رأي للمؤشر

آن الأوان لتفنيد بعض الأكاذيب

المؤشر 07-02-2024  

بقلم: د. صبري صيدم

لديّ الكثير مما أود أن أقوله، لكنني سأحجم هذه المرة عن القول إلى ما بعد الحرب المستعرة على شعبنا، التي تصر فيها إسرائيل على الإبادة العرقية لجموع الفلسطينيين. ومع ذلك فإنني أجد لزاماً عليّ أن أدعو قارئ هذا المقال للتأمل في ما أقول وأن يعيد النظر في بعض الأكاذيب التي تروج في اتجاهات مختلفة، خاصة مع اقتناع البعض بها.

أولى هذه الأكاذيب، هو الادعاء بأن إسرائيل على وشك الإفلاس، أو أن اقتصادها على حافة الانهيار، فصمود الشعب الفلسطيني أمام محرقة القرن، أسطوري لا محالة لكنه لن يفضي لتلك النتيجة التي يقتنع بها البعض، بل يلح على ذكرها، ليس لأن لإسرائيل كفاءة عالية وشفافية مطلقة في إدارة اقتصادها، بل لأن للمشروع الصهيوني ملاءة مالية تفوق ما اصطلح على تسميته بمال قارون. فخزائن بعض الدول الغنية من أقصى الأرض إلى أقصاها كأمريكا مثلا، سخرت لدعم الدولة العبرية، بحيث باتت متاحة دائماً لضمان هذه الملاءة وحمايتها، مهما بلغت تكلفة حروب إسرائيل ونزواتها.

الأكذوبة الثانية تصر على أن تكاليف الحرب الحالية وما سبقها من حروب، باهظة جدا وأن ذلك يثقل كاهل إسرائيل. لأصحاب هذا الاعتقاد أقول إن لإسرائيل غطاء ماليا مفتوحا لتكاليف التسليح والتدمير وإعادة الإعمار. فإسرائيل لم تدفع يوماً مقابل حروبها، ولا ثمن ما تملكه من تسليح، إلا ما تنتجه أو تطوره فقط، وذلك لكون فاتورة التسليح مدفوعة سلفاً، وهي لا تدفع أيضاً تكلفة أي دمار تتسبب به، ولا تبدي أي انشغال بإعادة إعمار ما تدمره، بل تدفع حكومة الاحتلال دولاً أخرى لتولي هذه الفواتير، بما يضمن استفادتها أيضاً من ذلك.

والأكذوبة الثالثة إن خلافاً جدياً يستفحل بين إسرائيل وأمريكا، في محطة أو محطات ما. إن وجود إسرائيل قرار أمريكي تاريخي وهو ما يجعل وقوف أمريكا إلى جانب إسرائيل مطلباً مستداماً، لذلك فإن زواج المصلحة هذا لا تهزه أي اختلافات، ولا تحرفه أية ادعاءات. فرضى إسرائيل ولوبيات ضغطها في أمريكا ودول التأثير المختلفة، أمر لا بد منه لأي رئيس أو سياسي طموح، كما أن الغطاء السياسي والمالي واللوجستي شريان حياة بالنسبة للاحتلال ومخططاته. ولو شاءت الأقدار إن سمعنا عن خلاف ما مع الإدارة الأمريكية، فستجد أن الأمر إما مسرحية أو تبادل أدوار أو زوبعة في فنجان ليس إلا.

أما الأكذوبة الرابعة فتكمن في قناعة البعض بأن إسرائيل تخشى العقوبة والمحاكمات وهو أمر غير دقيق إطلاقاً، فعقيدة الاحتلال تستند إلى المناعة القضائية، والحماية العدلية، والقدرة القطعية على الإعفاء من الملاحقة القانونية والمحاسبة والعقاب، وهي بذلك تضمن القيام بما تقوم به دونما مساءلة أو حساب.

وعليه من المهم أن يقتنع المخدوعون بالمحاور الأربعة آنفة الذكر بأن المشروع الصهيوني لا يعيش في فلسطين فحسب، بل يمتد ويتشعب في عواصم عدة بحثاً عن سبل كفيلة لتثبيت تلك المكتسبات، التي تضمن إطالة أمد الاحتلال وحماية الدولة وصيانة بقائها وتوفير المنعة لها، مهما كلف من جهد وثمن وحروب. فهل تشكل حرب اليوم منعطفاً ينهي هذا الحال؟ ننتظر ونرى.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى