ترجمات

“UnHerd”: في الحرب الأهلية القادمة على اليمين.. لن يسمح الاتحاد الأوروبي للأحزاب الشعبوية بالفوز

المؤشر 06-04-2024   يكتب توماس فازي، الكاتب والمترجم في موقع “UnHerd”، مقالاً يتناول فيه الانتخابات البرلمانية الأوروبية المقبلة التي ستشهد صعوداً للأحزاب اليمنية، ولكنه يخلص إلى أن هذه الأحزاب الشعبوية اليمينية ستتحضر مجدداً للهزيمة رغم الصعود، لأنه لن يسمح لها بالفوز وتطبيق أجنداتها.

على بعد شهرين من موعد الانتخابات البرلمانية الأوروبية، تبدو النتيجة النهائية كأنها محسومة، إذ يحذر خبراء السياسة الخارجية من أنّ “استيلاء اليمين المتطرف على السلطة جارٍ”. وفي هذا السياق، يضيف محلّلو صحيفة “بوليتيكو” الأميركية: “هذه المرة، يبدو أنّ التهديد اليميني المتطرف حقيقيّ”.

وبغض النظر عن استخدامهم المبالغ فيه لكلمة “اليمين المتطرف” أو قبوله، فإنّ هذه التحذيرات لها ما يبررها. وعلى الرغم من أنّ حزب الشعب الأوروبي (EPP) الذي ينتمي إلى يمين الوسط سيظل أكبر مجموعة في البرلمان، فمن المتوقع أن يكون الحزبان اللذان يميلان إلى اليمين المتطرف ككتلة الهوية والديمقراطية (ID) وحزب المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين (ECR) أكبر الفائزين. ووفقاً لأحدث استطلاعات الرأي، فإنّ المجموعتين الأخيرتين قد تمثلان وحدهما أكثر من 20% من أعضاء البرلمان الأوروبي، وتمتلكان عدداً من المقاعد يكاد يعادل عدد مقاعد حزب الشعب الأوروبي وحده.

وإذا أضفنا أعضاء البرلمان الأوروبي من الأحزاب اليمينية التي لا تنتمي حالياً إلى أيّ مجموعة، مثل أعضاء حزب “فيدس” بزعامة فيكتور أوربان، فمن المحتمل أن يظهر ائتلاف يميني شعبوي لأول مرة في تاريخ البرلمان الأوروبي، ما يؤدي إلى إطاحة “الائتلاف الكبير” الذي يضم المجموعات الوسطية الثلاث (حزب الشعب الأوروبي، والتحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين (S&D)، وكتلة “تجديد أوروبا”) التي تحكم مؤسسات الاتحاد الأوروبي حالياً، إلّا أنّ قول ذلك أسهل من فعله. وبصرف النظر عن استحالة التحالف بين حزب الشعب الأوروبي وكتلة الهوية والديمقراطية، فإنّ الأحزاب اليمينية الشعبوية في أوروبا بعيدة كل البعد عن تشكيل جبهة موحدة.

 

في الواقع، مع إظهار استطلاعات الرأي وجود منافسة محتدمة بين كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين وكتلة الهوية والديمقراطية على منصب ثالث أكبر حزب في البرلمان الأوروبي، فإنّ المجموعتين – وزعيمتيهما غير الرسميتين المعنيتين جورجيا ميلوني ومارين لوبان – تخوضان حالياً معركة شرسة على قيادة اليمين الأوروبي.

وقد برز هذا الصراع بوضوح في وقت سابق من الأسبوع الماضي، عندما اجتمعت مجموعة كتلة الهوية والديمقراطية التي تضم “حزب الرابطة” في إيطاليا بزعامة ماتيو سالفيني، وحزب “التجمع الوطني” بزعامة مارين لوبان في فرنسا، و”حزب البديل من أجل ألمانيا” (AfD) في ألمانيا، وحزب “الحرية” في النمسا، في روما لعقد مؤتمر. وأكّد سالفيني ولوبان مجدداً رفضهما دعم ولاية ثانية لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وانتقدا ميلوني لعدم استبعاد التوصل إلى اتفاق مع حزب الشعب الأوروبي بشأن إعادة انتخاب فون دير لاين.

وعلى مدى العامين الماضيين، بنت ميلوني علاقة وثيقة مع فون دير لاين، حتى إنها انضمت إليها في زيارات دبلوماسية أوروبية إلى تونس ومصر للحدّ من الهجرة. ويعود السبب في ذلك إلى مصلحة ذاتية؛ فمن ناحية، ترى ميلوني أنّ احتمال الحفاظ على حليف قوي في بروكسل يُعدّ أمراً ضرورياً لبقاء حكومتها، حتى على حساب إحباط ناخبيها وحليفها في الائتلاف. أما مخاوف لوبان، فتختلف تمام الاختلاف؛ فبينما تستعد لمواجهة ماكرون، تحتاج إلى كل صوت ناقم يمكنها الحصول عليه.

