك قد يدفع ما يقارب عشرين ضعف ما قد يدفعه مسافر عالق في دلهي، فمطارات أوروبا والولايات المتحدة تمنح خدمات واسعة، لكن تكلفتها العالية قد تجعل أي تأخير مفاجئ عبئاً مالياً كبيراً.

فيما تقدم بعض الوجهات في آسيا وأميركا اللاتينية توازناً بين الحجم الضخم للبنية التحتية وانخفاض التكلفة اليومية على المسافر.

 كيف يمكن تقليل تكلفة التأخير؟

توصيات AirAdvisor للمسافرين تضمنت خطوات بسيطة لكنها فعّالة:

- الاحتفاظ بجميع الإيصالات المتعلقة بالمصاريف، إذ يمكن المطالبة بالتعويض في حالات معينة.

- التحقق من حقوق المسافر وفق القوانين المحلية أو لوائح الاتحاد الأوروبي عند السفر إليه.

- استخدام الصالات في حال توفّرها عبر بطاقات السفر أو التأمين، لتقليل كلفة الطعام والراحة.

- التواصل المباشر مع شركة الطيران التي قد تكون ملزمة بتقديم إقامة أو وجبات اعتماداً على نوع الرحلة ومكانها.

وأخيراً، يكشف التقرير أن "كلفة السفر" لم تعد مرتبطة فقط بالرحلة ذاتها، بل قد تتضاعف عند أول تأخير مفاجئ، خصوصاً في المطارات ذات الأسعار المرتفعة. وفي المقابل، يسلّط الضوء على مطارات تقدّم خيارات أقل كلفة وتتيح للمسافرين تجاوز التأخير دون عبء مالي كبير.

فالفوارق بين نيويورك ودلهي، كما تظهر الدراسة، ليست إلا امتداداً للواقع الاقتصادي المتباين بين المدن الكبرى حول العالم، وانعكاساً مباشراً للعلاقة بين قطاع الطيران والاقتصاد الحضري.