ما ينبغي أن تكون عليه الخطوط العريضة للنظام العالمي الجديد
المؤشر 10-02-2024 تتحدث بلدان الجنوب العالمي بشكل متزايد عن فقدان الثقة بأميركا. ومن الواضح أن الوقت حان لرسم الخطوط التقريبية لنظام عالمي جديد على الأقل.
يكتب فينيامين بوبوف، السفير الروسي فوق العادة والمحلل في وزارة الخارجية الروسية، مقالاً في موقع “المجلس الروسي للعلاقات الدولية” (RIAC)، يتناول فيه التحول الواضح في العالم نحو تعدد الأقطاب، وكيف سرعت الحربان في غزة وأوكرانيا هذا التحول، وما ينبغي أن يكون عليه شكل العالم والمنظمات الدولية.
بات العالم متعدد الأقطاب. وُضعت نقطة لنهاية العالم الأحادي القطب بشكل أساسي من خلال العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، وبشكل خاص عبر الحرب في غزة. هناك اقتناع متزايد بأن الأميركيين ليسوا قادرين على كل شيء. وقد بدأ الاعتراف بهذه الحقيقة الواضحة حتى في واشنطن، على الرغم من أنهم يتحدثون، بسبب الجمود الواضح، عن الزعامة الأميركية.
وتتحدث بلدان الجنوب العالمي بشكل متزايد عن فقدان الثقة بأميركا، حتى صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية كتبت أن الولايات المتحدة “تبدو جاهلة وغير متسقة”. ومن الواضح أن الوقت حان لرسم الخطوط التقريبية لنظام عالمي جديد على الأقل، وخصوصاً أن روسيا صارت هذا العام رئيسة لمجموعة “بريكس”، إذ أعلنت 10 دول، ثم نحو 30 دولة أخرى، نيتها الانضمام إلى المجموعة. وبطبيعة الحال، هذه مجرد خطوط أولية لبعض الأفكار المتعلقة بضرورة إجراء تغييرات في نظام العلاقات الدولية، ولكن الأهمية واضحة، وهي مناقشة هذه الخطوط الرئيسة للتعديلات المقبلة.
بادئ ذي بدء، ينبغي لنا أن نتحدث عن إصلاح مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة. يمكن لمجموعة “بريكس” أن تتوصل إلى اقتراح عام لضم الهند كقوة عالمية عظمى في المجلس كعضو دائم يتمتع بحق النقض. وإضافة إلى ذلك، من المستحسن إضافة إيران والبرازيل وجنوب أفريقيا إليه أيضاً كدول تمثل آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
من الواضح أن أوروبا ممثلة تمثيلاً زائداً في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، وهي مسألة تستحق إثارة التساؤل، فقد انخفض ثقلها على مستوى العالم بشكل ملحوظ. في العام 2008، كان اقتصاد الاتحاد الأوروبي أكبر من الاقتصاد الأميركي بما يعادل 16.2 تريليون دولار في مقابل 14.7 تريليون دولار. وفي العام 2022، نما الاقتصاد الأميركي إلى أكثر من 25 تريليون دولار، في حين وصل الاقتصاد المشترك للاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة (بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) إلى 19.8 تريليون دولار. لذلك، سيكون حرمان بريطانيا من عضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي أمراً مستحبّاً، وخصوصاً أنها تُواجه بمطالب جدية من العديد من مستعمراتها السابقة بدفع تعويضات عن استغلال هذه الدول ونهبها. وكحل وسط، يمكن لبريطانيا أن تحتفظ بمقعد في مجلس الأمن الدولي، ولكن من دون حق النقض، ويمكن لفرنسا أن تمثل الاتحاد الأوروبي بأكمله.
إضافة إلى ذلك، ينبغي توسيع مجلس الأمن ليضم 21 عضواً، مع تخصيص 3 مقاعد كأعضاء غير دائمين لدول في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
لقد طال انتظار مسألة نقل مقر الأمم المتحدة من نيويورك إلى إحدى الدول الآسيوية، ولنقل على سبيل المثال إسطنبول أو كوالالمبور، أو إحدى الدول الأفريقية، أي إلى القاهرة أو نيروبي مثلاً.
