ذهب على ضفاف الأنهار.. كنوز صغيرة ما زالت تُستخرج بالطرق اليدوية حول العالم

ذهب على ضفاف الأنهار.. كنوز صغيرة ما زالت تُستخرج بالطرق اليدوية حول العالم

المؤشر 07-12-2025   بين خوف الأسواق من التضخم وتقلب العملات، يعود بريق الذهب من جديد، ليس من شاشات البورصات هذه المرة، بل من قيعان الأنهار والجبال، إذ ما زال آلاف الهواة حول العالم يغمسون أوانيهم المعدنية في الماء بحثاً عن ذرات لامعة قادرة على تغيير يومهم، وربما حياتهم أيضاً.

بدأت حمى الذهب الكبرى في القرن التاسع عشر عندما اجتاحت موجات من المغامرين الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا، وغيّرت مدناً كاملة خلال سنوات قليلة.

ورغم انتهاء عصر الاندفاع الجماعي، فإن الذهب لم يختفِ من الطبيعة، بل بقي مختبئاً في مجاري المياه، ليعود اليوم كجزء من سياحة اقتصادية ناشئة، ومتنفس نفسي في عالم مالي مضغوط.

أميركا.. حيث بدأت الحكاية وما زالت مستمرة

في جامستاون بولاية كاليفورنيا، المدينة التي تأسست عام 1848 بعد العثور على كتلة ذهبية ضخمة، تحوّلت الأنهار المحيطة إلى مقصد سياحي يتيح للزوار تجربة التنقيب مقابل رسوم.

ما زال نهر كوسومنِس داخل غابة إلدورادو الوطنية نقطة جذب، خصوصاً في مناطق مثل كابز كروسينغ وكاش روك.

في ألاسكا، يُعد خور بيدرو قرب مدينة فيربانكس من أبرز المواقع المرتبطة ببدايات حمى ذهب فيربانكس في أوائل القرن العشرين، كما يُعد نهر تشينا أحد أبرز المواقع المرتبطة ببدايات حمى ذهب فيربانكس، ولا تزال مناطقه المحيطة تسمح بالتنقيب اليدوي ضمن برامج سياحية منظمة.

حتى اليوم، يستطيع الهواة تجربة حظهم فيه عبر أنشطة منظمة ومدفوعة، ما يجعل الموقع جزءاً من اقتصاد سياحي صغير قائم على إرث الذهب.

ما زالت بلاك هيلز في داكوتا الجنوبية، وكلير كريك في كولورادو، وريتش باتش في نيفادا، تسمح بالتنقيب اليدوي، مع اختلاف القوانين حول الملكية والحقوق على الأراضي الفيدرالية.

وفي كارولاينا الشمالية، تحوّل منجم ريد غولد التاريخي، الذي شهد أول اكتشاف موثق للذهب في أميركا عام 1799، إلى موقع تراثي يتيح تجربة الغسل مقابل رسوم.

في ولاية جورجيا، لعبت منطقة داهلونيجا دوراً محورياً خلال حمّى الذهب في جورجيا خلال القرن التاسع عشر.

وقد تحوّلت المناجم القديمة هناك إلى مواقع سياحية تسمح للزوّار بتجربة غسل الرمال مقابل رسوم، في مزيج بين التاريخ والاقتصاد المحلي.

أوروبا.. ذهب محدود وقوانين صارمة

في إسكتلندا، يُعدّ عقار سويسغيل في ساذرلاند من الاستثناءات النادرة التي تسمح بالتنقيب بشرط التحكم الصارم والحصول على تصريح مسبق، بينما تمنح منطقة وانلوكهيد تراخيص رسمية للمنقبين الهواة عبر مؤسسات خاصة.

في ألمانيا، يُعد نهر شفارتسا أغنى روافد نهر زاله بالذهب، ويُسمح فيه بالتنقيب الحر.

في ويلز، ما زال نهر ونِيُون قرب دولغيلو يستقبل الهواة بإجراءات قانونية محددة.

أما في سويسرا، فتشتهر بعض مقاطع نهر الراين قرب قرية ديسِنتيس بوجود فرص حقيقية للعثور على الذهب.

وفي أيرلندا، يحتفظ نهر غولد ماينز في مقاطعة ويكلاو بسمعة تاريخية، مع إلزام قانوني بالإفصاح عن أي كميات تتجاوز حداً معيناً عند الرغبة في بيعها.

تدخل النمسا بدورها الخريطة عبر نهر إنس قرب مدينة شتاير، إذ يُعد من أفضل أماكن التنقيب اليدوي في البلاد.

أوقيانوسيا وأميركا الشمالية.. الذهب كهوية سياحية

في نيوزيلندا، يحافظ نهر أرو في منطقة أوتاغو على مكانته كأحد أفضل المواقع للهواة، خصوصاً في المياه الضحلة قرب أروتاون.

لا تزال كندا بدورها تحمل آثار كلوندايك، إذ يسمح نهر كلوندايك بالتنقيب اليدوي مع احترام حقوق أراضي السكان الأصليين والأراضي الحكومية.

يظل نهر فريزر في بريتش كولومبيا، خصوصاً عند ترانكويل كريك، واحداً من أكثر المواقع شهرة.

إفريقيا.. التعدين الحرفي والتنقيب عن الذهب

في دول غرب إفريقيا مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وكذلك بلدان مثل ساحل العاج، غينيا، موريتانيا وغيرها، تنتشر أنشطة التنقيب اليدوي منذ سنوات طويلة.

وفق تقرير منظمات دولية مختصّة، تُمثّل كميات الذهب التي تنتجها التعدينات الصغيرة في بعض الحالات أكثر من نصف إنتاج التعدين الرسمي في بعض السنوات.

في البلدان التي تعتمد على هذه المناجم الصغيرة كمصدر دخل كبير، يعتمد عليها ملايين الأشخاص بشكل مباشر أو غير مباشر. في مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو وحدها، عدد كبير من الأسر يعتمد على التعدين الشعبي كمصدر دخل، رغم أن كثيراً منها غير مرخص.

في بعض الدول من شرق أو جنوب إفريقيا، مثلاً في زيمبابوي، هناك تقارير تفيد بأن آلاف الأفراد يمارسون تنقيباً يدوياً على طول أوديتها وأنهارها بحثاً عن الذهب.

لا تُعد عودة الاهتمام بالتنقيب اليدوي عن الذهب مجرد هواية، بل تدل على تحوّل نفسي واقتصادي.

في فترات عدم اليقين، يميل الأفراد إلى الأصول الملموسة، والذهب في هذا السياق يصبح رمزاً للأمان والسيطرة، حتى لو كان مجرد حبيبات صغيرة.

كما أنّ الدول والمناطق التي تسمح بهذه الأنشطة تستفيد منها سياحياً، وتحوّل التاريخ الاقتصادي إلى تجربة مدفوعة تعزّز الدخل المحلي.

اللافت أن الذهب هنا لا يُنتج ثروة ضخمة، لكنه يصنع قيمة شعورية عالية، وهو ما يفسّر استمراريته رغم تطور أدوات الاستثمار الحديثة.

في عالم تحكمه الخوارزميات والأسواق الرقمية، ما زال بريق الذهب تحت الماء يملك سحراً خاصاً، قد لا يغيّر ثروات الشعوب، لكنه يذكّرها دائماً بأن بعض الفرص ما زالت تُلتقط باليد، لا بالشاشة.