ترجمات

بلومبرغ التخلي عن الصين أمر صعب للرأسمالية في الأرجنتين

المؤشر 06-04-2024   تحدثت صحيفة “بلومبرغ” الأميركية عن أهمية الصين العالمية خاصة فيما يتعلق بالشأن الاقتصادي، مشيرةً إلى تراجع الرئيس الأرجنتيني خافيير مايلي عن عدوانيته تجاه الصين، فيما يتعلق بالاتفاقيات الاقتصادية.

التخلي عن الصين أمر صعب، حتى بالنسبة للرأسمالية الفوضوية في الأرجنتين، كما هو حال الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، الذي تراجع عن شعاراته العدوانية تجاه الصين خلال التنافس الانتخابي، مبدياً ليونة وإنه لن يمس الاتفاقيات التجارية بلاده مع الصين.

لطالما وضعت الدول النامية في جميع أنحاء العالم أمام خيار صعب بين الولاء للولايات المتحدة أو الصين في قضايا الاقتصاد والتجارة والأمن. لذلك، لا تحسد الأرجنتين على موقعها بين القطبين، ولا يوجد مكان أصعب مما هو عليه في الأرجنتين للانحياز نحو هذا الطرف أو ذاك.

التضخم بلغ 276% في الدولة الواقعة في جنوب القارة الأميركية، وقد تتالت عليها 6 فترات من الركود يضاف إليها، تاريخ من التخلف عن سداد السندات السيادية على مدى العقد الماضي، مما جعل من الأرجنتين معتمدة على الصين في مجالات اقتصادية ومالية مختلفة، أكثر من أي من جيرانها في أمريكا اللاتينية، حيث تخسر واشنطن حضورها أمام تمدد بكين.

قبل 8 أشهر خلال الانتخابات الرئيسية تعهد خافيير مايلي، أنه سيحد من العلاقات مع الصين إذا أصبح رئيس للأرجنتين، معتبرا أن “التجارة غير ممكنة مع قاتل”، على طريقة دونالد ترامب، الذي يصف نفسه بالرأسمالي الفوضوي الذي يرفض الاشتراكية وتدخل الدولة في شؤون الاقتصاد.

يتخذ الرئيس مايلي اليوم نبرة أكثر واقعية، وأنه ليس لديه أي نية للمس بالعلاقات التجارية بين مع الصين ولا بتبادل العملات بقيمة 18 مليار دولار، وقال في مقابلة حصرية مع رئيس تحرير “بلومبرغ” جون ميكلثويت: “لقد قلنا دائما إننا ليبراليون، ومن يريد القيام بأعمال تجارية مع الصين فبإمكانه ذلك”.

منذ سنوات تتوجه التجارة والاستثمارات الصينية في الأرجنتين في قطاعات كبيرة من اقتصاد البلاد، من السلع الأولية ومجالات الطاقة إلى الخدمات المصرفية، وباستمرار على الرغم من تريث الصين مؤخرا في بعض استثماراتها الخارجية. وإعلانات “البنك الصناعي والتجاري الصيني”، معلقة على ناطحات السحاب في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس. وقد مولت البنوك الصينية عشرات مشاريع البنية التحتية في جميع أنحاء البلاد، من السدود الكهرومائية ومواقع التنقيب عن النفط إلى محطة فضائية ومنجم ذهب ضخم.

ناهيك عن خط مقايضة العملات بقيمة 18 مليار دولار، وهو أكبر مصدر للاحتياطيات الأجنبية في خزائن البنك المركزي المستنفدة. لقد أصبح أكبر خط مبادلة لليوان في العالم، في الوقت الذي كانت الصين تستخدمه في العديد من البلدان لتوسيع نفوذها العالمي. وفي المقابل، تعمل الصين على تأمين إمدادات الغذاء والمعادن المهمة مثل الليثيوم وسوق جديدة لصناعاتها الثقيلة.

كل ذلك، يشي بحقيقة أنه إذا أراد الرئيس مايلي توجيه صدمة إلى الاقتصاد الأرجنتيني المنظم للغاية، كجزء من خطته لانتشال البلاد من الفقر وخفض التضخم، فسوف يواجه ضغوطا شديدة للقيام بذلك دون الصين.

