ترجمات

“ذي إنترسبت”: جهود أميركية لقمع الأنشطة الصحافية والخطاب المؤيد لفلسطين

المؤشر 10-08-2024  مجلة “ذي إنترسبت” الأميركية تنشر مقالاً للكاتبة ناتاشا لينارد، تتحدّث فيه عن الجهود التي تمارسها الجهات الأميركية لقمع الأنشطة الصحافية والخطاب المؤيّد لفلسطين، وأبرزها إلقاء القبض على مصوّر صحافي في مدينة نيويورك بتهمة ارتكاب جريمة كراهية على خلفيّة وجوده خلال مسيرة احتجاجية مؤيّدة لفلسطين وتوثيقه لها.

في انتهاك صارخ للحريات الصحافية والنشاط المحمي بموجب التعديل الأول للدستور، ألقي القبض على مصوّر صحافي في مدينة نيويورك بتهمة ارتكاب جريمة كراهية على خلفيّة وجوده خلال مسيرة احتجاجية مؤيّدة لفلسطين وتوثيقه لها.

ووفقاً للاتهامات، قام سام سيليغسون، وهو مصوّر صحافي مستقل معتمد، بتصوير مجموعة صغيرة من الأشخاص في حزيران/يونيو الماضي، وهي تقوم بكتابة شعارات مؤيّدة لفلسطين ومعادية للصهيونية على جدران منزل كلّ من مديرة متحف بروكلين ورئيسه واثنين من مسؤولي المتحف.

وتتهم الرسائل والشعارات التي كُتبت على جدران المنازل مسؤولي المتحف بالتواطؤ في حرب الإبادة الجماعية التي تشنها “إسرائيل” على قطاع غزة. وقبل أسبوع من هذه الواقعة، استدعى المتحف الشرطة لتنفيذ اعتقال جماعي للمتظاهرين الذين تجمّعوا داخل المبنى.

لا أحد يفترض أنّ الكتابة على الجدران التابعة لملكية خاصة تُعدّ أمراً قانونياً بموجب قانون نيويورك. ولم يتم اتهام سيليغسون بالكتابة على الجدران أو تخريب أي ممتلكات. ومع ذلك، فهو يواجه اتهامات بارتكاب فعل إجرامي، تم تعزيزه باعتباره جريمة كراهية؛ كما يواجه شخص آخر يُزعم أنه قام بنقل المشاركين من وإلى منازل المسؤولين عن المتحف اتهامات بارتكاب جريمة الكراهية. ولا تزال الشرطة تبحث عن أربعة مشاركين مزعومين.

إنّ مواجهة أحد المشاركين في الكتابة على الجدران تهماً جنائية ليس مفاجئاً. ومع ذلك، فإنّ تصنيف هذه الأفعال على أنها جريمة كراهية يُعدّ في حد ذاته تجاوزاً مثيراً للقلق. إذ لم يتم استهداف منزل مديرة متحف بروكلين، آن باسترناك، لأنها يهودية، بل بسبب معاملة إدارة المتحف للمتظاهرين المتضامنين مع غزة. أما المنازل الأخرى المستهدفة، فهي ليست ملكاً للشعب اليهودي.

ولا يمكن للأشخاص الذين قد يعارضون طبيعة الأساليب المتبعة، الزعم بصورة منطقية أنّ هذا الفعل كان يستهدف أفراداً لكونهم يهوداً. فالأهداف كانت منازل الأفراد الذين يشغلون مناصب قيادية في مؤسسة كانت موقعاً للاحتجاجات المناهضة للحرب.

إنّ الإشارة إلى أنّ علاقات متحف بروكلين بـ”إسرائيل” ومجمعها الصناعي العسكري تمنح بطريقة أو بأخرى الهوية اليهودية لمسؤولي المؤسسة تُعدّ بمثابة نسخة مهينة بشكل خاص من الخلط الشائع والخبيث بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية.

إلّا أنّ الأسباب الكامنة وراء القيام بهذا الأمر واضحة. إذ إن تهمة ارتكاب جريمة كراهية هي من بين الجهود القمعية التي لا تعدّ ولا تحصى للتعامل مع التضامن الفلسطيني باعتباره معاداة للسامية بحكم الأمر الواقع؛ وبالتالي، يتم تحويله إلى معاداة للسامية بحكم القانون.

يُعدّ تعزيز جريمة الكراهية أمراً سيئاً جداً. فإثبات تهم جرائم الكراهية المبالغ فيها على الصحافي الذي يغطي الحادثة لهو أمر مثير للقلق؛ بل أمر مثير للغضب. إذ ليس هناك من يزعم بأنه شارك في الكتابة على الجدران، وهو متهم لمجرّد التنقّل مع المشاركين في الاحتجاجات وتوثيق أنشطتهم.

وفي هذا الإطار، قال روبرت بالين، المحامي الذي تولّى الدفاع عن المصوّرين الصحافيين الذين اعتقلتهم شرطة نيويورك خلال احتجاجات جورج فلويد: “في حال تم اتهامه بالتنقّل مع الأشخاص المشاركين في الاحتجاجات لتوثيق الحدث، فهذه ليست جريمة، بل هي عمل صحافي”. وشدّد بالين على احتمال أن تظهر المزيد من المعلومات المرتبطة بهذه القضية لتعقيد القصة، قائلاً: “إذا كانت الحقائق كما تم تصويرها، أي أنه لم يشارك فعلياً في الأحداث الأساسية، فإن توجيه تهم جنائية ضده يُعدّ أمراً مقلقاً للغاية”.

وحتى الآن، لم يتمكّن الادعاء من إثبات وجود سيليغسون ذلك اليوم، ولم يعلّق سيليغسون ومحاميه على ما إذا كان قد حضر أم لا. لكنه لن يكون أول مصوّر صحافي يرافق الأشخاص المنخرطين في أنشطة سياسية أو غيرها من الأنشطة غير القانونية، بما في ذلك الكتابة على جدران الممتلكات الخاصة لأغراض وثائقية.

 

وقد أقرّ مسؤول أمني، تحدّث إلى وكالة “أسوشيتد برس” من دون الكشف عن هويته، بأنّ سيليغسون “لم يكن متورّطاً بشكل مباشر في الكتابة على الجدران أو إتلاف الممتلكات”. وبالتالي، لا شك في أنه موقوف بتهمة توثيق الحدث فحسب.

وبحسب لينا ويدي، محامية سيليغسون، فإنّ الدعوى الجنائية المرفوعة ضد الصحافي “لا تدّعي وجود أي سلوك محدّد منسوب إليه خارج مكان التظاهر، الأمر الذي يتوافق تماماً مع دوره كصحافي يعمل على توثيق الاحتجاجات أو غيرها من الأنشطة”.

وقد أخبرتني ويدي بأن “الدولة لم تقدّم أي دليل موثوق على أنه كان موجوداً بالفعل في مكان التظاهر. وحتى لو كان هناك، لم تقدّم أي ادعاءات بأنه شارك في أي نشاط يتجاوز مجرد الحضور”.

التورّط بتهمة ارتكاب جرائم الكراهية

لا يوجد قانون يلزم الصحافيين، أو أي شخص عادي، بالعمل كمخبرين للشرطة في حال وجودهم في مكان حصول جريمة ما.

بل على العكس من ذلك، هناك مصلحة عامة محدّدة في ضمان قدرة الطاقم الصحافي على الاستجابة للتلميحات وتغطية الأحداث من دون خوف من أن يواجهوا بدورهم الملاحقة القضائية بسبب وجودهم المستمر في الميدان. ولا ينبغي أن يقتصر الحق في مراقبة السلوك غير القانوني وإثباته من دون اعتباره تواطؤاً على الصحافيين فحسب.

وقد كتبت مجموعة مدافعة تابعة لمؤسسة “حرية الصحافة” ” Freedom of the Press Foundation” على منصة “إكس”: “إنه أمر مقلق للغاية! فقد ابتكر رجال الشرطة والمدّعون العامون الكثير من النظريات الملتوية لتجريم الصحافة”. وأضافت المنظمة أنّ “اتهام مراسل بارتكاب جريمة كراهية بسبب توثيقه للأخبار يجب أن يكون من أفظع الاتهامات التي تم توجيهها حتى الآن”.

قد يكون للاتهامات الموجّهة إلى سيليغسون تأثير مروّع على النشاط الصحافي، حيث يبدو أنّ قيام أحد العاملين في وسائل الإعلام بتوثيق حادثة غير قانونية يُعرّض ذلك الصحافي للمسؤولية الجنائية. ولا ينبغي أن يواجه سيليغسون أي نوع من الاتهامات، فما بالكم باتهامات جرائم الكراهية الخطيرة بسبب تغطية حدث لا ينبغي اعتباره في حد ذاته جريمة كراهية.

وأوضحت ويدي، محامية سيليغسون، قائلةً: “يبدو أنها محاولة واضحة لقمع الأنشطة الصحافية والخطاب المؤيد لفلسطين. إذ تستوجب الاتهامات الاعتقاد بأنّ أي دعم لإسرائيل هو حتماً مرادف لليهودية، وهو أمر غير صحيح بشكل واضح وخطير للغاية”.

من جهتها، قالت مويرا ميلتزر كوهين، المحامية الموكّلة بالدفاع عن شخص متهم بترّأس الاحتجاجات: “لا أعتقد أنّ أياً من هذه الاتهامات كافية لوصفها بجريمة كراهية”. كما يواجه موكلها عدّة تهم تتعلق بأعمال إجرامية تُصنّف على أنها جرائم كراهية.

وأضافت ميلتزر كوهين أنّها لا تستطيع التحدّث بشكل مباشر عن قضية سيليغسون، لكنها أعربت بصفة عامة عن مخاوف جدية بشأن السوابق المحتملة التي قد تنشأ في حال تمّ تهديد الصحافيين بالملاحقة القضائية لتوثيق أنشطة محظورة.

كذلك قالت لي ميلتزر كوهين: “نتطلّع في هذا المجتمع إلى إمكانية توثيق السلوكيات غير القانونية، ولا سيّما السلوك السياسي غير القانوني والإجراءات التجميلية المحظورة. ولا أعتقد أن أي شخص كان يتوقّع أن يتمّ تصنيف هذا النشاط على أنه جريمة كراهية، ولا أعتقد أن أي شخص كان يتوقّع أن يتمّ توريط صحافي بهذه الاتهامات”.

وقد أفاد مكتب المدعي العام لمنطقة مانهاتن بأنّ الأشخاص الذين يواجهون تهم جرائم الكراهية متهمون بـ”تخريب هذه المنازل ودعم المقاومة الفلسطينية في مواجهة إسرائيل، واستخدموا رمزاً شعبياً للمقاومة الفلسطينية والوحدة العربية”.

وتجدر الإشارة إلى أنّه بموجب التعديلين الأول والخامس للدستور وبموجب قانون “نيويورك شيلد”، الذي يحمي المراسلين من الاضطرار إلى الكشف عن مصادر أو مواد سرية، فإنّ الصحافيين المهنيين غير ملزمين قانونياً بمشاركة أي معلومات مع الشرطة أو المدّعين العامّين تتعلق بالمشاركين في الأحداث التي قد يقومون بتغطيتها، حتى تلك التي تنطوي على سلوك غير قانوني.

وفي حال كان اعتقال سيليغسون واتهامه بأمور غير منطقية ومبالغ فيها محاولة لإجبار الصحافي على الإدلاء بأي معلومات تخص الواقعة التي حصلت، فإن الشرطة والمدّعين العامّين قد أرسوا بالفعل سابقة خطيرة وقمعية، سواء أُثبتت التهم أم لم تثبت.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى