كبار المليارديرات يستحوذون على السياسة.. كيف تحوّل المال إلى القوة في واشنطن؟
المؤشر 24-11-2025 بات الحديث عن النفوذ السياسي مرتبطاً على نحو غير مسبوق بارتفاع ثروات كبار المليارديرات.
ومع توسّع الفجوة الاقتصادية واتساع الانقسام السياسي، انفجر حضور الأثرياء داخل العملية الانتخابية الأميركية إلى مستوى تاريخي، ليعيد تشكيل قواعد اللعبة ويطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل الديمقراطية في أميركا، نقلاً عن واشنطن تايمز.
على مدى ربع قرن، صعد الإنفاق السياسي للمئة أميركي الأكثر ثراءً من مجرد 46 مليون دولار في عام 2000 إلى أكثر من 1.1 مليار دولار في انتخابات 2024.
لم يعد هذا التحوّل الهائل مجرد ارتفاع في التبرعات، بل أصبح بنية جديدة تُعيد تشكيل النفوذ، إذ إن واحداً من كل 13 دولاراً صُرف في الانتخابات الفيدرالية العام الماضي جاء من حفنة لا تتجاوز واحداً من4% من 1% من السكان.
لم يكن هذا الارتفاع عفوياً، فقرارات قضائية مفصلية منذ 2010، أبرزها حكم مواطنون متحدون Citizens United، فتحت الباب أمام التمويل غير المحدود عبر الشركات والاتحادات والنقابات، ورفعت سقف تأثير أصحاب المليارات عبر «السوبر لجان العمل السياسي PACs».
ومع توسّع الثروات التكنولوجية وسهولة تراكمها، أصبح التأثير السياسي امتداداً منطقياً للقوة المالية.
موجة التحوّل نحو الجمهوريين
تُظهر البيانات التي حللتها واشنطن بوست اتجاهاً واضحاً، إذ إن أكثر من 80% من إنفاق المئة أغنى أميركي عام 2024 ذهب للجمهوريين.
والأهم أن دونالد ترامب حصل من هذه النخبة في 2024 على تمويل يعادل 15 مرة ما تلقّاه في حملته الأولى عام 2016.
كان أبرز الأمثلة إيلون ماسك الذي ضخ وحده 294 مليون دولار لدعم الجمهوريين في الانتخابات الفيدرالية والولايات.
ومع انضمام عشرات المليارديرات من وادي السيليكون والقطاع المالي، أصبحت الكتلة الثرية تميل بوضوح إلى اليمين، بعد سنوات كان فيها الكثير من أثرياء التكنولوجيا أقرب إلى الديمقراطيين.
التحوّل سببه، بحسب الأثرياء أنفسهم، تزايد قلقهم من سياسات تنظيمية استهدفت التكنولوجيا، إضافة إلى إيمانهم بأن نهج الجمهوريين، بخاصة في مجالات الضرائب، والذكاء الاصطناعي، والعملات الرقمية، وتخفيف الرقابة الفيدرالية، أقرب لمصالحهم الاقتصادية.
تزاوج المال والسلطة داخل الحكومة
لم يعد تأثير أصحاب المليارات مقتصراً على التمويل، فقد باتوا جزءاً من السلطة نفسها، فمن بين 902 مليارديراً أميركياً، شغل 44 منهم أو من أزواجهم مناصب حكومية أو تشريعية خلال العقد الماضي.
وفي إدارة ترامب الحالية، يشغل نحو 12 مليارديراً مناصب رفيعة، ما يجعل هذه الإدارة الأغنى في التاريخ الأميركي بثروة جماعية تقارب 7.5 مليار دولار، أي أكثر من ضعف إدارة ترامب الأولى و64 مرة ثروة حكومة بايدن.
ووفق تقارير أميركية، موّل ما لا يقل عن 10 مليارديرات إنشاء قاعة احتفالات جديدة في البيت الأبيض بقيمة 300 مليون دولار.
وخلال إغلاق الحكومة الأخير، موّل الملياردير تيموثي ميلون رواتب الجنود عبر تبرع شخصي ضخم، وذلك كان غير مسبوقاً في تاريخ الولايات المتحدة.
كيف تغيّرت قواعد المنافسة السياسية؟
أصبح المال عاملاً حاسماً في اختيار الأحزاب لمرشحيها. فالقدرة على جمع الأموال، أو الوصول إلى شبكات مانحين كبار، باتت شرطاً أساسياً للترشح سواء في الحزب الديمقراطي أو الجمهوري.
تجلّى هذا الواقع مثلاً في سباق مجلس الشيوخ بولاية أريزونا عام 2022، حين ضخ الملياردير بيتر ثيل 15 مليون دولار لدعم صديقه بليك ماسترز، ما قلب المعادلة داخل الحزب الجمهوري، رغم خسارته لاحقاً في الانتخابات العامة.
وفي انتخابات نيويورك الأخيرة، حاول أثرياء مؤثرون منع المرشح اليساري زهران ممداني، إلا أنه فاز رغم الحملة المضادة، معتبراً هجوم المليارديرات عليه «وسام شرف».
القق الشعبي يتصاعد
أظهر استطلاع حديث لـواشنطن بوست إبسوس أن غالبية الأميركيين تنظر سلباً إلى النفوذ المالي المتزايد للأثرياء في السياسة، وأن ثلثهم يرى أن الوضع سيئ جداً.
وقد استغل السيناتور بيرني ساندرز هذا المزاج عبر جولات «مكافحة الأوليغارشية» التي حضرها أكثر من 280 ألف شخص.
بات مصطلح «الأوليغارشية» يُستخدم أكثر في الخطاب السياسي الأميركي، ليس للإشارة إلى نظام روسي أو سلطوي، بل كتوصيف لحالة أصبح فيها المال يحكم خطوط السياسة، ويعيد ترتيب موازين القوة بعيداً عن الناخب العادي.
كيف وصلنا إلى هنا؟
منذ التسعينيات، تراكمت عدة عوامل، وهي إدارة كلينتون التي فتحت الباب أمام تحرير مالي واسع، وإدارة جورج بوش الابن مررت أكبر تخفيضات ضريبية استفاد منها الأثرياء.
وأيضاً العوامل الأخرى، إذ تخلى أوباما عن التمويل العام للانتخابات وجمع أموالاً ضخمة من القطاع الخاص، الأزمة المالية ثم صعود ترامب غذّيا مشاعر الغضب من النظام والمال السياسي، وقرارات المحاكم ثم الثورة التكنولوجية صنعت ثروات غير مسبوقة، ومعها نفوذاً غير مسبوق.
هل الولايات المتحدة تتجه نحو أوليغارشية أميركية؟
مع أن النظام الأميركي ما زال قائماً على الانتخابات التنافسية، إلا أن تركّز الثروة، 902 ملياردير يمتلكون أكثر من 6.7 تريليونات دولار يطرح سؤالاً جوهرياً حول حدود التأثير السياسي المشروع.
فالأثرياء لا يكتفون بتمويل الحملات، بل أصبح بعضهم يكتب السياسات، يعيّن المسؤولين، ويموّل حتى عمليات حكومية.
في هذا السياق، يصبح الحديث عن حكم الأقلية الثرية أقل مبالغة ممّا قد يبدو.