وخلال برنامج إذاعي، وجّهت لوبان سؤالاً إلى ممثلي كتلة الهوية والديمقراطية، قائلةً: “جورجيا… هل تدعمين ولاية ثانية لفون دير لاين أم لا؟” وتابعت: “أنا أعتقد ذلك. وهكذا ستساهمين في تفاقم السياسات التي يعانيها الشعب الأوروبي كثيراً”. وفي رسالتها، حثّت لوبان أيضاً الناخبين الإيطاليين على معارضة ميلوني والتصويت لحزب “الرابطة” الذي يتزعمه سالفيني. كما أعلن أندريه فينتورا، زعيم حزب “تشيغا” البرتغالي الصاعد، دعمه سالفيني خلال المؤتمر. واختتمت ماتيلد أندروت، رئيسة كتلة الهوية والديمقراطية، قائلة: “لن نكذب على أنفسنا، نحن نراقب دعم كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين لفون دير لاين من كثب، باعتباره سيكون عنصراً مثيراً جداً للخلاف”.

من جهتها، واصلت ميلوني المراوغة في الموضوع، قائلةً: “لا تكمن المشكلة في رئيسة المفوضية، بل في الأغلبية التي تدعمها، لأنّ هذه الأغلبية هي التي ترسم السياسة في أوروبا”، وأردفت بالقول إنّ الأمر المهم هو تحقيق “أغلبية يمين الوسط” داخل البرلمان الأوروبي، حتى ولو على حساب تسوية محتملة مع فون دير لاين.

وعلى الرغم من محاولاتها الحثيثة لرسم صورة وردية، فإنّ هذه الحادثة كانت مؤشراً على التوترات المتزايدة داخل ائتلاف ميلوني؛ فكونها أصغر شريك لحكومة مؤيدة بشكل متزايد للمؤسسة، يُعد ذلك بمنزلة كارثة بالنسبة إلى شعبية سالفيني. من هنا جاءت جهوده الأخيرة لتعزيز أوراق اعتماده الشعبوية من خلال وضع مسافة بينه وبين ميلوني فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، والحصول على تأييد شخصية شعبوية ذات وزن ثقيل مثل لوبان، لكنّ الخلاف بين لوبان وميلوني ينطوي على ما هو أكثر من مجرد حسابات انتخابية.

وتكشف مسألة إعادة انتخاب فون دير لاين انقسامات عميقة داخل اليمين الأوروبي، وليس بين حزب الشعب الأوروبي والأحزاب الشعبوية اليمينية فحسب، فحتى داخل كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين، هناك الكثير من الأحزاب الوطنية الكبرى، من بينها حزب “القانون والعدالة” في بولندا، وحزب “فوكس” في إسبانيا، وحزب “الاستعادة” في فرنسا، التي تعارض بشدة انتخاب فون دير لاين لولاية ثانية.

والأمر المُفاجئ أنّ رئيسة المفوضية تواجه معارضة من داخل حزبها كما عارض حزب الجمهوريين، الذي يمثل فرنسا داخل حزب الشعب الأوروبي، إعادة انتخاب فون دير لاين، ووصفها بأنها “مرشحة السيد ماكرون، وليست مرشحة اليمين”. لذلك، من السهل أن نرى سبب قلق الكثير من “حلفاء” ميلوني اليمينيين بشأن علاقتها مع فون دير لاين.

إنّ تأييد أحد أكبر وأقوى الأحزاب اليمينية الشعبوية في أوروبا لـ”ائتلاف أورسولا” الجديد، إلى جانب ماكرون والاشتراكيين، سيكون بمنزلة ضربة رمزية كبيرة لأيّ ادّعاء بأن الشعبوية اليمينية تمثل بديلاً مُجدياً للسياسة الأوروبية السائدة.

ومع ذلك، سيكون من الخطأ إلقاء اللوم كله على ميلوني. والحقيقة هي أنّ الخلاف حول إعادة انتخاب فون دير لان يعكس أيضاً خلافات أيديولوجية جوهرية بين الأحزاب اليمينية الشعبوية في أوروبا، وخصوصاً فيما يتعلق بالقضايا الجيوستراتيجية. على سبيل المثال، تمتلك الأحزاب التي تشكل كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين عموماً توجهاً قويّاً عبر الأطلسي ومؤيداً لحلف شمال الأطلسي، كما أيدت الدعم العسكري لأوكرانيا. وقد تجلى مؤخراً الانتقاد الشديد لروسيا من قبل كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين ككل بالتوقيع المشترك على إعلان مشترك بشأن تقديم المزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا في كانون الثاني/يناير 2024، بالتعاون مع حزب الشعب الأوروبي، والتحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين، وحزب “تجديد أوروبا”، وحزب “الخضر” البريطاني.