الدرس الذي تعلمه العديد من القادة الآخرين من الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، قبل صعوده إلى السلطة حين انتقد الصين، بل وزار تايوان، ثم رحب لاحقا بالمديرين التنفيذيين لشركة “هواوي تكنولوجي” بعد وصوله للقصر مباشرة، وسمح للشركة بالمشاركة في إرساء البنية التحتية ل “شبكة الجيل الخامس” البرازيلية. وبالعودة إلى الأرجنتين، فقد سعى رئيس البلاد السابق ماوريسيو ماكري، الذي حكم من عام 2015 إلى عام 2019، أيضا إلى تهدئة العلاقات مع الصين، لكن خطته باءت بالفشل. وبالتوازي وبمقابل الدعم الاقتصادي والتنموي، قطعت هندوراس علاقاتها مع تايوان وعززتها مع الصين في العام الماضي.

بالنسبة للمواطن الأرجنتيني، يفهم حجم حضور الاقتصادي الصيني من خلال ملصقات “صنع في الصين” على السلع التي تمثل أكثر من خمسة إجمالي الواردات. كذلك، هناك متاجر بقالة يديرها مهاجرون صينيون وصلوا في العقود الأخيرة بحثا عن فرص في بوينس آيرس وخارجها، وما المبنى المتراص الشاهق الواقع في نهاية المنطقة المالية المتلألئة في بوينس آيرس، إلا شهادة على التحول الجيوسياسي في أمريكا اللاتينية.

ويمكن رؤية لافتات “البنك الصناعي والتجاري الصيني” العملاقة الموجودة أعلى المبنى المكون من 30 طابقا من بعد أميال. خلف ألواح الزجاج التي تطل على مصب نهر ريفر بليت البني، يتجول المسؤولون التنفيذيون الصينيون عبر ممرات مضاءة بالفوانيس الحمراء خلال السنة القمرية الجديدة. قبل 20 عاما فقط، كان “بنك بوسطن” التابع ل “بنك أوف أميركا” يشغل نفس المكاتب، وساعد في تمويل طفرة الصادرات الزراعية في الأرجنتين في أوائل القرن العشرين. ولكن في هذه الأيام، تكافح الشركات الأمريكية للتنافس ضد الصين في القطاعات الاستراتيجية في الأرجنتين.

وحتى مع خروج بعض الشركات الأميركية من الأرجنتين في السنوات الأخيرة، بسبب التقلبات السياسية والاقتصادية في البلاد استمر “البنك الصناعي والتجاري الصين” في عهد 3 حكومات متوالية مختلفة بالعمل بلا تلكؤ، وجمع مليون حساب تجزئة في جميع أنحاء البلاد وقام بتعيين مذيع تلفزيوني أرجنتيني مشهور ليتصدر حملاته الإعلانية.

كذلك لدى الصين مشاريع في المناطق النائية من الأرجنتين، مثل مناجم الليثيوم على الحدود مع بوليفيا في الشمال إلى خطط لبناء ميناء على بعد 2500 ميل في الطرف الجنوبي للبلاد، على بعد رحلة قصيرة بحرية إلى القطب الجنوبي.

يقول مايلي، إن الحكومة الأرجنتينية بدأت مفاوضات مع الصين لتفقد محطة باتاغونيا الفضائية، والتي قالت الولايات المتحدة إنها قد تشكل تهديدا لها ولحلفائها. هذا الأسبوع، التقت جنرال الجيش الأمريكي لورا ريتشاردسون، التي تقود القيادة الجنوبية للبلاد، بكبار مسؤولي الدفاع في الأرجنتين لمناقشة موضوع المحطة الفضائية.

لقد تم بناء شبكة صينية اقتصادية واسعة في الأرجنتين، ودخلت بقوة إلى أمريكا الجنوبية، بينما خاضت الولايات المتحدة حروبا في أفغانستان والعراق بدلا من ذلك. وقد بدأت الاستثمارات الصينية في الأساس من خلال ما يسمى “المد الوردي”، حين وصلت الأحزاب اليسارية إلى الحكم في الأرجنتين وبوليفيا والبرازيل والإكوادور وفنزويلا. ومنذ ذلك الحين، اشترت الصين الكثير من النحاس وفول الصويا، وبنت الكثير من البنية التحتية، حتى أنها تجاوزت الولايات المتحدة كأكبر شريك تجاري لأمريكا الجنوبية.

وتعد الصين ثاني أكبر مشتر لصادرات الأرجنتين، بعد جارتها البرازيل المصدر الرئيسي لوارداتها، وفقا للبيانات التي جمعتها “بلومبيرغ”. والصين هي أكبر مشتر من الأرجنتين لفول الصويا غير المعالج لإطعام قطعانها الضخمة من المواشي. كما أنها لاعب رئيسي في استخراج الليثيوم في الأرجنتين الذي يقلق الولايات المتحدة، حيث تستثمر بكين في مشاريع لإنتاج معدن البطاريات لتشغيل أساطيل الحافلات الكهربائية لديها.

