الاقتصاد الأخضر في فلسطين: تحديات الواقع وآفاق التحول

المؤشر 02-04-2025
ناريمان ابو عطوان
يشكّل الاقتصاد الأخضر إطارًا تنمويًا متكاملًا يوفّق بين الأبعاد الاقتصادية والبيئية والاجتماعية. وقد عرّف برنامج الأمم المتحدة للبيئة هذا النموذج بأنه "اقتصاد منخفض الكربون، كفؤ في استخدام الموارد، ويتميّز بالشمول الاجتماعي" (UNEP, 2011). في السياق الفلسطيني، لا يُعدّ تبني هذا النموذج ترفًا، بل خيارًا استراتيجيًا لمواجهة الأزمات الهيكلية وتعزيز مقومات الصمود.
السياق البيئي والسياسي في فلسطين
رغم أن انبعاثات فلسطين من غازات الدفيئة تُعد من الأدنى عالميًا، إلا أنها من بين الدول الأكثر هشاشةً في مواجهة تغير المناخ، بفعل ندرة الموارد الطبيعية، وتدهور الأنظمة البيئية، والضغوط السكانية والمناخية المتزايدة (UN Palestine, 2022). ويُفاقم استمرار الاحتلال الإسرائيلي هذه التحديات من خلال تقييد السيطرة الفلسطينية على الأراضي والمياه والطاقة، وعرقلة تنفيذ السياسات البيئية، وتعطيل الاستثمار في البنية التحتية المستدامة (MAS, 2024).
إضافة إلى ذلك، تواجه فلسطين فجوات تمويلية كبيرة في القطاعات المرتبطة بالتحول الأخضر، إلى جانب ضعف القدرات المؤسسية والتشريعية، وغياب حوافز الاستثمار الأخضر، مما يُعيق الانتقال الفعلي إلى نموذج تنمية خضراء (MAS, 2024).
فرص التحول نحو الاقتصاد الأخضر
رغم هذه القيود، تنطوي البيئة الفلسطينية على إمكانات واعدة في عدد من القطاعات الخضراء ذات الميزة النسبية:
• الطاقة المتجددة: تتمتع فلسطين بإشعاع شمسي عالٍ يتجاوز 3000 ساعة سنويًا، ما يوفر أساسًا صلبًا لتوسيع إنتاج الطاقة الشمسية، كما في مشروع الألواح الشمسية على أسطح 400 مدرسة حكومية، والذي يُعدّ أحد أبرز مشاريع البنية التحتية الخضراء في المنطقة (DAI, 2021). وتستهدف الاستراتيجية الوطنية رفع مساهمة الطاقة المتجددة إلى 33% بحلول 2040 (UNDP Climate Promise, 2021).
• الزراعة المستدامة: يعد القطاع الزراعي أحد الركائز الأساسية للأمن الغذائي الفلسطيني، ويواجه تحديات ناتجة عن التغير المناخي، وشح المياه، وتآكل الأراضي. ومن هنا، يُشكل اعتماد الزراعة الذكية مناخيًا والزراعة العضوية ضرورة لتقليل الأثر البيئي وزيادة مرونة الإنتاج الزراعي (Food4Transformation, 2023). كما تسعى الاستراتيجية الوطنية لاعتماد هذه الممارسات في 50% من الأراضي الزراعية بحلول عام 2040 (UNDP Climate Promise, 2021).
• إدارة النفايات: مع إنتاج يزيد عن 1.7 مليون طن من النفايات الصلبة سنويًا، تبرز إعادة التدوير كفرصة اقتصادية وبيئية، خاصة في ظل مبادرات محلية واعدة مثل مشروع "الأحجار الزرقاء" لإعادة تدوير الزجاج (PNN, 2022). الاستثمار في الاقتصاد الدائري يمكن أن يخلق فرص عمل جديدة ويخفف الضغط عن البلديات والبنية التحتية.
• السياحة البيئية: تمتلك فلسطين تنوعًا طبيعيًا وجغرافيًا وثقافيًا فريدًا يؤهلها لتطوير السياحة البيئية كقطاع واعد، يربط بين حماية الموارد الطبيعية والتنمية الاقتصادية المحلية، كما هو الحال في مشروع "مسار إبراهيم الخليل" الذي يعزز السياحة المستدامة المجتمعية (CHM-CBD, 2021).
نحو تحول منهجي ومستدام
لكي تتحقق نقلة نوعية نحو الاقتصاد الأخضر، لا بد من مقاربة متعددة المستويات تشمل: تحديث الإطار القانوني، وتطوير الحوافز المالية، وتعزيز الشراكات مع القطاع الخاص، وبناء قدرات الكوادر الوطنية. المبادرات الدولية مثل "فريق أوروبا للاقتصاد الأخضر" التي رُصد لها دعم مالي يتجاوز 47 مليون يورو عام 2023، تفتح نافذة مهمة لتحفيز هذا التحول (Ramallah.diplo.de, 2023). ومع ذلك، فإن استدامة هذه المبادرات تتطلب تمكينًا مؤسسيًا فعّالًا ورؤية وطنية موحدة.
واخيرا "يمثل الاقتصاد الأخضر في السياق الفلسطيني ضرورة إستراتيجية تفرضها التحديات البيئية والسياسية، وتدعمها الفرص الكامنة في قطاعات الطاقة والزراعة وإدارة النفايات والسياحة. إن التحول نحو هذا النموذج لن يسهم فقط في تقليل الاعتماد على المصادر الناضبة والملوثة، بل سيعزز أيضًا السيادة الاقتصادية، ويوفر وظائف ، ويحسن جودة الحياة. ومن خلال تبني سياسات شاملة وتشاركية، يمكن لفلسطين أن تصبح نموذجًا إقليميًا في كيفية الانتقال إلى اقتصاد مستدام حتى في ظل بيئة سياسية معقدة.