ترجمات

“Counterpunch”: الحد من الفقر في ظل الرأسمالية مجرد خرافة

المؤشر 31-08-2024   موقع “Counterpunch” ينشر مقالاً للكاتب ريتشارد د. وولَف، يتحدث فيه عن النظام الاقتصادي الرأسمالي، ويقول إنّ ادّعاءات عمله على تعزيز التقدّم بدلاً من إبطائه هي ادّعاءات أيديولوجية بحتة.

مُنذ أن نشأ النظام الاقتصادي الرأسمالي، انقسم الناس بين مناهضين أدركوا أنّهم سيكونون في مقدّمة ضحايا هذا النظام، ومحتفلين بالبركة التي ستحلّ عليهم. وفي حين طوّر الضحايا خطابهم النقدي ومقترحات التغيير المطلبية، لم يتأخّر المستفيدون في تجديد خططهم للدفاع عن النظام كذلك. وقد استطاع هؤلاء إنتاج مستويات من الحجج الفعّالة على نطاق واسع ضدّ مُنتقدي الرأسمالية أمام الجماهير. وأصبحت هذه الحجج بمنزلة الأساطير والخرافات الأساسية الداعمة لسردية مواربة في الأصل، مثل أنّ النظام الرأسمالي هو من منح الرخاء للعالم وقلّلَ من الفقر.

يزعم مناصرو الرأسمالية مُنذ فترة طويلة أنّ النظام هو محرّك توليد الثروة، بحسب منظّري الرأسمالية الأوائل، وفي مقدّمتهم آدم سميث وديفيد ريكاردو، على عكس ما رأى مُنتقدو الرأسمالية الأوائل، مثل كارل ماركس، الذي وصفها بالنظام المبني على تراكم الإنتاج واللاعدالة.

الأعمال تحتاج إلى تنمية دائمة على خلفية المنافسة السوقية ولضرورة بقاء النظام الرأسمالي المدفوع بتنمية الثروة على قيد الحياة، ولكن توليد الثروة ليس حكراً على الرأسمالية. والشائعة القائلة إنّ الرأسمالية وحدها هي من يصنع الثروات أكثر من الأنظمة الأخرى مجرّد خُرافة، ولكن كيف تُنتج الثروات؟ وما الذي قد يؤدّي إليها؟

لا ريب في أن هناك مجموعة كاملة من العوامل الأخرى التي تساهم في إنتاج الثروات. ولا يقتصر الأمر على النظام الاقتصادي، سواء كان رأسمالياً أو إقطاعياً أو اشتراكياً أو غير، لأنّ توليد الثروة يعتمد على كل أنواع الظروف في التاريخ، مثل الموادّ الخام والبيئة والاختراعات، التي تحدّد سياق توليد الثروة ومدى سرعة ذلك.

وتؤدي كلّ هذه العوامل دوراً إلى جانب دور النظام الاقتصادي القائم، مهما كان شكله؛ فحين تفكّك الاتّحاد السوفياتي عام 1989، زعم البعض أنّ الرأسمالية صرعت منافسها الاشتراكي الحقيقي الوحيد، واستخدموا الأمر لإثبات أنّ الرأسمالية هي أعظم مولّد ممكن للثروة، وأنّ “نِهايَةَ التارِيخِ” قَدْ وَقَعَتْ، على الأقلّ في ما يتعلّق بالأنظمة الاقتصادية غير الرأسمالية.

هكذا فُرض على الجميع عنوة عدم التفكير أو مجرّدَ تخيّل نظام اقتصادي مُختلف عن الرأسمالية، ناهيك بالقدرة على تحقيقه

هكذا تتضخّم بضراوة أساطير الرأسمالية، فرغم أنّ الثروات تضاعفت بكمّيات كبيرة على مدى القرون القليلة الماضية خلال انتشار النظام الرأسمالي على الصعيد العالمي، فإنّ هذا لا يُثبت أنّ الرأسمالية هي التي تسببت بنموّ الثروة. ربّما نمت الثروة، على الرغم من أنف الرأسمالية. وربّما كانت لتنمو بشكل أسرع مع وجود نظام آخر. والأدلّة على هذا الاحتمال تستند إلى حقيقتين مهمّتين؛ أوّلاً، كان أسرع نموّ اقتصادي قياساً بالناتج المحلّي الإجمالي في القرن العشرين، هو الذي حقّقه الاتّحاد السوفياتي. وثانياً، كان أسرع نموّ للثروة في القرن الجاري حتّى الآن هو نموّ جمهورية الصين الشعبية، فقد رفض كلا المجتمعين الرأسمالية، وتبنّيا بكلّ فخر النظام الاشتراكي.

وهناك نسخة أخرى من هذه الأسطورة التي انتشرت على نحو خاص في السنوات الأخيرة، تزعم أنّ الرأسمالية تستحقّ الثناء على انتشال ملايين البشر من براثن الفقر على مدى الأعوام الـ300 الماضية، وأدّت إلى مستوى معيشة أعلى مع غذاء وأجور وظروف عمل أفضل، وأدوية ورعاية صحّية، وتعليم وتقدّم تقني جيّد، كذلك قدّمت مساعدات ضخمة للأكثر فقراً بين الدول، وهي تستحقّ التصفيق على مساهماتها الاجتماعية الرائعة.