في غضون ذلك، تشهد كتلة الهوية والديمقراطية انقساماً شديداً حول هذه المسألة، فتحالف سالفيني الذي كان يسعى في السابق إلى إقامة علاقات وثيقة مع روسيا وفلاديمير بوتين، انضم اليوم إلى التيار السياسي السائد بشأن روسيا وأوكرانيا، في حين ترك حزب الفنلنديين العام الماضي كتلة الهوية والديمقراطية لمصلحة كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الخلافات حول روسيا.

في المقابل، اتخذ كلّ من حزب “التجمع الوطني” وحزب “البديل من أجل ألمانيا” موقفاً أكثر انتقاداً بشأن دعم الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي لأوكرانيا، في حين امتنعت العديد من الأحزاب داخل كتلة الهوية والديمقراطية عن التصويت أو صوتت ضد أي قرار مرتبط بالعلاقات مع حلف شمال الأطلسي. علاوة على ذلك، تبرز خلافات جوهرية مماثلة بين الحزبين فيما يتعلّق بقضايا استراتيجية بالغة الأهمية، مثل عضوية الاتحاد الأوروبي والتوسع الأوروبي والصين، فضلاً عن القضايا الاجتماعية والاقتصادية.

ولكن في نهاية المطاف، تتجلّى العقبة الأكبر التي تحول دون ظهور جبهة يمينية شعبوية أوروبية موحدة لا علاقة لها بالاختلافات الأيديولوجية بين الأحزاب بطبيعة الاتحاد الأوروبي ذاتها. ونظراً إلى درجة السيطرة الاقتصادية والمالية التي تمارسها بروكسل على الدول الأعضاء، وخصوصاً تلك التي تشكل جزءاً من منطقة اليورو، لا تملك حتى الحكومات “الشعبوية” خياراً سوى مجاراة إملاءات الاتحاد الأوروبي.

وفي ما مضى، لم يكن لدى الاتحاد الأوروبي أي شكوك بشأن اللجوء إلى الابتزاز المالي والنقدي، بما في ذلك ضد البلدان التي لا تنتمي إلى منطقة اليورو، ولكن مؤخراً  لجأ إلى هذا الأسلوب مع هنغاريا بعدما هدد أوربان باستخدام حق النقض ضد أحدث حزمة دعم لأوكرانيا من الاتحاد الأوروبي، فكان تهديد بروكسل بتخريب الاقتصاد الهنغاري ينبئنا بالعقلية الاستعمارية الجديدة التي تهيمن على مؤسسة الاتحاد الأوروبي وإلى أي مدى سيذهب الاتحاد الأوروبي لإخضاع الحكومات المتمردة.

في المحصّلة، لا يمكن للأحزاب الشعبوية، وخصوصاً في منطقة اليورو، أن تصبح متطرفة إلا بقدر ما تكون في المعارضة، ولكنها تضطر إلى النكث بوعودها الانتخابية بمجرد وصولها إلى السلطة، وهذا ما يفسرّ الاختلافات الحاصلة بين حزب المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين وكتلة الهوية والديمقراطية؛ فبينما يضم الحزب الأول عدداً من الأحزاب التي كانت أو لا تزال حالياً في الحكومة، أدت الأحزاب الأعضاء في كتلة الهوية والديمقراطية دوراً معارضاً إلى حدّ كبير في بلدانها، فإذا وصلوا إلى الحكومة، سيتخلون بسرعة عن تطرفهم، كما فعل آخرون من قبلهم. في الواقع، على الرغم من كل انتقاداتها لميلوني، فإنّ الحقيقة هي أنّ لوبان نفسها، في سعيها لأن تصبح الرئيسة المقبلة لفرنسا، تمر “بالحالة الميلونية”، من خلال تخلّيها عن برنامجها المناهض لليورو وتليين مواقفها بشأن روسيا وأوكرانيا وحلف شمال الأطلسي.

وبالتالي، سيكون من السذاجة افتراض أنّ وجود أغلبية يمينية في البرلمان الأوروبي من شأنه أن يغير هذا الوضع، نظراً إلى أنّ السلطة الحقيقية في الاتحاد الأوروبي تُمارس في أماكن أخرى، في المفوضية والمجلس والبنك المركزي الأوروبي، ولا يوجد أي ضمان بأن انتخاب المزيد من الحكومات اليمينية الشعبوية من شأنه أن يخلق الظروف الملائمة “لتغيير الاتحاد الأوروبي من الداخل”.

وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة “لإضفاء الطابع الأوروبي” على السياسة في القارة، لا تزال السياسة الأوروبية مدفوعة بالديناميات الاقتصادية والجيوسياسية والثقافية الوطنية، وستظل هذه الديناميات تختلف بشكل صارخ بين الدول بغضّ النظر عن التقارب الأيديولوجي بين الحكومات. ومن خلال رفض الاعتراف بهذه المُعضلة الكبيرة المتمثلة في التناقض الأساسي وغير القابل للتسوية بين الاتحاد الأوروبي والديمقراطية، تتحضّر الأحزاب الشعبوية اليمينية في مختلف أنحاء القارة لتجرّع كأس هزيمتها من جديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى