أوراق خالد مشعل ورسائله في "الموازين"!..
المؤشر 13-12-2025
الكاتب: د.جهاد ملكه
في توقيت حساس جدا لمستقبل قطاع غزة مع اقتراب إنتهاء المرحلة الأولى من خطة ترامب والدخول في المرحلة الثانية، خرج رئيس حركة حماس في الخارج خالد مشعل، في لقاء طويل على برنامج "موازين" على قناة الجزيرة مساء يوم امس الأربعاء 10 ديسمبر 2025. وتحدث عن جوانب عديدة وأهمها قضية نزع السلاح وهدنة طويلة الامد ولجنة التكنوقراط ومجلس السلام .
يدعي مشعل بأن "القضية الفلسطينية تقف على حضور غير مسبوق، وأنه تم استعادة روح القضية على الساحة الإقليمية والدولية، بعد أن كانت مخبأة في الأدراج، لتفرض نفسها على الجميع"، فهذا الكلام هو محاولة من مشعل إعادة صياغة أبعاد مؤامرة 7 أكتوبر 2023، بتصديرها أنها فعل "مقاوم"، وأن هذا الفعل لعب دورا كبيرا في تحريك مسار القضية الفلسطينية، ليس سوى محاولة يأس سياسي، بعدما كشفت تقارير أمنية وإعلامية في دولة الاحتلال، معرفتهم بالكثير مما كانت تخطط له حركة حماس، وتركتهم للقيام به، بل ربما فتحت لهم الأبواب وسهلت لهم المهمة لتبدأ أخطر عملية سياسية في المنطقة والإقليم، التي وصفها نتنياهو بأنها بداية تغيير الشرق الأوسط، وقد بدأ وحقق بعضا مما أراد، وربما ما يزيد.
وادعائه بأنها أدت لحراك عالمي تأييدا لفلسطين، ووضعت "حل الدولتين" للنقاش، تكشف جهالة سياسية، بعدم التمييز بين رفض الجرائم ضد الإنسانية التي نفذتها دولة الإحتلال وبين فعلة حماس التي تدان بنفس الإدانة، وإن كان بصوت خافت بحكم النتائج، ومن بين من أدانهم مؤخرا، الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش، وكشفت تجاهل او ربنا "جهل" عند مشعل بأن فلسطين كانت قبل طوفانه عضوا كدولة مراقب في الامم المتحدة منذ عام 2012 اعترف بها ما يقارب الـ 143 دولة، وتعززت مكانتها بعد مايو 2024، وارتفع المعترفين بها إلى 160 دولة تضامنا مع الشعب الفلسطيني وما أصابه من جرائم وقتل وتهجير وتدمير شامل وليس حبا في فعل تدميري ارعن قامت به حماس.
لقد حاول مشعل أن يلتف كثيرا على واقع الحرب وجوهرها، وما أنتجته من نكبات سياسية وإنسانية لم يعرفها شعب فلسطين منذ النكبة الأولى عام 1948، ليعيد إنتاج الرواية الهزيلة حول هجوم 7 أكتوبر بأنه يوم للفخر، وربما سيكون يوما ما فخرا للإسرائيلي، كونه فتح الباب لتدمير مقومات الدولة الفلسطينية المنشودة، التي وضع حجر أساسها القائد الرمز ياسر عرفات، قبل أن تتآمر حماس ودولة الإحتلال عليها.
ويفتخر مشعل بأن القضية الفلسطينية أعادت الروح للمنطقة العربية وللأمة، وذلك (بحسبه) بعد أن "دخلت الأمة في نفق مظلم من عملية السلام والتطبيع ومحاولة التعاون مع إسرائيل"، وأنه استيقظت الأمة واستعادت الروح تجاه القضية، وهذا يكشف مدى ارتباك مشعل في لقائه او ربما في أيامه الحالية، والذي جسده في الحديث عن التطبيع وكيف تم محاصرته بفعل الطوفان الحمساوي، ما يشير إلى أنه ليس مجتهدا في المتابعة، فحجم التعاون بين دولة الاحتلال وبعض الدول العربية تنامي بما فيها تعاون أمني وشراء أسلحة، فيما موقف العربية السعودية، كان ولا زال ذات الموقف قبل "مؤامرة الطوفان" في السابع من أكتوبر 2023، وبعدها، ربط العلاقة بمسار نحو الدولة الفلسطينية.
أما في موضوع السلاح، وهو عنوان المرحلة الثانية من خطة ترامب، فيقول مشعل ان نزع سلاح حركته هو "بمثابة نزع الروح"، وكأن مشعل لا يعلم بأنه لم يتبقى في غزة من حجر دون ان تنبشه إسرائيل ولم يتبقى لحماس الا بضع عشرات من الأسلحة الفردية الخفيفة كالمسدسات والبنادق القديمة والتي في الأعراف العسكرية تعد اسلحة فردية لا تشكل خطر على دولة نووية كإسرائيل التي لديها أحدث الطائرات الحربية والدبابات والمسيرات وغيرها من الأسلحة الحديثة.
لقد حاول مشعل استغلال البعد العاطفي بإستخدام لفظ "نزع الروح" بعيدا عن الموقف السياسي، رغم أنه أشار إلى قرار مجلس الأمن 2803 الذي وافقت عليه حماس، وينص ليس فقط على نزع سلاح حماس وقطاع غزة بل على تدمير البنية "التحتية للإرهاب"، وهو التعبير الذي لم تجرؤ يوما دولة ما أن تطالب به ليكون ضمن قرار أممي قبل أن تخرج حماس.
ان خروج خالد مشعل في هذا التوقيت بالذات وغزة على اعتاب مرحلة جديدة تماما في تاريخها وغير مسبوقة ابدا، خاصة مع تصريحات ترامب عن تشكيل مجلس السلام برئاسته ومشاركة ملوك ورؤساء دول كثيرة، هي محاولة أخيرة منه كي يقدم أوراقه السياسية لعدة أطراف، أولها الطرف الحمساوي الداخلي، وليس آخرها أطراف إقليمية ودولية.
إذا كانت غزة كما يقول مشعل قد قدمت كل ما عليها وزيادة فالسؤال الطبيعي ما الجدوى إذن من كل ما جرى؟ وما الهدف الذي تحقق حتى نطالب بأن تنشغل غزة اليوم فقط بإعادة لملمة جراحها؟!!!
إذا كانت النتيجة هي دمار واسع وخسائر بشرية وواقع إنساني أصعب من أي وقت مضى فمن حق الناس أن يسألوا من يتحمل مسؤولية القرار؟ ومن يحاسب على النتائج؟؟؟!!!
لا يمكن الاكتفاء بعبارة «أدت ما عليها» دون مراجعة صريحة وتقييم دقيق لما حدث ولماذا حدث وكيف يمكن تجنب تكراره.
المحاسبة ليست اتهاما بل واجب تجاه دماء الناس ومستقبلهم وبدونها لن يكون هناك مسار واضح ولا رؤية تحمي غزة من دورات جديدة من الألم.



