بين التكلفة المنخفضة والإدمان الخفي.. لماذا يواصل العالم استهلاك السكر بوتيرة قياسية؟
المؤشر 08-12-2025 من أول رشفة قهوة صباحاً إلى آخر لقمة حلوى في المساء، بات السكر ضيفاً دائماً على موائد العالم. لكن الفجوة بين الدول في استهلاكه باتت أوسع من أي وقت مضى، في وقت يُتوقّع فيه أن يصل الاستهلاك العالمي في 2025 إلى نحو 177.33 مليون طن متري، بزيادة تقارب 15% مقارنة بعام 2011، في مسار تصاعدي لا يبدو أنه سيتباطأ قريباً.
كيف أصبح السكر عنصراً أساسياً في غذاء العالم؟
على مدى العقود الماضية، أدت الطفرات الزراعية إلى خفض كلفة إنتاج السكر، بينما أسهمت التجارة العالمية في تحويله إلى سلعة متاحة في كل بيت تقريباً.
ومع صعود الأغذية المصنّعة والمشروبات المحلّاة، لم يعد استهلاك السكر مقتصراً على الحلويات، بل دخل بقوة إلى الأطعمة اليومية الخفية التي يستهلكها الملايين دون وعي كامل بحجم ما يحصلون عليه من سكريات.
الدولة العاشرة: كندا
تحتل كندا المرتبة العاشرة عالمياً، إذ تشير الإحصاءات إلى أن نحو ثلثي الكنديين يستهلكون كميات تفوق المعدلات اليومية الموصى بها.
ويربط خبراء الصحة العامة بين هذا النمط الغذائي وارتفاع معدلات 16 مرضاً مزمناً، من بينها السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية.
الدولة التاسعة: فنلندا
يأتي نحو 20% من استهلاك السكر في فنلندا من المشروبات المحلاة، ويبلغ متوسط استهلاك الفرد نحو 91.5 غرام يومياً.
ورغم ذلك، يدعم ما يقارب 60% من السكان فرض ضرائب إضافية على المنتجات السكرية في محاولة للحد من الاستهلاك.
الدولة الثامنة: المكسيك
تُعرف المكسيك بلقب «أمّة الكوكاكولا»، إذ تسجّل أعلى معدلات استهلاك المشروبات الغازية للفرد عالمياً، يبلغ متوسط استهلاك السكر اليومي نحو 92.5 غرام للفرد، ويأتي الجزء الأكبر من هذه الكمية من المشروبات السكرية.
الدولة السابعة: المملكة المتحدة
المملكة المتحدة تحتل المرتبة السابعة، بمتوسط استهلاك يومي يبلغ 93.2 غرام للفرد، ورغم التوصيات الحكومية بخفض الاستهلاك، لا تزال المستويات مرتفعة، خاصة بين فئة الشباب.
الدولة السادسة: بلجيكا
اشتهار بلجيكا بالشوكولاتة الفاخرة يدل بوضوح على أرقام الاستهلاك، إذ يبلغ متوسط استهلاك الفرد نحو 95 غراماً يومياً.
ولا تقتصر المشكلة على الحلويات فقط، إذ يُظهر البحث أن خُمس السكان يستهلكون مشروبات سكرية بشكل يومي.
الدولة الخامسة: أستراليا
تأتي أستراليا في المركز الخامس، بمتوسط يومي يبلغ 95.6 غرام من السكر للفرد.
وتشير الدراسات إلى أن 81% من السكريات المضافة تأتي من المشروبات المحلاة والأغذية المصنّعة، إذ يختبئ السكر ضمن مكونات لا ينتبه لها كثير من المستهلكين.
الدولة الرابعة: إيرلندا
يميل السكان في إيرلندا بشكل واضح إلى المشروبات السكرية، إذ يُشترى أكثر من 411 مليون لتر سنوياً.
ويبلغ متوسط الاستهلاك اليومي نحو 96.7 غرام للفرد، مع فجوة اجتماعية واضحة، إذ يستهلك أصحاب الدخل المنخفض كميات تعادل نحو ثلاثة أضعاف ما يستهلكه أصحاب الدخل المرتفع.
الدولة الثالثة: هولندا
تحتل هولندا المرتبة الثالثة بمتوسط يومي يبلغ 102.5 غرام للفرد، ويستخدم نحو ثلاثة أرباع السكان ما يُعرف بمحسّنات النكهة أثناء الطهي، ما يرفع استهلاك السكريات المضافة دون إدراك واضح.
وتشير الدراسات إلى أن الهولنديين يعتقدون أنهم يستهلكون نصف الكمية الحقيقية فقط، بالتوازي مع تصاعد معدلات السكري من النوع الثاني.
الدولة الثانية: ألمانيا
تأتي ألمانيا في المركز الثاني، إذ يستهلك الفرد في المتوسط 102.9 غرام من السكر يومياً.
ويحرص نحو نصف السكان على تناول الحلويات يومياً، وتُظهر البيانات أن 36% من السكر يأتي من منتجات الحلويات.
