مركز دراسات: حروب ظالمة وسلام عادل
المؤشر 28-03-2024 يكتب والدن بيلو، وهو الرئيس المشارك لمجلس “التركيز على الجنوب العالمي”، وأستاذ مساعد في علم الاجتماع في جامعة ولاية نيويورك، يكتب مقالاً في مركز “Foreign policy in focus” يتحدث عن الحروب الثلاث التي يشهدها العالم حالياً، وكيف تتقاطع فيها الاعتبارات المحلية مع الإقليمية والعالمية، وضرورة أن يتم تحقيق السلام العالمي.
تظهر الحروب أو الصراعات الثلاث الكبرى الجارية اليوم مدى تقلب التقاطع بين المحلي والعالمي.
في الصراع بين حماس و”إسرائيل”، نرى كيف يتشابك الحفاظ على الدولة الاستعمارية الاستيطانية الإسرائيلية مع الحفاظ على الهيمنة العالمية للولايات المتحدة.
وفي الحرب في أوكرانيا، اندلعت حرب استنزاف دامية بين البلدين بسبب سعي واشنطن إلى توسيع حلف شمال الأطلسي ليشمل إحدى دول الاتحاد السوفياتي السابق.
وفي بحر الصين الجنوبي، نشهد كيف ارتفعت النزاعات على الأراضي والموارد الطبيعية إلى صراع عالمي بسبب الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة للحفاظ على هيمنتها العالمية ضد الصين، والتي تخسر المنافسة الجيواقتصادية عليها ولكنها لا تزال تتمتع بالتفوق العسكري المطلق.
باختصار، يكمن السبب الرئيسي لعدم الاستقرار العالمي اليوم في اندماج المحلي والعالمي، والجغرافيا السياسية والاقتصاد الجغرافي، والإمبراطورية والرأسمالية.
ميزان القوى، ميزان الرعب
ما يجعل الصراعات الحالية متقلبة بشكل خاص هو أنها تحدث في ظل غياب أي سلطة قسرية متعددة الأطراف فعالة لفرض تسوية سلمية. وفي أوكرانيا، فإن توازن القوة العسكرية هو الذي سيحدد نتيجة الحرب، وهنا يبدو أن روسيا هي المنتصرة على المحور الأوكراني وحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.
في الشرق الأوسط، لا توجد قوة قسرية فعالة لمعارضة العملاق العسكري الإسرائيلي الأميركي – ما يجعل الأمر أكثر وضوحاً أنه على الرغم من حملة الإبادة الجماعية المستمرة منذ ما يقرب من 5 أشهر، فإن “إسرائيل” لم تحقق هدفها الرئيسي: تدمير حماس.
وفي بحر الصين الجنوبي، ما يحدد مسار الأحداث هو توازن القوى بين الصين والولايات المتحدة. لا توجد “قواعد للعبة”، لذا فإن هناك دائماً احتمال أن تصطدم السفن الأميركية والصينية – أو تتجه نحو بعضها البعض، ثم تنحرف في اللحظة الأخيرة – عن طريق الخطأ، ويمكن أن يتصاعد هذا الاصطدام إلى شكل أعلى من الصراع مثل الحرب التقليدية.
وبدون القيود القسرية الفعالة التي تفرضها منظمة متعددة الأطراف على القوة المهيمنة وحلفائها، فمن الممكن أن تنحدر الأخيرة بسهولة إلى الإبادة الجماعية والقتل الجماعي. وسواء في فيتنام، أو العراق، أو أفغانستان، أو غزة، فقد تبين أن اتفاقيات جنيف واتفاقية مناهضة الإبادة الجماعية كانت مجرد قطع من الورق.
حق الدفاع عن النفس
ونظراً لغياب حكم متعدد الأطراف قادر على فرض إرادته، فإن تطوير القوى السياسية والدبلوماسية والعسكرية المضادة هو وحده القادر على كبح جماح القوة المهيمنة. وهذا هو الدرس الذي علمته حروب التحرير الوطني في الجزائر وفيتنام للعالم. وهذا هو الدرس الذي تعلمنا إياه المقاومة الفلسطينية اليوم.
ولهذا السبب، حتى عندما ندين الحروب الإمبراطورية التي تشنها القوة المهيمنة، يجب علينا أن ندافع عن حق الناس في اللجوء إلى الدفاع المسلح عن النفس.
وهذا لا يعني أن جهود صنع السلام التي يبذلها المجتمع المدني العالمي ليس لها دور تلعبه.. ما زلت أتذكر كيف نشرت صحيفة “نيويورك تايمز”، قبل وقت قصير من غزو العراق، مقالاً في 17 فبراير/شباط 2003، رداً على التعبئة الجماهيرية ضد الغزو المخطط له للعراق، جاء فيه أنه لم يتبق سوى قوتين عظميين في العالم، وكانا الولايات المتحدة والرأي العام العالمي، وأن الرئيس جورج دبليو بوش آنذاك تجاهل هذا التدفق من المقاومة العالمية على مسؤوليته الخاصة.
لقد ساهم المجتمع المدني العالمي في إنهاء الحربين في أفغانستان والعراق من خلال تآكل شرعية تلك الحروب بين الرأي العام الأميركي، مما جعلها لا تحظى بشعبية كبيرة حتى أن دونالد ترامب أدانها – في وقت لاحق – كما فعل العديد من الشخصيات التي صوتت للحرب في الكونغرس الأميركي.
ومن المرجح أن يكون للقرار الأخير الذي اتخذته محكمة العدل الدولية والذي أمر “إسرائيل” بمنع الإبادة الجماعية في غزة تأثير مماثل لمقاومة المجتمع المدني العالمي لغزو بوش الابن للعراق. قد لا يكون لقرار محكمة العدل الدولية تأثير فوري على الحرب المستمرة، لكنه سيؤدي إلى تآكل شرعية مشروع الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري على المدى الطويل، مما يؤدي إلى تعميق عزلة “إسرائيل” على المدى الطويل.
السلام العادل
كثيراً ما نرى السلام كحالة مثالية. لكن سلام المقبرة ليس سلاماً. إن السلام الذي يتم شراؤه بثمن القمع الفاشي ليس فقط غير مرغوب فيه، ولكنه لن يدوم.
إن الشعوب المضطهدة مثل الفلسطينيين سترفض السلام بأي ثمن، السلام الذي يتم الحصول عليه على حساب الإذلال. وكما أظهروا خلال الأعوام الـ 76 التي تلت النكبة، وطردهم الجماعي من أراضيهم ومنازلهم، فإن الفلسطينيين لن يقبلوا بأقل من السلام مع العدالة، وهو السلام الذي يمكنهم من استعادة أراضيهم التي استولى عليها الإسرائيليون، وإقامة دولة ذات سيادة “من النهر إلى البحر”.
إن بقية العالم مدين لهم بدعمهم المخلص لتحقيق مثل هذا السلام العادل من خلال جميع الوسائل الممكنة، حتى ونحن نعمل على معارضة الحروب الإمبراطورية التي تشنها القوى المهيمنة في أجزاء أخرى من العالم.