قبل أن توظّف الكفاءة… وظِّف الضمير

قبل أن توظّف الكفاءة… وظِّف الضمير

المؤشر 22-11-2025  

الكاتب:

د. عبد الفتّاح موسى أبو تحفـة

إنّ العالم المعاصر يشهد طفرة معرفية هائلة، وتطوراً رقمياً غير مسبوق، وسباقاً محموماً على الكفاءات والمهارات.

لكن وسط هذا كله، يبرز سؤال خطير يهمله الكثيرون، سؤال يُشكّل حجر الأساس لأي مؤسسة تريد الاستمرار بلا فساد:

س. هل نختبر أخلاق المرشّح للوظيفة قبل اختبار قدرته؟

س. وهل نقيس ضمير الإنسان قبل قياس شهادته؟

لقد أثبتت التجارب الدولية، بما لا يدع مجالاً للشك، أنّ الذكاء بلا قيم يتحول إلى خطر، وأنّ المهارة بلا أخلاق تتحول إلى تهديد، وأنّ المناصب حين تُسند إلى من لا يخشى الله، ولا يحترم القيم الإنسانية، ولا يلتزم بالمعايير الأخلاقية، تصبح عبئاً على المؤسسات وليس إضافة لها.

القيمة الأخلاقية… قبل الكفاءة الفنية

المؤسسات جميعها سواء كانت حكومية أو خاصة، تعتمد عند التوظيف على معايير تقنية، واختبارات مهنية، ومقابلات تركّز على القدرات فقط. غير أن هذه الأدوات على أهميتها تعجز عن قياس العنصر الأكثر حساسية في شخصية الإنسان ألا وهو ضميره.

إنّ المدير الذكي يمكن أن يستغل سلطته، والمحاسب الماهر يمكن أن يزور الأرقام، والموظف المُلم بالتكنولوجيا يمكن أن يستغل البيانات.

إنها ليست مشكلة ذكاء… إنها مشكلة غياب الأخلاق.

لذلك، لم يعد مقبولاً أن نُخضع المرشح لاختبار قدراته فقط، بل يجب قبل ذلك (بل فوق ذلك) أن نختبر مدى التزامه الأخلاقي والديني، ومدى احترامه للقيم الإنسانية المشتركة.

التعليم الديني والأخلاق المهنية اثناء التدريس الجامعي… ضرورة عالمية.

لم تعد الأخلاق قضية دينية فقط، بل أصبحت مطلباً عالمياً تتفق عليه المؤسسات الدولية، ومنظمات الحكم الرشيد، والجامعات الرائدة. فغياب الأخلاق هو العامل الأول خلف انهيار الشركات، وتراجع الثقة العامة، وتفشي الفساد الإداري والمالي عبر العالم.

إن إدراج مقررات الأخلاق المهنية، والسلوك الإنساني، والمبادئ الدينية التي تحض على النزاهة والعدل، يجب أن يسبق التخصص الجامعي، لا أن يتبعه.

فالتعليم الحقيقي لا يصنع موظفاً فحسب… بل يصنع إنساناً مسؤولاً. فمن لا يحمل بوصلته الأخلاقية، لن تمنعه أي لائحة من الانحراف، ومن لا يخاف الله، لن يخاف سلطة بشرية.

حين يصبح الضمير هو الضمانة الأقوى

جميع الدول (المتقدمة منها والنامية) تنفق المليارات على الرقابة، وبناء الأنظمة، وتشديد القوانين. لكن التاريخ يثبت أن أقوى منظومة رقابية هي رقابة الضمير، فالموظف الذي يراقب الله يرفض الرشوة، ويحتقر التلاعب.

إن الآية الكريمة:

﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾

تلخص ما عجزت عنه آلاف الصفحات من تشريعات مكافحة الفساد.

رسالة إلى قادة المؤسسات حول العالم

إن مستقبل المؤسسات لايصنعه الذكاء الاصطناعي، ولا تقنيات الرقابة، ولا التحول الرقمي وحده… بل يصنعه أولاً: الإنسان الذي يخشى الله ويحترم الأخلاق. حيث انّ التقدّم الحقيقي يبدأ من قلب الموظف، لا من جهازه. ومن ضميره، لا من شهاداته. ومن قيمه، لا من سيرته الذاتية.

خاتمة:

قبل أن نُسلّم المناصب… لنختبر القلوب

لقد آن الأوان ليصبح الالتزام الأخلاقي والديني معياراً عالمياً، لا مجرّد قيمة محلية.

أن يكون سؤال "ما هي قيمك؟" سابقاً لسؤال "ما هي خبراتك؟. وأن يصبح اختبار مخافة الله والالتزام الأخلاقي جزءاً أساسياً من منظومة التوظيف الحديثة.

فبلا أخلاق… الذكاء خطر.

وبلا ضمير… المنصب تدمير.

وبلا قيم… تنهار المؤسسات مهما بلغت قوتها.

أما حين يجتمع الذكاء مع مخافة الله… فذلك هو الموظف الذي تبنى به الدول، وتستقيم به المؤسسات، ويُصان به المال العام والخاص.