هل الذكاء الاصطناعي يرفع حقاً فواتير الكهرباء؟

هل الذكاء الاصطناعي يرفع حقاً فواتير الكهرباء؟

المؤشر 19-10-2025   بينما يلهث العالم وراء ثورة الذكاء الاصطناعي، تتسارع فاتورة غير متوقعة يدفعها المستهلكون.. فاتورة الكهرباء، من منازل الأميركيين العادية إلى أبراج وادي السيليكون العملاقة، ترتفع أسعار الطاقة بوتيرة غير مسبوقة، مدفوعة بجوعٍ رقمي لا يشبع لمراكز البيانات التي تغذي نماذج الذكاء الاصطناعي.

فما بين طفرة التكنولوجيا وضغوط البنية التحتية، يتساءل كثيرون اليوم: هل أصبح الذكاء الاصطناعي —الذي وُعدنا بأنه سيجعل الحياة أسهل— هو نفسه ما يجعل تكلفتها أعلى؟

في يوليو تموز الماضي، فوجئت الممرضة الأميركية ليندسي مارتن بأن فاتورة الكهرباء في منزلها بلغت 314 دولاراً، وهي الأعلى منذ بداية العام، قبل أن تقفز مجدداً في أغسطس آب إلى 372 دولاراً، مقارنة بنحو 150 دولاراً فقط قبل عامين.

ما ظنّته مارتن رقماً مبالغاً فيه بات اليوم أمنية للكثير من الأميركيين الذين يشكون من تضاعف فواتيرهم على مواقع التواصل.

تؤكد بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن أسعار الكهرباء ارتفعت بنسبة 13% منذ عام 2022، وأن وتيرة نمو الأسعار تجاوزت معدل التضخم، مع توقعات بمزيد من الارتفاع في مناطق مثل الساحل الهادئ ونيو إنغلاند.

ويرى خبراء الطاقة أن هذه الزيادة لا ترتبط فقط بتقلبات الطقس أو بتكاليف تحديث شبكات الكهرباء المتهالكة، بل تتصل أيضاً بموجة تكنولوجية جديدة يقودها الذكاء الاصطناعي، الذي غيّر خريطة الطلب على الطاقة في الولايات المتحدة والعالم

مراكز البيانات تستهلك طاقة بحجم مدن

منذ بداية طفرة الذكاء الاصطناعي، ضخت شركات التكنولوجيا العملاقة مليارات الدولارات في بناء مراكز بيانات قادرة على تشغيل النماذج المتقدمة التي تستهلك كميات هائلة من الكهرباء.

أعلنت شركتا «أوبن إيه آي» و«برودكوم» مؤخراً عن شراكة لتطوير أنظمة ورقائق ذكاء اصطناعي بقدرة 10 غيغاواط، وهي طاقة كافية لتشغيل مدينة كاملة.

وتُقدّر وزارة الطاقة الأميركية أن مراكز البيانات ستستهلك ما بين 6.7% و12% من إجمالي الكهرباء في الولايات المتحدة بحلول عام 2028، مقارنة بـ4.4% في عام 2023.

كما أظهرت بيانات «بلومبرغ» أن المناطق المحيطة بهذه المراكز شهدت قفزة في أسعار الكهرباء وصلت إلى 267% خلال خمس سنوات فقط.

سباق استثماري وضغط على البنية التحتية

تسارعت الاستثمارات في البنية الرقمية على نحو غير مسبوق، فقد أنفقت «ميتا» 17 مليار دولار على نفقات رأسمالية خلال الربع الثاني من العام.

فيما بلغت استثمارات «مايكروسوفت» 24.2 مليار دولار في الفترة نفسها، ليرتفع الإنفاق على إنشاء مراكز البيانات إلى 40 مليار دولار في يونيو حزيران، وفق تقرير «بنك أوف أميركا».

يخلق هذا التوسع ضغطاً هائلاً على شبكات الكهرباء، التي لم تشهد طلباً مماثلاً منذ عقدين، ويقول الرئيس التنفيذي لـ«جمعية مشتري الطاقة النظيفة»، ريتش باول، إن قطاع الطاقة يحتاج إلى استثمارات ضخمة في التوليد والنقل لمجاراة الزيادة الحالية في الطلب.

ويضيف خبراء آخرون أن الصناعة لم تكن مستعدة لهذه الطفرة، فبحسب بوب جونسون، المحلل في مؤسسة «غارتنر»، فإن «القطاع ببساطة غير مجهز لمواكبة الانفجار في الطلب».

لماذا ترتفع الفواتير؟

تتكوّن أسعار الكهرباء من تكلفة التوليد والنقل والتوزيع، إضافة إلى الإنفاق على تحديث الشبكات، ومع أن الشركات الكبرى تحصل عادة على أسعار تفضيلية نظراً لبساطة التوزيع إلى مواقع محددة، فإن نماذج التسعير الحالية لم تُعدّل لتستوعب توسع مراكز البيانات.

في إطار ذلك، أقرت ولاية أوريغون قانوناً يُلزم مراكز البيانات بدفع تكلفة الضغط الفعلي الذي تسببه على شبكة الكهرباء المحلية، حتى لا تُحمَّل الأعباء على المستهلكين العاديين.

يقول جونسون إن «من غير المنطقي أن يتحمل أصحاب المنازل تكاليف استهلاك الشركات التكنولوجية للطاقة، لكن هذا الخلل ما زال قائماً في هيكل التسعير».

مستقبل الطاقة في زمن الذكاء الاصطناعي

تزايد الطلب لا يأتي فقط من مراكز البيانات، بل أيضاً من التحول نحو أنظمة تدفئة كهربائية في المنازل ومن التوسع الصناعي الجديد في بعض الولايات.

ومع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي لتشمل إنشاء مقاطع الفيديو وبرمجة المواقع خلال ثوانٍ، تصبح الحاجة إلى طاقة أكبر أمراً حتمياً.

يقول الأستاذ شاولاي رين من جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد إن «الذكاء الاصطناعي يعتمد على عمليات حسابية كثيفة جداً، ما يجعله من أكثر التقنيات استهلاكاً للطاقة».

وبينما يرى بعضهم أن هذه الطفرة ستدفع نحو مزيد من الابتكار في الطاقة النظيفة، يخشى آخرون أن يتحمل المواطن العادي تكلفة التحول التكنولوجي، في وقت تتسارع فيه فواتير الكهرباء أكثر من أي وقت مضى.