أميركي يفقد ثروته عبر «رسالة فيسبوك»

أميركي يفقد ثروته عبر «رسالة فيسبوك»

المؤشر 30-11-2025   في عالم أصبحت فيه المعاملات الرقمية جزءاً من حياتنا اليومية، وقع جو نوفاك، الموظف السابق في تكنولوجيا المعلومات من نيوجيرسي، ضحية عملية احتيال متقنة استهدفته عاطفياً عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تُستغل أمواله في استثمارات وهمية بالعملات المشفّرة.

وخلال ستة أشهر فقط، فقد نوفاك 280 ألف دولار —ما يقارب كل مدخراته— في واحدة من أكثر عمليات الاحتيال الحديثة انتشاراً، والمعروفة باسم Pig Butchering، التي تعتمد على استدراج الضحايا عاطفياً لزيادة الثقة قبل دفعهم إلى ضخ أموالهم في منصات رقمية وهمية.

القصة تكشف حجم تعقيد الاحتيالات الرقمية اليوم، وكيف يمكن للجانب العاطفي أن يكون سلاحاً خطيراً يستغله المحتالون للسيطرة على أموال الضحايا، وتحذر من مخاطر التعامل مع الاستثمارات الرقمية عبر قنوات غير موثوقة.

لم يكن جو نوفاك، الموظف السابق في قطاع تكنولوجيا المعلومات من نيوجيرسي، يعلم أن رسالة ودّية من «غريبة» على فيسبوك ستكون بداية انهيار حياته المالية بالكامل.

 

في أكتوبر 2024، تلقّى نوفاك رسالة من حساب يحمل اسم «إيليس دانر»، زعمت أنها مصممة أزياء من نيويورك. كانت الرسالة بسيطة: «وجدتك من الأصدقاء المقترحين.. أعجبني ما كتبته عن ابنك.. ربما يمكننا التواصل».

 

كان نوفاك في حينها يمرّ بمرحلة هشّة: مطلّق حديثاً، يخوض معركة قضائية حول حضانة طفليه، وفقد وظيفته كنائب رئيس في شركة تكنولوجيا، ويعيش عزلة اجتماعية متزايدة.

انتقلت المحادثة سريعاً من فيسبوك إلى واتساب، وبمرور الأسابيع، تغيّرت نبرة الرسائل من التعارف إلى الارتباط العاطفي. وبحلول فبراير، أعلن الطرفان «حبّهما» لبعضهما.

لكن وراء الصور اللامعة والأحاديث الحنونة، كانت الخطة محكمة.

أسلوب الإغواء.. حياة مترفة وصور فارهة

تقول السلطات الأميركية إن عمليات Pig Butchering تعتمد أولاً على بناء علاقة عاطفية قوية، ثم إدخال فكرة «الاستثمار» تدريجياً.

وهذا ما حدث تماماً، فقد قدّمت «إيليس» نفسها كسيّدة أعمال ناجحة؛ وأرسلت إلى نوفاك صور سيارات «فيراري»، مقاطع من حفلات الموضة، فيديوهات لكلبها «لاكي»، ومشاهد من حياتها اليومية في مانهاتن.

وكانت ترسل له رسائل صوتية لخلق اتصال أقرب، لكنها كانت تتجنب –بإصرار– أي مكالمات فيديو مباشرة، باستثناء اتصال واحد غير واضح.

ولاحقاً، تبيّن أن كل الصور والفيديوهات مأخوذة من حساب مؤثرة حقيقية على إنستغرام، لا علاقة لها بالحادثة.

الخطوة التالية.. «استثمار آمن» في العملات المشفّرة

بعد أشهر من بناء الثقة، بدأت «إيليس» الحديث عن الاستثمار في العملات الرقمية، وقدّمت نفسها كخبيرة في المجال، بمساعدة أختها المستثمرة في المجال، وكانت رسالتها له: «الاستثمار في العملات المشفّرة هو مصدر دخل ثابت، سأرشدك خطوة بخطوة».

وأرشدته فعلاً، فقام بفتح محفظة رقمية، وتحويل الأموال من حسابه البنكي، وربط المحفظة بمنصة استثمار معينة، وإرسال صور بياناته الشخصية.

وجرب نوفاك وديعتين صغيرتين بقيمة 1500 دولار، وتمكّن من سحب الربح بنجاح، وهي حيلة كلاسيكية يستخدمها المحتالون لكسب ثقة الضحية.

بعدها بدأ يضخّ أمواله تباعاً، وبحلول أبريل 2025، كان قد وضع 280 ألف دولار —كل ما تبقّى له بعد الطلاق— في تلك المنصة، ثم اختفت إيليس واختفى حسابها، واختفت أمواله معها.

لقد خسرتُ كل شيء

يقول نوفاك (52 عاماً): «خسرت مستقبلي ومستقبل أطفالي.. كيف أخبر أمي المريضة أن كل شيء ضاع».

كان نوفاك يعيش حياتين في ذلك الوقت: واحدة على أرض الواقع، حيث كان بلا عمل ويخوض نزاع حضانة، وأخرى افتراضية، تصنع له فيها «إيليس» شعوراً بأن شخصاً ما يهتم به حقاً.

ولكن بمجرد أن حاول سحب جزء من الأرباح، فوجئ بأن حسابه محظور، والمنصة تطالبه برسوم إضافية للسحب. وحين رفض الدفع، تمت تصفية حسابه بالكامل.

كيف تم اختيار الضحية؟

تؤكد تحقيقات CNN أن المحتالين درسوا منشوراته على فيسبوك، وعرفوا أنه عاطفي تجاه طفله المصاب بحساسية الطعام، وعرفوا أنه فقد عمله وزواجه، وأنه حصل على مبلغ مالي بعد بيع بيته، كما علموا اهتماماته بالغولف، البحيرات، المشي، وذكروا أماكن ارتادها ولم ينشرها على الإنترنت.

ويقول خبراء إن عمليات Pig Butchering تُدار من غرف كاملة مليئة بالمحتالين، يستخدمون قواعد بيانات ضخمة ومعلومات تُجمع من وسائل التواصل وأدوات الذكاء الاصطناعي.

لماذا تنتشر هذه العمليات بقوة الآن؟

لأنها تعتمد على الذكاء العاطفي وليس التقنية فقط، والوحدة والضغط النفسي، وغياب الفهم الحقيقي للعملات المشفّرة، وسهولة نقل الأموال عبر محافظ رقمية لا يمكن استرجاعها.

ووفقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، فقد خسر الأميركيون أكثر من 3.5 مليار دولار عام 2024 وحده بسبب هذا النوع من الاحتيال.

خبراء يحذّرون: الرسالة ليست عن نوفاك فقط

هذه القصة ليست حالة فردية، إنها نموذج متكرر لاستهداف ضحايا يعانون من ضغط نفسي، وبناء علاقة عاطفية قوية، وخلق وهم الثراء السريع، وجعل الضحية تستثمر بنفسها حتى لا تشعر بأنها أُجبرت، ثم سحب الأموال والاختفاء.

ويقول أحد الخبراء لـCNN: «هؤلاء المحتالون محترفون، مدرّبون، ويعملون ضمن شبكات تمتد بين آسيا وأوروبا وإفريقيا».

درس باهظ الثمن

يقول نوفاك اليوم: «كنت أظن أنني أذكى من أن أسقط في هذا الفخ، لكنك لا تعرف نفسك عندما تكون وحيداً وتبحث عمّن يسمعك».