إلى خالد الصيفي: الذي لا يُطفئه الاعتقال
المؤشر 04-09-2025
بقلم : عيسى قراقع
يا خالد،
يا شجرةً لم تنحنِ لريحِ الخوف،
يا فرعًا من زيتونةٍ تعلّمت أن تنبت في الإسمنت،
يا ابن الدهيشة،
أيّها الصاعد من زُقاقٍ ضيّقٍ إلى فضاء الحرية الواسع — ولو من خلف الموت،
قالوا: "اعتقال إداري."
كأنّ الألم قرارٌ إداريّ،
كأنّ القهر له ورق مختوم،
كأنّ المجهول قانون،
والتهمةُ: أن تكون فلسطينيًا يُحِبُّ الحياة.
يا صديقي،
هل يظنّون أن الشمس تحتاج إلى تصريح؟
أن النسيم يُعتقَل بتهمة التحريض؟
أن ابتسامتك كانت خطةً لزعزعة أمن الدولة؟
أن خطواتك إلى الدكان المجاور كانت تدريبًا على التسلّل؟
أنك حين ضحكت مع الأطفال، كنتَ توزع منشورات؟
هل باتت النوايا تهمة؟
هل صار التنفس شبهة؟
يا خالد،
في الليل الطويل،
حين تنام الأسلاك ويصحو الجرح،
من يسمعك؟
من يحصي أنفاسك؟
من يعطيك الدواء؟
من يداوي صبر غزة وهي ترتّب الغياب كأنه طقس يومي؟
من يقول للضوء: تعال، هذا وجه خالد ينتظر؟
يا خالد،
الإبادة لا تكون دائمًا بصواريخ…
أحيانًا تكون بحسم الوعي والإدراك ،
بزنزانة بلا نافذة،
بحواجز ومعازل بلا قيود مرئية،
بمحققٍ يتسلّى بحياتك،
بساعة حائطٍ بلا عقارب،
بكرسيٍّ بلا ظلّ،
يا خالد،
أعرف أنك لست وحدك،
وأن السجن ليس لك وحدك،
وأنك لا تحمل وجعك فقط،
بل تحمل مخيمًا كاملًا:
أزقةً تشتهي الركض،
أطفالًا لم يتعلموا النطق إلا بـ"حرية"،
أمهاتٍ يعرفن شكل القيد أكثر من شكل المدرسة.
هل تسمعني الآن؟
ربما يصلك هذا الصوت مختنقًا بين الجدران،
لكن اعلم:
نحن نحرس غيابك بالكتابة،
نحملك على أكتاف القصيدة،
ونقول للزمن:
في السجن رجلٌ من نور — لا تنطفئ عيونه وإن أُغلقت عليه الأبواب.
يا خالد،
حين تعود — ونحن نعرف أنك ستعود —
ستجد في انتظارك
أرصفةً لم تُخن موعدها،
وردًا نما على الإسفلت،
وطفلًا يُمسك بيدك ويقول:
"أبي قال إنك كنت عاشق له الف حبيبة، كيف يكون ذلك؟"
وحينها،
ستبتسم كأنك خرجت للتو من نارٍ تمشي على قدمين،
وتعلّمنا — من جديد —
أن الإنسان لا يُهزَم،
وأن الوطن يُولَد في الزنزانة كما يُولَد في القصيدة،
يا خالد:
تعال نشرب القهوة في مقهى الغلابا،
تعال نقعد على رصيف المخيم،
نعد العابرين على جرح الفقراء،
نكتب أسماءهم في الهواء،
شهيد يخرج من الجدار ويبتسم،
كأنه لازال على قيد الحياة،
تعال نستدعي الأصدقاء الذين رحلوا،
نوقظهم من الصور القديمة،
يصعدون من بين الأسلاك إلى السماء،
تعال نذهب الى كنيسة المهد،
ونقول للمسيح:
اغفر لنا هذا الصمت،
القيود تغرز في معصمك،
من بيت لحم إلى غزة منذ ألفي عام،
والمسمار في عظمك،
المسيح في سجن عوفر،
يحطم الحديد ويشعل الظلام،
ياخالد،
تعال معي إلى لقاء الاربعاء،
اينشتاين في غزة،
كل النظريات والفلسفات ولدت هناك،
غزة تدور حول الشمس.