بينما يأتي نحو 38% من المشروبات مثل العصائر والمشروبات الغازية، رغم محاولات حكومية متعددة للحد من الاستهلاك.
الدولة الأولى: الولايات المتحدة الأميركية
تحتل الولايات المتحدة الأميركية المركز الأول بفارق واضح، إذ يستهلك الأميركيون في المتوسط 126.4 غرام من السكر يومياً، أي أكثر بنحو 24 غراماً يومياً مقارنة بألمانيا.
يعتمد النظام الغذائي بشكل كبير على الأطعمة المصنّعة الغنية بالسكريات المضافة، إضافة إلى ثقافة الوجبات الخفيفة، التي تمثل وحدها نحو ثلث إجمالي استهلاك السكر اليومي.
تجارة السكر عالمياً: سوق بمليارات الدولارات يقوده الطلب لا الإنتاج
تُظهر بيانات التجارة الدولية أن قيمة واردات السكر ومنتجاته بلغت في عام 2024 نحو 74.1 مليار دولار، مقابل 46.3 مليار دولار في 2020.
جاء السكر الخام والمكرر في صدارة التجارة العالمية ضمن هذا القطاع، إذ ارتفعت قيمة الواردات العالمية للسكر، من القصب أو البنجر في صورته الصلبة، من 26.4 مليار دولار في 2020 إلى نحو 42.9 مليار دولار في 2024.
كما قفزت واردات الحلويات السكرية غير المحتوية على الكاكاو من قرابة 11 مليار دولار إلى أكثر من 17.8 مليار دولار في الفترة نفسها.
في المقابل، سجّلت الصادرات العالمية لقطاع السكر والحلويات نمواً واضحاً، لترتفع من 43.2 مليار دولار في 2020 إلى نحو 69.8 مليار دولار في 2024.
الدول المصدّرة: من يقود المعروض العالمي؟
تتصدّر البرازيل قائمة أكبر مصدّري السكر في العالم، مع ارتفاع صادراتها من نحو 8.9 مليار دولار في 2020 إلى أكثر من 18.8 مليار دولار في 2024، ما يرسّخ مكانتها كمحور أساسي في سوق السكر العالمي.
تليها دول صناعية وزراعية كبرى مثل ألمانيا وتايلاند والصين والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، فيما شهدت الهند تراجعاً ملحوظاً في صادراتها من ذروة تجاوزت 6.3 مليار دولار في 2022 إلى نحو 2.7 مليار دولار في 2024.
وتُظهر الأرقام أيضاً صعوداً تدريجياً لدول مثل هولندا وبلجيكا والمكسيك وتركيا وإسبانيا، إلى جانب عودة تدريجية لروسيا بعد تراجع حاد في سنوات سابقة.
وفي المنطقة العربية، برزت السعودية والإمارات كمراكز استيراد وإعادة تصدير، بينما سجّلت مصر صادرات بقيمة تجاوزت 531 مليون دولار في 2024، مقابل نحو 265 مليون دولار في 2020.
الدول المستوردة: الطلب يتركز في الاقتصاديات الكبرى
على جانب الطلب، تتصدّر الولايات المتحدة الأميركية قائمة أكبر مستوردي السكر ومنتجاته، بقيمة تجاوزت 7.17 مليار دولار في 2024، تليها الصين وإندونيسيا وألمانيا والمملكة المتحدة.
الصين رفعت وارداتها من السكر ومنتجاته من نحو 2.63 مليار دولار في 2020 إلى أكثر من 4.18 مليار دولار في 2024، بينما زادت إندونيسيا وارداتها إلى نحو 3.55 مليار دولار.
في المنطقة العربية، ارتفعت واردات السعودية إلى نحو 1.53 مليار دولار في 2024، والإمارات إلى نحو 1.51 مليار دولار.
بينما قفزت واردات مصر من السكر ومنتجاته من نحو 286 مليون دولار في 2020 إلى أكثر من 1.07 مليار دولار في 2024.
ومع تصاعد استهلاك السكر في الأسواق الناشئة، يتحول هذا القطاع إلى فرصة استثمارية متنامية في مجالات التكرير، والتعبئة، والصناعات الغذائية، والخدمات اللوجستية.
لكن في المقابل، يضع ذلك ضغوطاً على الحكومات من زاويتين: فاتورة الاستيراد من جهة، وتكاليف الرعاية الصحية المرتبطة بالأمراض المزمنة من جهة أخرى.
لم يعد السكر مجرد عنصر في سلة الغذاء اليومية، بل أصبح عنصراً مؤثراً في موازين التجارة العالمية وحسابات الأمن الغذائي والصحي.
وبينما يستمر الطلب في الارتفاع، تبدو الدول أمام معادلة معقّدة، من، كيف توازن بين تلبية الاستهلاك المحلي، وتعظيم عوائد التصدير، وتقليص الأعباء الصحية والمالية على المدى الطويل.