تُشبه أسطورة تقليل الفقر المزعومة أسطورة توليد الثروة المذكورة آنفاً، ونجاة الملايين من الفقر في فترة تعميم النظام الرأسمالي لا تثبت أنّ هذا النظام خلف هذا الأمر. كذلك، كان بوسع أيّ نظام آخر غير رأسمالي أن يخرج مُواطنيه من الفقر، وربّما بطريقة أسرع، وتشمل عدداً أكبر من الناس لأنّها نظّمت علاقات الإنتاج وتوزيع الثروة بشكل مُغاير عن النظام الرأسمالي.

لقد عارض الرأسماليون وأنصارهم دائماً تقريباً التدابير المصمّمة للحدّ من الفقر أو القضاء ليه، ووقفوا سداً منيعاً ضدّ قوانين الحدّ الأدنى للأجور لسنوات عديدة. وعندما أجبروا على تمرير هذه القوانين، عارضوا دائماً نموّها أو رفعها كما يفعلون الآن في الولايات المتّحدة مُنذ العام 2009.

كذلك، عارض الرأسماليون القوانين التي تحظر أو تحدّ من عمالة الأطفال، وتقليص طول يوم العمل، وتوفير تعويضات البطالة، وإنشاء أنظمة التقاعد الحكومية، مثل الضمان الاجتماعي، وتوفير نظام التأمين الصحّي الوطني، ومنع التمييز بين الجنسين والتمييز العنصري ضدّ النساء والأشخاص الملوّنِين، وعارضوا بشدّة الضرائب التصاعدية، وتأمينات السلامة والصحّة في مراكز العمل، والتعليم المجّاني الشامل من مرحلة المدرسة إلى الجامعة، ورفضوا قيام النقابات خلال قرن ونصف قرن، كما قيّدوا التفاوض مع ممثّلي العمّال والمساومة الجماعية، ومنعوا وزجروا المنظّمات اليسارية والاشتراكية التي تهدف إلى تنظيم الفقراء وإغاثتهم.

في الحقيقة، التقليل من الفقر تحقّق بالرغم من معارضة الرأسماليين، وإرجاع الفضل إلى الرأسمالية ما هو سوى تزييف مُطلق يقوم به الرأسماليون لجهل جماهيرهم بتاريخ مُكافحة الفقر خلال القرن الماضي والحالي. وغالباً ما تستند هذه الادّعاءات إلى تفسيرات خاطئة للبيانات. على سبيل المثال، تعرف الأمم المتّحدة الفقر المدقع بمستوى دخل يقلّ عن 1.97 دولار في اليوم. وقد انخفض عدد الفقراء الذين يعيشون على أقلّ من 1.97 دولار في اليوم بشكل ظاهر في القرن الماضي، ولكنّ دولة واحدة هي الصين، أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكّان، شهدت إحدى أعظم حالات الخروج من الفقر في العالم خلال القرن الماضي، وشكّلت نموذجاً هائلاً يشير إلى أنّ انخفاض الفقر العالمي في العقود الأخيرة كان نتيجة لنظام اقتصادي يصرّ على أنّه ليس رأسمالياً، بل هو اشتراكي.

إنّ الأنظمة الاقتصادية تُقيم في النهاية وفقاً لمدى نجاحها أو فشلها في خدمة المجتمع الذي توجد فيه. والطريقة التي ينظّم بها الإنتاج وتوزيع السلع تُحدّد مدى نجاحه في تلبية الاحتياجات الأساسية لسكّانه من الصحّة والغذاء والملبس والمأوى والتعليم والترفيه اللازم لتحقيق التوازن اللائق بين الجهد في العمل والمردود المادّي، ولكن هل نجحت الرأسمالية في تحقيق هذه الأهداف؟

 

تتراكم الثروة لدى الأنظمة الرأسمالية الحديثة الآن بيد نحو 100 فرد في العالم يمتلكون مجتمعين ثروة تفوق ما يمتلكه نصف سكان الكوكب، أيّ نَحو 3 مليارات ونصف مليار نسمة. القرارات المالية التي يتّخذها هؤلاء الأثرياء لها تأثير بالغ في اقتصاد النصف الأفقر على وجه المعمورة. ولهذا السبب، يموت الفقراء في عمر قصير مع التقدّم كله في عالم الطبّ، ويُعانون أمراضاً يُمكن علاجها، ويتضوّرون جُوعاً في حين لدينا فائض من الغذاء، ويفتقرون إلى التعليم، ولدينا الكثير من المعلّمين الذين يُعانون الكثير من المآسي. جُهود الرأسمالية للحدّ من الفقر هي في الحقيقة خرافة محض.

لقد تمّ حدّ من الفقر من خلال نضال الفقراء ضد الفقر الذي تعيد إنتاجه الرأسمالية بشكل منهجي. فضلاً عن ذلك، حاز الفقراء في كثير من الأحيان مساعدة من منظّمات الطبقة العاملة النضالية في العالم، بما في ذلك المنظّمات المناهضة للرأسمالية بقوّة. ادّعاءات الرأسمالية أنّها تعمل على تعزيز التقدّم بدلاً من إبطائه هي ادّعاءات أيديولوجية بحتة، ذلك أنّ الأنظمة الاقتصادية المختلفة، بما في ذلك الرأسمالية، تعمل على تعزيز التنمية وتأخيرها بطرق وبسرعات مبتكرة في أقسامها المتنوّعة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى