أوراسيا رفيو خلاف بين الولايات المتحدة وروسيا في النيجر
المؤشر 09-05-2024 مجلة “أوراسيا رفيو” تنشر مقالاً تتناول فيه حدث دخول قوات عسكرية روسية إلى قاعدة أميركية في النيجر، ووجود القوات الروسية وأيضاً الأميركية في الوقت نفسه في القاعدة وإلى ماذا يرمز ذلك. ويتحدث أيضاً عن العلاقات بين النيجر مع كل من موسكو وواشنطن، ومحاولة الأخيرة ترميم هذه العلاقة.
منذ أن خرجت الولايات المتحدة من نصف الكرة الغربي كقوة إمبريالية، لم يحدث أن اقتحم خصم لها، إحدى قواعدها العسكرية في الخارج مطلقاً خلال المائة عام الماضية.
تعتبر القاعدة العسكرية منطقة ذات سيادة، ويشكّل الدخول غير المصرح به إهانة، خاصة من قبل روسيا، القوة العظمى المنافسة. ومع ذلك، تقلل واشنطن وموسكو من أهمية تعايش عسكرييهما في القاعدة الجوية الأميركية بالقرب من نيامي، عاصمة النيجر، والمعروفة باسم القاعدة الجوية 101.
وأصرّ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن على عدم وجود “قضية مهمة” في مثل هذا الحدث في النيجر. وأوضح أوستن أنّ “الروس موجودون في مجمع منفصل ولا يمكنهم الوصول إلى القوات الأميركية أو الوصول إلى معداتنا. إنني أركز دائماً على سلامة وحماية قواتنا. لكن في الوقت الحالي، لا أرى مشكلة مهمة هنا فيما يتعلق بحماية قواتنا”.
ربما يكون سبب ضبط النفس غير المعهود من قبل أوستن، هو أنّ واشنطن ليست في وضع يسمح لها بطرد الروس الآن بعد أن ألغت السلطات النيجرية اتفاقيات وضع القوات مع الولايات المتحدة.
ولا بد أنّ واشنطن أخذت في الاعتبار أيضاً أنّ جيش النيجر، الذي عمل في الماضي بشكل وثيق مع الولايات المتحدة، بينما كان يسعى للتعاون مع روسيا، لم يصل إلى حد الاحتضان الكامل لموسكو كما هو الحال مع الجارتين مالي وبوركينا فاسو. ويمكن القول إنّ ذلك يشير إلى خطة النيجر المزعومة “لتنويع الشراكات الدولية” التي تبقي الآفاق مفتوحة لعودة الولايات المتحدة.
على أية حال، يجب أن يدرك أوستن أنّ هذا المأزق في العلاقات بين الولايات المتحدة والنيجر يُعزى إلى حد كبير إلى سوء إدارة وزارة الخارجية من خلال تصنيف الاستيلاء العسكري على السلطة في نيامي في تموز/يوليو الماضي رسمياً على أنّه “انقلاب”. علماً أنّ ذلك حصل في تشرين الأول/أكتوبر عندما قامت واشنطن بتفعيل قوانين تقيّد الدعم العسكري والمساعدات التي يمكن أن تقدمها للنيجر.
تجاهلت هذه الخطوة العقابية أنّ النيجر ظلت شريكاً وحليفاً رئيسياً في منطقة اجتاحتها الانقلابات في السنوات الأخيرة، حيث استثمرت الولايات المتحدة أكثر من 100 مليون دولار في قاعدة “أغاديز”، والتي كانت ضرورية لعمليات الطائرات الأميركية بدون طيار في منطقة الساحل، وضخّت مئات الملايين من الدولارات أيضاً في برامج تدريب جيش النيجر منذ عام 2013.
وبالعودة إلى الوراء، نجد أنّ بعض قادة الانقلاب قد تدربوا بالفعل في الأكاديميات العسكرية الأميركية. وباختصار، فجّرت وزارة الخارجية الأمر. وبعد اجتماع عاصف في نيامي في منتصف آذار/مارس، عندما اعترض كبار المسؤولين الأميركيين على الوصول المتوقع للقوات الروسية، قرر الجنرالات النيجيريون أنّ الكيل قد طفح، وطالبوا بسحب القوات الأميركية. لم تتوقع واشنطن أن يحدث مثل هذا الشيء.
لا شك أنّ الروس (الذين لم يكن لديهم حتى سفارة في نيامي) جاءوا مستعدين لهذه الفترة الطويلة. حتى أنّ المدربين العسكريين الروس أحضروا معهم نظام دفاع جوي. ومع ذلك، عندما سُئل عن نشر القوات، رد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قائلاً: “نحن نعمل على تطوير العلاقات مع مختلف الدول الأفريقية في جميع المجالات، بما في ذلك المجال العسكري. إنهم مهتمون بذلك، ونحن مهتمون به أيضاً. وسنواصل تطوير علاقاتنا مع الدول الأفريقية”.
وتستفيد روسيا من مواءمة الفرص في أعقاب محادثة هاتفية بين رئيس النظام العسكري في النيجر الجنرال عبد الرحمن تياني والرئيس فلاديمير بوتين في 26 آذار/مارس حول “تعزيز التعاون الأمني”. وكانت موسكو قد روّجت في السابق لتشكيل ما يسمى بتحالف دول الساحل، وهو اتفاق دفاع مشترك تم إنشاؤه بين مالي والنيجر وبوركينو فاسو في أيلول/سبتمبر من العام الماضي، وبالتالي تحييد المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” بشكل فعال. وكان الغرب قد فكّر في مرحلة ما في التدخل العسكري في النيجر (بدعم فرنسي) لاستعادة النظام القديم للرئيس المخلوع محمد بازوم المعتقل.
إنّ الفيلق الأفريقي الروسي لديه مهمة كبيرة، فهناك تحدٍ كبير أمامه حيث تتولى موسكو دور توفير الأمن. وكلما زاد شعور الولايات المتحدة بجنون العظمة بشأن التجارة الخارجية لروسيا في ظل الظروف التي تفرضها العقوبات، زادت أهمية أفريقيا كشريك في مخططات موسكو. هناك دلائل تشير إلى أنّ روسيا تقوم بتنسيق استراتيجية للأمن الإقليمي الإقليمي في غرب أفريقيا.
من جهتها، يبدو أنّ واشنطن قد أجرت تقييماً صادقاً لما حدث في النيجر. أجرت قناة “PBS” مقابلة مثيرة للاهتمام الأسبوع الماضي حول هذا الموضوع المثير للجدل مع بيتر فام، السفير الأميركي السابق والمبعوث الخاص لمنطقة الساحل، حيث أشار إلى أن الإخلاء من القاعدتين في النيجر “سيكون خسارة وانتكاسة كبيرة للغاية”.
واعترف بصراحة غير عادية قائلاً إنّه “كان بوسع الولايات المتحدة أن نكون أكثر انسجاماً مع حقيقة مفادها أن رياح التغيير تجتاح أفريقيا”.
وأضاف: “وبصراحة تامة، أصدقاؤنا وحلفاؤنا الفرنسيون هم شركاء ولكن لديهم الكثير من الأمتعة في هذه المنطقة. هناك اضطرابات واسعة النطاق بشأنهم. لقد كان هناك بعض التلطخ بالارتباط مع فرنسا.. وربما كان بإمكاننا إدارة الوضع بشكل أفضل بكثير من حيث التناغم مع ما كان يحدث، والديناميكيات، وكذلك التعامل مع الأنظمة التي ظهرت..”.
وأكد فام أنّ “الخطأ الكبير الذي نرتكبه هو محاولة إجبارهم على اختيارنا أو اختيار الشخص الآخر.. لكنّهم (الصين وروسيا) يقدمون حلولاً أسرع”.
والجدير ذكره، أنّ وزارة الخارجية الأميركية أعلنت أنّها بدأت بالفعل في التخطيط لإعادة التعامل مع النظام في نيامي.
واستثمرت شركة البترول الوطنية الصينية ما يقرب من 5 مليار دولار في صناعة النفط في النيجر وقامت ببناء خط أنابيب بطول 2000 كيلومتر من النيجر غير الساحلية إلى ساحل بنين على المحيط الأطلسي، في حين تمتلك أيضاً ثلثي الأسهم في حقول نفط أجاديم.
ووقعت شركة النفط الوطنية الصينية اتفاقاً مع نيامي الشهر الماضي بشأن قرض بقيمة 400 مليون دولار باعتباره “شريان الحياة” بعد أن قطع الجنرالات العلاقات مع فرنسا والولايات المتحدة – والذي سيتم سداده بشحنات النفط الخام في غضون 12 شهراً بمعدل فائدة 7%.
وما يبقى في المنطقة الرمادية هو المدى الذي يمكن أن تصل إليه روسيا والصين في تنسيق تحركاتهما. لكن هذا يقع في مجال الجغرافيا السياسية. تكمن مصالح روسيا على ساحل غرب أفريقيا في تأمين اتفاقيات عسكرية ودبلوماسية واقتصادية مع قادة هذه الدول مقابل الوصول الاستراتيجي إلى المحيط الأطلسي. وبطبيعة الحال، إلى الشرق، تقع النيجر وتشاد على الحدود مع السودان حيث تسعى روسيا إلى إنشاء قاعدة غواصات في البحر الأحمر. وهذا له آثار جيوسياسية عميقة.