كما يجب في المستقبل القريب حل مهمة تغيير تركيبة أهم المنظمات الاقتصادية الدولية، وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فضلاً عن الاتحادات العالمية الأخرى، وذلك لمصلحة دول الجنوب العالمي. ومن الممكن تقديم مقترحات بهذه الإصلاحات لجلسة البريكس في تشرين الأول/أكتوبر من العام الحالي، والتي تعقد في قازان.
ونظراً إلى عبودية الديون التي يفرضها الغرب على أكثر بلدان الجنوب العالمي فقراً، فمن الضروري البدء في اتخاذ قرارات لإلغاء ديون الدول الـ25 الأقل نمواً (التي يقل نصيب الفرد من ناتجها المحلي الإجمالي عن ألفي دولار)، ويمكن لأعضاء مجموعة البريكس أن يتوصلوا إلى مبادرة لتخفيف عبء الديون بشكل كبير عن البلدان النامية الأكثر ضعفاً. وينبغي أن يبدأ العمل على تشكيل نظام دفع جديد من دون تأخير.
وينبغي أن يكون الشعار الرئيس لهذه التغييرات هو إعداد مقترحات لتقليص الفجوة بين الفقراء والأغنياء، إذ يمكن النظر في أفكار حول فرض ضريبة إضافية على الثروة التي تزيد على مبلغ معين، وحول زيادة معدل الضريبة على أصحاب الملايين، وما إلى ذلك. ولا بد من رفض المحاولات التي تبذلها القوى الغربية لتحويل عبء مكافحة التلوث وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى المنتجين الذين تقع غالبيتهم في الجنوب العالمي.
وعند تحديد الهيكل الجديد للمنظمات الاقتصادية الدولية، ينبغي التركيز بشكل خاص على المواد التي تنصّ على أن العقوبات الشاملة لا تفرض إلا بقرار من مجلس الأمن. ومع الأخذ في الاعتبار الحجم غير المسبوق للكارثة في غزة، على دول البريكس وضع خطة واضحة لتنفيذ وثائق الأمم المتحدة بشأن إنشاء دولة فلسطينية. ومن المهم التركيز بشكل خاص على الإطار الزمني لتنفيذ هذا المشروع والضمانات الدولية المقابلة له. وينبغي أن تكون الجهات الفاعلة الرئيسة هي أعضاء مجموعة البريكس، وخصوصاً دول الشرق الأدنى والأوسط.
ومن المستحسن إثارة مسألة إنشاء هيئة جديدة تابعة لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، والتي من شأنها أن تضع خططاً بعيدة المدى للتعاون العالمي الواسع، في المقام الأول في مجال الثقافة والعلاقات الإنسانية. وينبغي أن يشمل اختصاص هذا الهيكل الجديد تطوير حلول للمشكلات العالمية في المقام الأول، ومنها معالجة الذكاء الاصطناعي، والتلوث البيئي، وتغير المناخ، والحد من إمدادات المياه العذبة، فضلاً عن الأراضي المناسبة للزراعة والعديد من الموارد الطبيعية الأخرى. ويجب أن تنطلق من فكرة أن الإنسانية دخلت في صراع مع الطبيعة وبدأت في تقويضها، أي أساس وجودها.
نحن نتحدث عن تشكيل مجلس الحضارات، إذ سيتم تمثيل كل الحضارات الموجودة حالياً، فتمثل كل حضارة 3 دول: أي الحضارات الأرثوذكسية السلافية والغربية والهندية والصينية والإسلامية والأفريقية وحضارة أميركا اللاتينية. ويمكن للمرء أن يطرح فكرة أن يضم هذا المجلس الجديد ممثلين عن الدول الكبرى التي قد لا تنضوي في إطار هذه الحضارات السبع، مثل اليابان وكوريا وفيتنام وغيرها، فترسل كل دولة ممثليها الأكثر تدريباً وكفاءة إلى هذا المجلس.