الاضراب العام: صراع صدامي على الحرب وعلى هوية الاسرائيليين
المؤشر 18-08-2025
الكاتب: أمير مخول
تشهد اسرائيل مساء السبت 16/8 المظاهرات الأقوى سعةً وصخباً وذلك تمهيدا للاضراب الشعبي العام يوم الاحد 17/8/2025. وتشير التقديرات الى ان هذا الاضراب سينجح في تعطيل مرافق اساسية ومناح كثيرة من الحياة العامة الاسرائيلية. تشارك فيه الى جانب حراكات عائلات الاسرى والمحتجزين عشرات النقابات سواء بشكل كامل او جزئي، كما تشارك فيه كبريات الجامعات والكليات وطواقم طبية ومراكز تجارية ومرافق عامة بالاضافة الى تجند واسع للقطاع الخاص وشركات التكنولوجيا عالية التطور.
يقاس أثر هذه الخطوة بمدى تحولها الى نقطة فارقة في الحراك الشعبي الاسرائيلي من اجل الصفقة ووقف الحرب، وكذلك بالمفاعيل الارتدادية على الرأي العام محليا ودوليا وحصريا بمدى تبنيه امريكيا. ويبقى السؤال المفصلي هل سيدفع الى إحداث حالة انزياح في القاعدة الشعبية لليمين الحاكم وحصريا الليكود.
يحتاج الحراك ومحطة الاضراب العام الشعبي الى عاملين جوهريين من شأنهما مضاعفة قوته وأثره؛ الاول هو وجود معارضة سياسية قوية للغاية ومتناسقة قادرة على قلب الأمور على حكومة نتنياهو، وهذا غير متوفر بل أن المعارضة الاسرائيلية في ذروة بؤسها وضعفها وتكاد تكون عديمة الاثر؛ العامل الاخر والأكثر حسما للامور هو التحول في موقف ادارة ترامب نحو الحسم وفرض وقف الحرب فورا بما لا يقدر نتنياهو على تجاهله، وهي تملك هذه السطوة، بينما ما تقوم به لحد الان هو ما يفسره نتنياهو بأنه الضوء الاخضر للتصعيد الحربي الفتاك على الوجود الفلسطيني وفقا لقرارات الكابنيت الاسرائيلي الاخيرة.
من الملاحظ ان التصعيد الاحتجاجي الاسرائيلي وصولا الى اعلان الاضراب العام يحدث بعد زيارة ويتكوف الاخيرة، والتي سبقتها توقعات عالية من انه سيعلن ابرام صفقة التبادل نحو نهاية الحرب، بينما اعتبر الراي العام الاسرائيلي كما حكومة نتنياهو بأن الموقف الامريكي يدعم التصعيد الأكثر كثافة على غزة. إن خيبة الأمل المدوية من الموقف الامريكي التي أتت في اعقاب التوقعات العالية وتعليق كل امال عائلات ال تدفع حاليا الحراك الشعبي الى اعتماد مسار جديد قائم على قوته الذاتية في تحريك المجتمع وحتى من خلال برنامج طويل الامد لتشويش الحياة العامة في اسرائيل حتى كسر التوجه الحكومي، وهو هدف طموح يلقى تجاوبا واسعا لكن ليس بالضرورة حاسما لتحقيق اهدافه.
يشكل التحوّل في الحراك الشعبي المذكور صراعا داخليا مفتوحا على الهوية الاسرائيلية في مواجهة قيم الصهيونية الدينية المتسيّدة وأقصى اليمين الحاكم، فالحراك الحالي يدعو الى التضامن اسرائيليا من اجل اعطاء الاولوية لعودة الاسرى والمحتجزين وللحيلولة دون مقتلهم ومقتل الجنود كما يعلن قادة الحراك. بموازاة ذلك فإنهم يدفعون بهذا الشعار الى تعزيز رفض الخدمة العسكرية في غزة. في المجمل فإنهم يلتقون مع توجه الاحزاب الحريدية في قضية انهاء الحرب وتبادل الاسرى والمحتجزين، الا ان الصراع مع الحرديم في مسألة الخدمة العسكرية يؤدي الى إضعاف إثر هذا الحراك. في المقابل فإن حالة الاستنزاف بين الجنود وحصريا جنود الاحتياط، ستكون في صالحهم بوصفها عاملا قد يؤثر على استدامة الحرب وإطالة أمدها كما تسعى حكومة نتنياهو.
