لماذا تحولت طفرة الذكاء الاصطناعي إلى عبء مالي على المطورين والشركات؟

لماذا تحولت طفرة الذكاء الاصطناعي إلى عبء مالي على المطورين والشركات؟

المؤشر 30-08-2025  عندما بدأت ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي قبل أعوام قليلة، توقع الخبراء أن تكلفة استخدام هذه النماذج ستنخفض بشكل حاد، حتى إنها قد تصبح «أرخص من أن تُحسب».

كان المنطق بسيطاً؛ مع توسع البنية التحتية وزيادة كفاءة النماذج، من الطبيعي أن تتراجع التكلفة التشغيلية.

لكن الواقع جاء مختلفاً، فبينما انخفضت أسعار الوحدة الرقمية (Token) بشكل لافت، تضاعف في المقابل عدد التوكنات اللازمة لإنجاز المهام، وفق تقرير وول ستريت جورنال.

وجاءت النتيجة بارتفاع غير متوقع في الفواتير، خاصة للشركات الناشئة والمطورين الذين يشترون خدمات الذكاء الاصطناعي بالجملة لبناء تطبيقات تحليل المستندات وكتابة الأكواد أو تشغيل الوكلاء الافتراضيين.

ارتفاع تكاليف الذكاء الاصطناعي رغم تراجع سعر التوكنات

لا تتعلق المسألة بالسعر بقدر ما تتعلق بالاستهلاك.

أصبح الجيل الجديد من النماذج أكثر «ذكاء» وأعمق في التفكير، لكنه بات يحتاج إلى موارد إضافية في كل عملية استدلال (Inference).

بعض الأمثلة على استهلاك التوكنات:

دردشة أساسية: 50 - 500 توكن

تلخيص مستند قصير: 200 - 6,000 توكن

مساعدة برمجية بسيطة: 500 - 2,000 توكن

كتابة كود معقد: 20,000 - 100,000+ توكن

تحليل وثيقة قانونية: 75,000 - 250,000+ توكن

تشغيل وكيل متعدد الخطوات: 100,000 - مليون توكن أو أكثر

وكلما زادت درجة التعقيد، زاد الاستهلاك.

فالنموذج قد يعيد تشغيل الاستعلام للتأكد من النتيجة، أو يتوجه إلى الإنترنت لجمع معلومات إضافية، أو يكتب برامج فرعية صغيرة للتحقق، والنتيجة أن الإجابة قد تكون دقيقة أكثر، لكنها استهلكت أضعاف التوكنات.

تأثير الذكاء الاصطناعي على هوامش أرباح الشركات الناشئة

باتت الآن شركات التكنولوجيا الإنتاجية مثل نوشن، التي كانت تحقق هوامش أرباح تقترب من 90% (وهي نسبة طبيعية لشركات البرمجيات السحابية)، تتنازل عن 10% من أرباحها لصالح مزودي الذكاء الاصطناعي.

أما شركات «البرمجة بالذكاء الاصطناعي» مثل Cursor وReplit، فقد أجرت تعديلات على نماذج التسعير.

بعض مستخدمي Cursor استهلكوا رصيدهم الشهري خلال أيام قليلة فقط بعد النظام الجديد، فيما واجهت Replit موجة شكاوى على منصات مثل ريديت بسبب ما سمته «التسعير المبني على الجهد».

ورغم هذه الضجة، يؤكد الرئيس التنفيذي لـReplit، عماد مسعد، أن الإيرادات لم تتأثر بشكل جوهري، وأن خطط الشركات الكبرى لا تزال قادرة على تحقيق هوامش تصل إلى 80% – 90%.

استثمارات في بنية الذكاء الاصطناعي التحتية

لا تقف المسألة عند حدود التطبيقات الناشئة، بل تمتد إلى البنية التحتية العملاقة.

إذ تنفق شركات مثل أوبن إيه آي وأنثروبك وغوغل وميتا، إضافة إلى شركات ناشئة ممولة بمليارات، أكثر من 100 مليار دولار سنوياً على بناء حواسيب خارقة ومراكز بيانات لتدريب وتشغيل هذه النماذج.

يطرح هذا الاستثمار الضخم سؤالاً محورياً، من سيدفع في النهاية؟ هل المستخدمون الأفراد الذين يدفعون اشتراكات شهرية؟ أم الشركات التي ستضطر لرفع أسعار خدماتها لتعويض التكلفة؟

الفائزون والخاسرون في سباق الذكاء الاصطناعي

الفائزون على المدى القصير: الشركات العملاقة القادرة على امتصاص التكاليف بفضل أرباحها من قطاعات أخرى (مثل إعلانات غوغل وميتا).

أما الخاسرون المحتملون: الشركات الناشئة التي تعتمد على واجهات برمجة التطبيقات (APIs) دون امتلاك نماذجها الخاصة، إذ تصبح عرضة لضغط مزدوج: تكلفة أعلى ومنافسة مباشرة مع مزوديها.

النماذج الأرخص كحل لتقليل تكاليف الذكاء الاصطناعي

يطرح بعض الخبراء حلاً وسطياً، وهو تشجيع المستخدمين على الاعتماد على نماذج أبسط وأرخص، تكفي للمهام اليومية.

جي بي تي-5 نانو: نحو 0.10 دولار لكل مليون توكن.

جي بي تي-5 الكامل: نحو 3.44 دولار لكل مليون توكن.

إذاً فالفارق كبير جداً، ومعظم المستخدمين لا يحتاجون إلى قوة الذكاء الاصطناعي الأقصى لأداء مهام بسيطة مثل تلخيص بريد إلكتروني أو كتابة تقرير أولي.

عمالقة التكنولوجيا ينافسون عملاءهم بخدمات مجانية

بدأ بعض عمالقة التكنولوجيا بتقديم خدمات مجانية، وهو الأمر الأخطر، ففي يونيو حزيران الماضي، عرضت غوغل أداة كتابة أكواد مجانية للمطورين، ما يضع الشركات الناشئة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في موقف صعب، كيف يمكنها المنافسة إذا كان مزودو التكنولوجيا أنفسهم يقدمون الخدمات مباشرة للمستخدمين؟

مستقبل غير محسوم

لا تزال طفرة الذكاء الاصطناعي في بدايتها، لكن السؤال الأبرز اليوم، هل ستبقى مجالاً مفتوحاً للشركات الناشئة والابتكار، أم ستتحول إلى ساحة تحتكرها الشركات العملاقة بفضل قوتها المالية؟

ما هو واضح حتى الآن أن الوعود بانخفاض التكاليف لم تتحقق، وأن «الذكاء الأرخص» قد يكون الخيار الأكثر واقعية أمام الشركات والمستهلكين على حد سواء.