صندوق النقد: الشرق الأوسط على أعتاب مرحلة توازن جديدة بين النفط والإصلاحات الاقتصادية
المؤشر 14-10-2025 يشير التقرير ربع السنوي لصندوق النقد الدولي، الصادر في أكتوبر تشرين الأول حول آفاق الاقتصاد العالمي، إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تواصل ترسيخ دورها المحوري في أسواق الغاز الطبيعي وسوائل الغاز على الصعيد العالمي، مؤكداً أن هذه المنطقة تبقى عنصراً أساسياً في تحقيق التوازن بين العرض والطلب في قطاع الطاقة الدولي.
السعودية في قلب التحول المالي والإنتاجي
يعتمد أداء الاقتصاد السعودي بشكل أساسي على سياسات الحكومة في إدارة الإيرادات النفطية، التي تظل المصدر الرئيس للدخل القومي.
أشار التقرير إلى أن توقعات المالية العامة للسعودية تستند إلى أسعار النفط العالمية، المتأثرة بقرارات تحالف أوبك بلس، إضافة إلى القرارات الأحادية من جانب الرياض بشأن الإنتاج.
ويهدف الإطار المالي الجديد للمملكة إلى تحقيق توازن بين الإنفاق والادخار من خلال قواعد مالية مرنة تراعي تقلبات أسعار النفط، بما يضمن استدامة المالية العامة وتجنب الدورات الاقتصادية الحادة.
وصل معدل النمو إلى 4% في 2024، و4% كتقديرات الصندوق في 2025، و2026، وهي أعلى مراجعة إيجابية بين اقتصادات الشرق الأوسط بنقطة مئوية.
تسجل منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى نمواً متوقعاً عند 3.5% في 2025، وهو تحسّن ملحوظ عن 2.6% في 2024، نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة والغاز المسال، وتحسّن النشاط في الدول المنتجة للنفط (خصوصاً الخليج)، وتراجع معدلات التضخم وتحسّن الطلب المحلي.
يتوقع الصندوق نموًا قدره 3.3% في 2025 مقابل 2.1% في 2024، أي زيادة بـ1.2 نقطة مئوية، هذا التحسن مدفوع من قبل استقرار مالي في الخليج، وتعافي مصر والجزائر والمغرب جزئيًا بعد الضغوط المالية السابقة، وزيادة استثمارات البنية التحتية والطاقة
الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.. نمو حذر في ظل تراجع عالمي
بحسب التقرير ذاته، واصلت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إظهار مرونة اقتصادية رغم التحديات الجيوسياسية والضغوط التضخمية.
وتشير التقديرات إلى أن النمو في المنطقة يتراوح بين 2.6% و3.8% خلال السنوات المقبلة، مدعوماً بتعافي أسعار النفط وتوسّع الإنفاق الحكومي في مشروعات البنية التحتية والطاقة.
إلا أن التقرير حذّر من أن المنطقة ما زالت عرضة لتقلبات الأسواق العالمية، خاصة تلك المرتبطة بأسعار الطاقة، مشيراً إلى أن الاقتصادات التي لم تنفذ إصلاحات هيكلية كافية قد تواجه تباطؤاً في النمو وتحديات مالية متزايدة.
كما لفت صندوق النقد إلى أن جائحة كوفيد-19 تركت آثاراً طويلة الأمد على بعض الاقتصادات الهشة، إلا أن برامج الإصلاح المالي وإعادة هيكلة الدعم أسهمت في استقرار الأوضاع تدريجياً.
لم يتضمن التقرير تفاصيل رقمية حديثة عن الإمارات، لكنه أشار بوضوح إلى أنها من بين الدول التي نجحت في تنويع مصادر دخلها بعيداً عن النفط.
تستند السياسات المالية الإماراتية إلى إدارة رشيدة للفوائض النفطية، مع استمرار الإنفاق على قطاعات التكنولوجيا، والخدمات اللوجستية، والطاقة النظيفة، بما يعزز مكانتها كمركز إقليمي للاستثمار والنمو.
ويُقدّر أن يبلغ الناتج المحلي الإماراتي نحو 552 مليار دولار في 2025، صعوداً إلى 765 مليار دولار بحلول 2030، لتظل من أسرع الاقتصادات نمواً وأكثرها تنوعاً في الخليج.
الغاز وسوائل الطاقة.. السعودية تتصدر المشهد
على صعيد قطاع الطاقة، أظهرت بيانات عام 2024 أن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أنتجت نحو 3.999 مليون برميل يومياً من سوائل الغاز الطبيعي، بنمو 3.1% على العام السابق.
وتصدّرت السعودية الإنتاج الإقليمي عند 1.65 مليون برميل يومياً، أي أكثر من 40% من إجمالي إنتاج المنطقة، لتحتفظ بموقعها كثالث أكبر منتج عالمي بعد الولايات المتحدة وروسيا.
أما إيران فحققت نمواً قوياً بلغ 14.1%، تليها الإمارات بإنتاج 690 ألف برميل يومياً وبنمو 2.9%، ثم قطر عند 485 ألف برميل.
ويعكس هذا التباين بين الاستقرار السعودي والنمو الإيراني والإماراتي أن المنطقة تعيش مرحلة إعادة تموضع استراتيجي في أسواق الطاقة، إذ تسعى الدول المصدّرة إلى التوفيق بين متطلبات التحول الاقتصادي العالمي ومصالحها المالية قصيرة الأمد.
الخليج في أرقام.. رحلة من النفط إلى التنويع
شهدت السعودية أكبر توسّع اقتصادي في المنطقة، إذ ارتفع ناتجها المحلي من 164 مليار دولار عام 1980 إلى أكثر من 1.59 تريليون دولار متوقّع في 2030، ما يعكس نجاح «رؤية 2030» في تنويع الاقتصاد وتعزيز الاستثمارات غير النفطية.
أما الإمارات فحققت نمواً متواصلاً من 41.7 مليار دولار عام 1980 إلى نحو 765 مليار دولار متوقّع في 2030، بدعم من توسّعها في قطاعات الخدمات، السياحة، والتكنولوجيا، ما يجعلها واحدة من أكثر اقتصادات الخليج تنوّعاً.
سجّلت قطر بدورها طفرة ضخمة بعد 2000، إذ تضاعف ناتجها نحو 14 مرة بين 2000 و2030، مدفوعاً بصادرات الغاز المسال ومشروعات البنية التحتية.
وفي المقابل، تبقى الكويت وعُمان والبحرين أكثر عرضة لتقلبات أسعار النفط، رغم تحقيقها تحسناً تدريجياً مع الإصلاحات الاقتصادية وتوسيع مصادر الدخل.
إجمالاً، يتوقّع أن تتجاوز القيمة الإجمالية للناتج المحلي لدول الخليج 3.5 تريليون دولار بحلول عام 2030، ما يرسّخ مكانة المنطقة كأحد المحركات الرئيسة للنمو في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
يُعد الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية هو قيمة كل السلع والخدمات التي تُنتج داخل الدولة خلال سنة واحدة بحسب الأسعار الفعلية في تلك السنة، أي دون تعديل لتأثير التضخم.
يرى صندوق النقد أن نجاح المنطقة خلال الأعوام المقبلة سيتوقف على قدرتها على إدارة الفوائض النفطية بذكاء، وتوظيفها في التحول الاقتصادي، لا سيما في الطاقة المتجددة والتقنيات الخضراء.
ففي الوقت الذي تبقى فيه أسعار النفط ركيزة للنمو قصير الأجل، فإن الاستدامة الاقتصادية تتطلب تعزيز الشفافية المالية، وتوسيع القاعدة الإنتاجية، وجذب الاستثمارات في قطاعات المعرفة والابتكار