تشير الصحفية العريقة سيما كدمون في موقع واينت 16/8 الى التحولات الجوهرية والهوياتية في قوات الاحتياط الاسرائيلية، بوصفها تحديا قد يكون مصيريا يتحمل المسؤولية فيه نتنياهو. وفقا لكدمون فإن نتنياهو يدرك بأن قوات الاحتياط تتلاشى، وبأنها تتشكل حاليا واساسا من التابعين لتيار الصهيونية الدينية والذين يمتثلون بنسب عالية لاوامر الاستدعاء المتكررة والمطوّلة. في حين يتجند جمهور كبير ضمن قوات الاحتياط ممن تطلق عليهم "المحترفون"، اي جنود الاحتياط الذين يعانون من أزمات اقتصادية ويعتاشون من الخدمة في الاحتياط. كما وتشير كدمون الى انه من كل فرقة عسكرية تبقّى كتيبتين، وفي ذلك اشارة الى انه لا يوجد رفض خدمة معلن، لكنه حاصل فعليا بسبب الاستنزاف والانهيار الاقتصادي العائلي للجنود ولعدم القناعة بالحرب. فيما تتعمق ازمته الائتلافية مع الحرديم الذين يرفضون استدعاءات ابنائهم للجيش. على هذا الاساس يتعمق صراع نتنياهو مع رئيس الاركان زمير الذي اصدر الاوامر لاكثر من خمسين ألفا منهم للامتثال للخدمة،
هذا الصراع وفقا لها يفتّ من دافعية جنود الاحتياط للخدمة. كما يبدو انه متغيّر قد يؤثر على قرار الحكومة في تحديد مدى الخطة التصفوية لغزة وسعة نطاقها. كما قد يكون لصالح حراك انهاء الحرب والصفقة. فيما ان المعطى التي نشرته الصحفية بشأن التجند الاوسع من ابناء الصهيونية الدينية من شأنه ان يشير الى مدى سيطرة الروح الفتاكة والإبادية، والتي تصبح طاغية وتشير الى هوية الجيش المستقبلية. هؤلاء بالمجمل على قناعة بأولوية "النصر الرباني" وعلى حساب الاسرى والمتجزين والمخاطرة بحياتهم لصالح حرب الابادة للفلسطينيين.
في الخلاصة، فإن الاضراب الشعبي العام قد يشكل حدثا مفصليا نحو الانتقال الى قواعد لعبة جديدة اكثر صدامية مع حكومة نتنياهو سموتريتش بن غفير، بما فيه اعتماد ادوات من العصيان المدني. فيما خيبة الامل من الموقف الامريكي لدى اوساط الحراك الاسرائيلي لوقف الحرب والصفقة، من شأنها ان تشكل ضغطا شعبيا اكثر أثرا على ادارة ترامب.
رغم التحول الجدي سعةً ومضمونا في حراك عائلات الاسرى والمحتجزين، ورغما عن الاضراب العام غير المسبوق، فلا يزال ينقص الحراك الشعبي المساندة الحقيقية من المعارضة الاسرائيلية بما فيه بلورة حل سياسي ومخرج سياسي من الحرب، ولا يزال ينقصه الحزم الامريكي الذي يبدو حاليا أبعد مما كان الانطباع قبل عدة اسابيع.
يشكل الاضراب العام صراعا مكشوفا وصداميا ايضا على هوية الاسرائيليين ودولتهم، وهو صراع بعيد كل البعد عن الحسم بل لا يزال فعليا وليس عددياً لصالح أقصى اليمين وسطوته.



