ترجمات

كيف أصبحت الصواريخ السلاح الحديث المفضل؟

المؤشر 09-05-2024   صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، تنشر مقالاً للكاتبة جاكلين شنايدر، وهي باحثة في معهد هوفر الأميركي، تحدثت به عن خصائص الصواريخ الحربية، ولماذا باتت السلاح المفضّل للدول في الآونة الأخيرة.

قد يكون هذا العام عام الصواريخ. في الشهر الماضي، أطلقت إيران وابلاً من نحو 150 صاروخاً على “إسرائيل”، وأعقب ذلك رد إسرائيلي. وبعد نحو أسبوع، أطلقت مجموعة مسلّحة متمركزة في العراق وابلاً صاروخياً آخر. وشهد هذا العام أيضاً هجمات صاروخية يمنية غزيرة على السفن التجارية، وحملة صاروخية روسية واسعة النطاق استهدفت المدن الأوكرانية، وضربات صاروخية أوكرانية على الأراضي التي ضمّتها روسيا إليها.

لماذا يتم استخدام الصواريخ الآن بكثرة؟ وهل يؤثر هذا على من يحارب وينتصر في الحروب؟

تعود جذور الصواريخ – وهي أسلحة ذات رؤوس حربية متفجرة – إلى الصواريخ الألمانية في الحرب العالمية الثانية. خلال الحرب الباردة، هيمنت الصواريخ الباليستية بعيدة المدى على المنافسة النووية، ولكن لم تنتقل الصواريخ إلى ساحة المعركة التقليدية إلا بعد استخدام “المعالج الدقيق”.

بشّرت حرب يوم “أوكتوبر” عام 1973، بثورة في عالم صناعة الصواريخ، حيث أدّت الحوسبة إلى تحسين الدقّة، مما أدّى إلى ظهور صواريخ جديدة مضادة للدبابات، ومضادة للطيران، وصواريخ كروز، وصواريخ باليستية تقليدية. أصبحت هذه الأسلحة الهجومية الدقيقة بعيدة المدى ركيزة أساسية للسياسة الخارجية الأميركية طوال التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وبمرور الوقت، أصبحت تكنولوجيا الصواريخ – التي كانت متاحة في السابق لأفضل الجيوش فقط – أرخص وأكثر سهولة في المنال. وبات نطاقها الواسع من حيث الحجم والقدرة على المناورة يمنح المستخدمين القدرة على تخصيص الترسانات وفقاً لاحتياجاتهم الخاصة. يمكنهم، على سبيل المثال، الاختيار بين الصواريخ الأصغر حجماً، التي يصعب استهدافها، والصواريخ الأكبر حجماً والأقل قدرة على المناورة ولكنّها أكثر فتكاً. ونظراً لهذه المرونة، يمكن تكييف الصواريخ للهجوم والدفاع، بحيث تكون قادرة على الإطلاق من الأرض أو الجو أو البحر. وعلى عكس العديد من الطائرات بدون طيار، فإن الصواريخ مستقلة إلى حد ما، وتتطلب دعماً لوجستياً محدوداً أو التحكم عن بعد. كذلك، تسمح الصواريخ للدول بشنّ هجمات من مسافات طويلة، من دون المخاطرة بإرسال منصة مأهولة إلى أراضي الخصم.

كل هذه الخصائص – توافرها ومرونتها وقدرتها على تخفيف المخاطر – تجعل الصواريخ سلاحاً مفضلاً في القتال الحديث. ولكن هل هي فعالة بقدر ما هي مغرية؟ الأدلة على ذلك مختلطة. ليس هناك شك في أنّ الصواريخ أحدثت ثورة في الحرب العملياتية، وأدّى التقدم في الصواريخ المضادة للدبابات والمضادة للطيران والسفن إلى زيادة صعوبة إخفاء المنصات، مما يجعل الحرب في ساحة المعركة أكثر خطورة بالنسبة للعديد من المهاجمين. على الرغم من هذه المزايا، هناك أدلة محدودة على أنّ الصواريخ يمكنها، بمفردها، أن تحدث تأثيراً استراتيجياً حاسماً.

لقد كانت نظرية الحرب مغرية منذ فترة طويلة، وهي أنّ الضربات الجراحية التي تستهدف مراكز الثقل الاستراتيجية أو السكان المدنيين يمكن أن تؤدي إلى تآكل الإرادة السياسية من دون الاضطرار إلى شن غزو. لكن حملات الضربات الاستراتيجية فشلت مراراً وتكراراً. لم تتمكن أميركا من هزم “الفيت كونغ” (الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فييتنام) بموجات من طائرات “B-52”. وكانت ضرباتها الدقيقة على حركة طالبان مصحوبة بحرب برّية استمرت عقدين من الزمن، ولم تكن ناجحة في نهاية المطاف.

التحكم في التصعيد أمر صعب أيضاً. من المؤكد أنّ الصواريخ هي خيار أقل خطورة من الطائرات المأهولة. ومع ذلك، فإن استخدامها لخلق القدر المناسب من التأثير للإشارة إلى القدرة والإرادة من دون إثارة حرب شاملة هي لعبة خطيرة من التصورات، والتصورات الخاطئة. ومن المفارقات هنا، أنّه كلما زاد تأثير الصواريخ، زاد احتمال تجاوزها للخطوط الحمراء التي تتسبب عن غير قصد في تصاعد الصراع على نطاق واسع.

ولعل الطريقة التي تغيّر بها تبادلات الصواريخ الحديثة توازن القوى هي الطريقة التي تسمح بها للجهات الفاعلة بإبقاء الحروب محدودة بينما تستنزف بعضها البعض. وكلّفت الهجمات الصاروخية اليمنية الولايات المتحدة عشرات الملايين من الدولارات لاعتراضها وفرض تكاليف أكبر على الاقتصاد العالمي، والصواريخ الإيرانية ربما كلّفت “إسرائيل” وأميركا وآخرين أكثر من مليار دولار للتصدي لها.

تحلّ الصواريخ محل المنصات باهظة الثمن والنادرة، مما يفيد الدول التي لا تمتلك ترسانات متطورة من المدمرات أو الطائرات النفاثة، لكنّها نادراً ما تفوز بالحروب بمفردها، لكنها قادرة على تغيير من يحق له أن يبدأ الحروب ومن يستطيع الحفاظ عليها.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى