ترجمات

كاونتر بانش الناتو يتجه إلى سويسرا.. وداعاً للحياد؟

المؤشر 15-04-2024   يتناول الكاتب دانيال وارنر، في مقال له تحت عنوان “الناتو يتجه إلى سويسرا.. وداعاً للحياد؟.. في موقع “كاونتر بانش” الأميركي، سعي حلف شمال الأطلسي “الناتو” لضم سويسرا إلى الحلف، متحدثاً عن فتح الحلف مكتباً تمثيلياً له في العاصمة السويسرية جنيف، وهو البلد الذي كان يُعدّ محايداً قانونياً منذ سنوات، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول هذا التحوّل لهذا البلد الذي اشتهر منذ سنوات بهذا الحياد، وفق الكاتب، وخصوصاً بعد إجراء استطلاع في البلاد أدهشت نتائجه غير المتوقعة، بعدما تبيّن أنّ نسبة 35% من السويسريين يؤيدون الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”.

وبحسب الكاتب، فإنّ وجود مكتب اتصال لحلف “الناتو” في جنيف “مثير للاهتمام للغاية”، علماً أنّ سويسرا الآن عضو غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وفي ما يلي النص منقولاًَ إلى العربية: 

بعد انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي مؤخراً، تبدو سويسرا الثمرة الجديدة التي يسعى الحلف لضمها بين أعضائه. وفي خطوة رمزية في هذا الاتجاه، سيفتتح “الناتو” مكتباً تمثيلياً في العاصمة السويسرية جنيف، ما يعدّ تغييراً تاريخياً لبلد كان محايداً قانونياً منذ العام 1815.

وعلى الرغم من أنّ المكتب المذكور يتم تقديمه كحلقة وصل متعددة الأطراف مع المنظمات الدولية، ولدى الحلف مكاتب مماثلة في فيينا ونيويورك تقول المصادر، إنّ وجود ضابط واحد فقط من “الناتو” في مقره في جنيف، يثير تساؤلات كبيرة عن تحوّل سويسرا عن حيادها الذي اشتهرت فيه.

ومن المثير للدهشة أنّ استطلاعاً حديثاً أظهر أنّ 53 % من السويسريين يؤيدون الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وهي نسبة غير متوقعة في بلد حيث الحياد مدرج في الدستور، وسيادة الدولة الوطنية جزء لا يتجزأ من ثقافته السياسية الراسخة.

وكثيراً ما تفاخر السويسريون باستقلالهم، وتميزهم العالمي وبين الدول الأوروبية. النمسا هي أيضاً دولة محايدة عسكرياً، لكنها انضمت إلى الأمم المتحدة في العام 1955، قبل47 عاماً من انضمام سويسرا. والنمسا عضو في الاتحاد الأوروبي بينما تجري سويسرا مفاوضات منذ العام 1992، حول علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي.

تقليدياً، كان الشعب السويسري أكثر تردداً في الانضمام إلى المؤسسات الدولية من الحكومة. وهذا ما يجعل نتائج الاستطلاع المذكور مدهشة وغير متوقعة إلى حد كبير. ويفسر المراقبون الأمر، بأنّ السويسريين اقتنعوا بدعاية حلف “الناتو” وتخويفهم من تعرضهم لهجوم من قبل روسيا، على الرغم من حيادهم التاريخي.

كان التحول في موقف سويسرا تجاه حلف شمال الأطلسي سريعاً، حيث  كان خبير أمني سويسري قال قبل نحو عامين، “سويسرا ليست مهتمة بعضوية حلف شمال الأطلسي، وببساطة لا نحتاجها وتفقدنا حيادنا وستكون عيباً أخلاقياً”.

سويسرا بلد صغير تحيطه 3 دول هي فرنسا وألمانيا وإيطاليا. كانت هي القوى الكبرى المتصارعة في التاريخ الأوروبي الحديث، ما حدا بالجارة سويسرا أن تؤسس حيادها رسمياً في مؤتمر فيينا في العام 1815 مع نهاية الحروب “النابليونية”. كذلك، نصّت اتفاقية لاهاي لعام 1907 على أنّ سويسرا لن تشارك في النزاعات المسلحة الدولية، أو تفاضل بالانحياز إلى أي طرف من المتحاربين أو أن تجعل أراضيها مُتاحة لهم.

ولقد استفادت سويسرا من حيادها من خلال وجود العديد من المنظمات ووكالات الأمم المتحدة المتخصصة وموظفي الخدمة المدنية الدولية في جنيف الذين يعودون إلى عصبة الأمم. وهي تفخر بكيفية تمثيل مساعيها الحميدة للولايات المتحدة في إيران من بين أدوار عدة أخرى.

