الخطة العربية الاستشرافية لتطوير التعليم

الخطة العربية الاستشرافية لتطوير التعليم

المؤشر 18-08-2025 

الكاتب: تحسين يقين

فضيلة هذه الخطة أنها جمعت معلومات عن الواقع التربوي القومي من جهة، وتضع أيدينا على ما غاب فيها وعنها من جهة أخرى، وهو الأهم تربويا.

خارطة الطريق، من صفحة 307-314، لا توصل الى الطريق الحقيقيّ فعلا، ولم تشكل الخلاصة في الفصل الأخير إضافة مميزة دقيقة كما توقعنا، كون أنه في العادة، عند التطوير يتم وضع نقاط محددة، لا مجرد التكرار الإنشائي.

لذلك فإن عشرة سنوات أخرى، ستبعدنا عن العمل بعمق نحو إحراز فرق في التعليم، وعمل اختراق واضح. ركزت الخطة على المنطلقات الواردة في عدد من الإعلانات والاتفاقيات، وهي لها علاقة بمنظور العدالة والالتحاق، وليس النوعية. وقد طغى على الخطة طابع الإنشاء، كما لم تسلم من التكرار.

بالرغم من الحديث عن الرقمنة مثلا، لكن ذلك لم يتم ربطه بالعمق التربوي، بقدر جعله وسيلة تواصل، فإصلاح جوهر التعليم العام (التقليدي السائد) هو من سيضمن وضع قطار التعليم على سكة الحداثة. مثال تعلم إصغاء الطالب في التعليم الوجاهي، سيجعله متابعا للتعلم في التعليم عن بعد. كذلك فهم ما يسمع وما يقرأ. ان الحديث عن الذكاء الاصطناعي في الخطة، دل على ما ذهبت اليه، كون استخدام الذكاء الاصطناعي يذكرنا بالإنترنت وكيف راج وقتها النقل، وخفت قدرات التفكير. ان تأمل تجارب من يستخدمون التكنولوجيا، هو من يضعنا في طريق سليم، لا مجرد الاستسلام لها. هناك ما يجب الحديث عنه عن تهيئة الطلبة في المدارس والجامعات، وهو ما لم يتوفر خلال 3 عقود تقريبا منذ منتصف التسعينيات.

ما تعلق بتطوير المعلم، وملامح المستقبل، تم بأسلوب إنشاء، فلم يضع فعلا ملامح واضحة. كذلك جودة المناهج.

بالرغم من كبر الخطة، إلا أنها تمرّ على ما هو مهم مرورا سريعا، مثل اقتصار الحديث عن "لغة التعليم" في صفحة 55 على فقرة واحدة، علما أن من أهم مشكلات التعليم اغتراب الطلبة عن اللغة المستخدمة في معظم بلادنا، فلم نعطي لغة التعلم اللغة الواضحة السهلة، كما لم نطور تعليم اللغة العربية، فما زال الأسلوب والمضمون تقليديين. ولما كانت اللغة هي مفتاح المباحث جميعها، فآن الأوان للتعامل مع اللغة-أداة التعلم، بحيث يفهم الطلبة، وينسجمون مع سياق حياتهم.

لعل تأمل ما ورد في صفحة 264، عن تعاطي بلجيكا في الطوارئ مع التعليم من خلال تخفيف الموضوعات في المناهج، يذكرنا بالرزم التعليمية الفلسطينية في زمن الكورونا وزمن الحرب الآن على غزة، والتي يمكن أن تؤكد على تخفيف كمية المحتوى في الكتب، والفصول والدروس، لأن "الزايد أخو الناقص".

أما عن اختبارات تقييم التعلم الدولية، فلا نحتاج إحصائيات واختبارات، بقدر ما نحتاج الى تعليم جيد وتعلم فعال، بعدها ستتغير أرقام الاختبارات الدولية.

المؤشرات مثلا عن فقر التعليم في القراءة والرياضيات، ما الجديد؟ توقعنا وضع تصور عملي واستراتيجي للحلول.

كنا نتوقع تعميق الحديث عن التفاوتات الاجتماعية، وكيف يمكن التعامل معها تربويا، لكن ما تم عرضه لم يؤد الغرض المطلوب، ألا وهو تعليم طلبة من شرائح وخلفيات متنوعة داخل الصف الواحد.

عند تأمل على سبيل المثال الحديث عن:

- التحديات، مثل تحدي التخطيط ورسم السياسات

- المدرسة الجاذبة

- التفكير النقدي

- المسؤولية

لا نجد بصراحة، ما يضع الاستحقاقات لتنفيذ ذلك. فعن أي تفكير نقدي نتحدث هنا؟ هل يكفي فقط إيراد الكلمات كشعارات؟

أما التحديث، فلا ينفصل التعليم عن المجتمع ونظم الحكم والاقتصاد، والعلاقات الدولية، فهل هناك إرادة قومية، أو قطرية حقيقية لتطوير التعليم؟ في أفضل الظروف، فإن هناك تفاوتا في الاهتمام الجدي في جوهر التعليم والثقافة.

لذلك خلت الخطة من العمق بما يكفي لإحداث التغيير، حيث ما زال التعليم مثقلا، بمعنى أن هناك ضرورة لعلمنة التعليم والمناهج بشكل خاص (وليس المقصود هنا فصل الدين عن الحياة)، بل تخليص التعليم مما أثقله. ثمة رابط مهم بين الحداثة والعلمنة والعصرنة.

وأخيرا ينبغي الانتباه لخصوصيات الدول من نواح اقتصادية وسياسية، فوضع بعض الدول مثل السعودية وقطر والإمارات، دول مثل اليمن والسودان، يجعل الحديث عاما، فلكل حاجاته في هذه المرحلة.

بالمجمل، فإننا في فلسطين يمكننا أن نطور التعليم هنا، بما يمكن أن يتم نقل تجربتنا الى بلادنا العربية.

بالنسبة للالتحاق لفئات النوع الاجتماعي، في البلاد العربية، مثل المعاقين والمهمشين، فقد تم إيراد ما له علاقة بدور العديد من الدول التي تدعم مدارس المعاقين، وهذا مختلف عن الواقع الفلسطيني. ظهرت بعض المقاربة التي تتعلق بدمج ما يمكن من الطلبة في التعليم، والذي يندرج ضمن التعليم الجامع.

وأولا وأخيرا، كان من المهم التأكيد على ما يجمع الطلاب العرب، من خلال تعميق الانتماء للعروبة، والتي هي من تضمن استقلال الأقطار العربية؛ فليست الوحدة العربية ترفا أو شيئا يمكن الزهد به، في الوقت الذي ينبغي وضع الوحدة ضمن الحضارة العربية في الماضي والحاضر والمستقبل، بما يؤكد على الأهمية العملية والاستراتيجية للوحدة في إطار عصري يشبه التجمعات الدولية في هذا العالم؛ فنحن أولى من غيرنا في تجميع الجهود، خاصة في التكامل الاقتصادي والثقافي، بل والبحث عن طريقة تؤسس لمناهج متقاربة بين الدول العربية، بحيث تمنح مظاهر الوحدة والخصوصيات الثقافية.

خطة كان من الممكن تعميقها معرفيا وعلميا وقوميا وإنسانيا، لكن كما يبدو فإن الخطة تحتاج المزيد من التعمّق وامتلاك إرادة التغيير باتجاه مستقبل يقف على أرض صلبة.

آن الأوان، لتعميق الدرس التعليمي، من خلال البناء على ما تراكم من خبرات ومعارف، لذلك من الضروري إشراك خبرات متنوعة مختلفة عمريا، إضافة لمن أوكل لهم إعداد الخطة.