وفي الوقت نفسه، تعمل الصين على إعادة ضبط استثماراتها في المنطقة وسط اضطراب الأسواق في الداخل. وبلغت استثمارات الصين المباشرة في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في عام 2022 فقط، نحو 6.4 مليارات دولار، وهو أقل بكثير من المتوسط السنوي البالغ حوالي 14 مليار دولار بين عامي 2010 و2019، وفقا لتقرير حديث.

في عام 2022، انضمت الأرجنتين رسميا إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية، وهي مبادرة الرئيس شي جين بينغ المميزة لتحدي النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة من خلال شبكة عالمية من البنى التحتية، والتي من شأنها أن تضيف عدة مليارات من الدولارات من الاستثمارات.

وكانت العلاقات بين الصين والأرجنتين قد تعززت في السنوات الأربع الماضية مع الحكومة اليسارية التي كانت تحكم البلاد، وقام الرئيس الحالي بشيطنتها أثناء الانتخابات لأنها انضمت إلى المبادرة الصينية، في حين بدت بكين، وكأنها تدعم تلك الحكومة لولاية ثانية من خلال منحها شريان الحياة المالي في وقت كان اقتصاد الأرجنتين يترنح تحت ضغوط الأزمات.

في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بداية العام الجاري، انتقد مايلي الاشتراكية والاقتصادات التي تعتمد على الدولة بشكل كبير، مثل الصين، والخطر الذي قال إنها تشكله على الغرب، “إننا ندعو العالم الغربي إلى العودة إلى طريق الرخاء، لا تستسلموا لانتهاكات بعض الدول”.

ومع ذلك، فإن المخاطر الاقتصادية المرتبطة بتقليص الصين لوجودها الهائل في الأرجنتين تعني أن مايلي ، لا تستطيع أن تهز القارب الاقتصادي للبلاد بقوة تحتاجها فعلا. وفي بداية العام كشفت وسائل الإعلام الأرجنتينية عن تكهنات بأن وزيرة خارجية مايلي، ديانا موندينو، قد التقت بمسؤولين تايوانيين، لكن في غضون ساعات نفت الأرجنتين حدوث هذا الاجتماع على الإطلاق. وبعد يومين، قال متحدث باسم الصين إن الأرجنتين “أكدت” التزامها بما يسمى بسياسة “الصين الواحدة”، كذلك نشرت موندينو صورة لها على موقع “أكس” مع سفير الصين في بوينس آيرس وهي تصافحه.

لا شك بأن مواجهة بكين بشأن تايوان تخاطر بتقويض مطالبة الأرجنتين بجزر فوكلاند من النفوذ الإنكليزي، لأنه في النزاع من أجل السيطرة على الأرخبيل الواقع في جنوب المحيط الأطلسي، فإن بوينس آيرس لديها موقف مماثل من الموقف الصيني بموضوع تايوان، فالجزر التي تعتبر رسميا منطقة استعمار بريطانية تاريخية، والآن تتمتع بالحكم الذاتي، تقع على بعد بضع مئات من الأميال فقط من الأرجنتين، التي تؤكد بقوة سيادتها عليها.

من المؤكد أن الرئيس مايلي يتخذ خطوات أخرى في السياسة الخارجية لكسب ود حليفته الأيديولوجية الولايات المتحدة. لقد عطل خططا للانضمام إلى كتلة ” البريكس ” التجارية، واشترى طائرات أمريكية الصنع للقوات الجوية الأرجنتينية، بدلا من الطائرات الصينية أو الهندية. وهو يتقرب من حلفاء الولايات المتحدة مثل أوكرانيا وإسرائيل. ويبدو أيضا أن مايلي يتخذ موقفا أكثر صرامة ضد أساطيل الصيد الصينية في مياه البحار الأرجنتينية لصيد الحبار.

وحاول مايلي جذب استثمارات من دول أخرى في الأشهر القليلة الأولى له كرئيس، بما في ذلك إيطاليا واليابان. وعلى وجه الخصوص، حاول إعادة بناء الثقة مع المستثمرين الأمريكيين، ويشعر بالارتياح تجاه ترشح ترامب للرئاسة مرة أخرى.

بالإضافة إلى العلاقات التجارية والمالية المهمة بين البلدين، كانت الأرجنتين أكبر متلق إقليمي للقروض التجارية من الصين منذ العام 2007. وفي الوقت الحالي تحتاج بوينس أيرس إلى مرونة كي تتحرر من ضوابط صندوق النقد الدولي، والذي يمكنها الحصول عليه عبر للصين، التي تمتلك ثالث أكبر حصة تصويت في الصندوق

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى