سائقو النقل العام... رُسُلُ الصمود ومقاتلو الطرق في وجه الاحتلال

المؤشر 16-05-2025
بقلم : النقابي علاء ميّاسي
ليسوا على الهامش. ليسوا عابرين.
إنهم في قلب المعركة، على خطّ النار، بين حاجزٍ وغارة، بين مستوطنٍ متربّص وجيشٍ يُحاصر.
سائقو النقل العام الفلسطيني... جنودٌ بلا بزّات، ومقاتلون بلا بنادق، ولكن بعزيمة تفوق الدبابة، وبإرادة لا تُهزم.
في كل صباح، حين يتراجع الخوف، ويتقدّم السائق الفلسطيني بمركبته على الطرق المقطّعة، فإنه لا يُمارس عملًا يوميًا فحسب، بل يخوض فعلًا نضاليًا مكتمل الأركان.
هو يعلم أنّ خلف كل منعطف كمين، وخلف كل حاجز احتمال رصاصة أو اعتداء، ومع ذلك يُكمل طريقه، لأن دوره يتجاوز المقود... إنه يقود الوطن نفسه.
سائقو النقل العام يُجسّدون ملحمة التحدي اليومي، لا يحمون فقط أرزاقهم، بل يحمون نبض فلسطين المُحاصرة. يُقاومون بالوجود، بالتنقّل، بالبقاء على الطرق التي أراد لها الاحتلال أن تخلو، فملأوها بالحياة رغم كلّ الموت الذي يُحيط بهم.
كل مركبة فلسطينية تتحرك، هي فعل مقاومة.
كل سائق يصعد الجبل أو يقطع وادٍ بين المدن، هو فدائي يكتب ملحمة جديدة.
هم شهود المرحلة، وهم صانعوها.
هم الذين بقوا حين انسحب الجميع.
هم الذين واصلوا حين توقفت الحركة.
هم الذين قاوموا حين أُغلقت الأبواب، وضُيقت السبل، وتكالب المستوطن والسلاح
ورغم خسائر قاربت الـ5 مليارات دولار، لم ينكسروا.
بل أعادوا تشغيل المركبات، وأعادوا النبض إلى الشوارع.
وبينما تُخطط آلة الاحتلال لعزل المدن وشطب التواصل الجغرافي الفلسطيني، يقف سائقونا كالسدّ، يُفككون العزل بالعجلة، ويُكسرون الحصار بالخدمة، ويُعيدون ربط الجغرافيا بالكرامة.
سائقو النقل العام هم أحد أقوى تجليات الشعب الفلسطيني حين يقرّر الحياة.
هم الكتلة الصلبة التي لا تتزحزح، والمكوّن الشعبي الذي يُجيد المواجهة بطريقته، والروح التي تُدير العجلة رغم أنف الحواجز.
وفي وجه الاحتلال، والمستوطن، والرصاص، والحصار...
لا يزالون يقودون الطريق. لا يزالون يناضلون. لا يزالون يرفعون راية:
"لن نُغادر الطرق... لن نتركها خاوية... سنبقى حتى يعود الوطن حرًّا على امتدادها."