وعلى الرغم من حيادها سياسياً وعسكرياً، فإنّ سويسرا كان لديها تاريخ كمركز تجسس على 180 بعثة دبلوماسية، وأكثر من 40 منظمة دولية و750 منظمة غير حكومية، لصالح الولايات المتحدة واستخباراتها الخارجية. وقد كانت جنيف ولا تزال مركزاً للتجسس، وتعاونت مع الولايات المتحدة في التجسس على “الجمهوريات الشقيقة” والخصمة، بهدوء خلال الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة. وعمل “مكتب الخدمات الاستراتيجية” من مدينة برن مع الدبلوماسي الأميركي آنذاك ألين دالاس، الذي أصبح في عام 1953 مديراً لوكالة المخابرات المركزية. مع ذلك، لم يشكك أي أحد في أنشطة سويسرا السرية ومدى خيانتها للحياد، والسويسريون لم يفعلوا ذلك تاريخياً، ولن يقوموا بذلك الآن.

لا شك في أنّ التعاون بالأعمال التجسسية هو غير الانضمام إلى عضوية تحالف عسكري. ومع أنّ سويسرا عضو في شراكة مع حلف “الناتو” من أجل السلام “بي أف بي” منذ عام 1996، ويشمل التعاون الأهداف العامة مثل مواصلة الحوار السياسي بين المختلفين، وكذلك في تطوير التعاون في مجالات التكنولوجيات الجديدة والابتكار، والقدرة على الصمود، وتعزيز وضع المرأة، والسلام والأمن، وعدم انتشار السلاح والحروب.

واجه الحياد السويسري تحديات خاصة منذ سقوط جدار برلين، ما حدا بها إلى الانضمام إلى عضوية الأمم المتحدة في عام 2002 بأغلبية شعبية ضئيلة بنسبة 54.6 %. وصوّت 12 كانتوناً من أصل 23 لصالح الانضمام، مع أنه في العام 1986، صوّت 75% من السويسريين لعدم الانضمام.

تواصل سويسرا حظر إعادة تصدير البنادق والذخيرة السويسرية الصنع إلى أوكرانيا حتى اللحظة، ولكن في عام 2023 باعت 25 دبابة “ليوبارد 2” خرجت من الخدمة إلى ألمانيا بشرط ألا ترسلها برلين إلى أوكرانيا. وسويسرا الآن عضو غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ولتهدئة الاعتراضات على النزاعات بين عضوية مجلس الأمن ومبادئ الحياد، ذكر تقرير صادر عن المجلس الاتحادي السويسري في عام 2015،  أن “مجلس الأمن ليس طرفاً في النزاعات، بمعنى أنه لا يتعارض مع قانون الحياد في البلاد الذي يجب أن يكون ميزة سياسية وليس عقبة.

لا ريب أنّ الصورة السويسرية المحايدة تتبدل، وتتوجه نحو الميول الغربية العمومية، متأثرةً بعمق بالحرب الأوكرانية. ومنذ نحو عام زارت وزيرة الدفاع السويسرية، فيولا أمهيرد، مقر حلف” الناتو “في العاصمة البلجيكية بروكسل، وحضرت اجتماعاً لمجلس الحلف، وهو أول اجتماع من نوعه وتاريخي لوزير دفاع سويسري. كذلك، يتعمّق التعاون العسكري بين جنيف وواشنطن مع القرار السويسري بشراء طائرات مقاتلة أميركية من طراز” إف 25″ لتحل محل أسطولها الجوي القديم.

كانت هناك ردود فعل محلية وخارجية على هذه التحديات والتغييرات في البلد المحايد. وقد أطلق “حزب الشعب” السويسري اليميني مبادرة في عام 2022، لمنع سويسرا من الدخول في تحالفات عسكرية أو فرض عقوبات على دول أخرى. مع ذلك، أعلنت وزارة الخارجية الروسية، أنّ “سويسرا فقدت للأسف وضعها كدولة محايدة عندما انضمت إلى عقوبات الاتحاد الأوروبي ضدها”. علماً أنّ سويسرا مثلت مصالح روسيا في جورجيا والعكس أيضاً، لكن روسيا رفضت اقتراح سويسرا بتمثيل مصالح أوكرانيا في روسيا لأنّ سويسرا انضمت إلى العقوبات الغربية غير القانونية ضدها.

وجود مكتب اتصال لحلف “الناتو” في جنيف مثير للاهتمام للغاية، خصوصاً بعد حل “حلف وارسو”، الذي كان السبب الرئيسي لقيام الحلف الأطلسي، ولماذا لم يحل الحلف على غرار “حلف وارسو” وبعد سقوط جدار برلين.

إنّ سبب وجود حلف “الناتو” الآن هو معاداة روسيا بشكل واضح. وتمثل المادة 5 منه المبدأ الأساسي القائل بأنّ الهجوم على أحد أعضائه هو هجوم على جميع أعضائه. إذا كان نقل مكتب “الناتو” يشير إلى أنّ سويسرا تقترب من “الناتو”، فإنّ سويسرا ستقترب من شراكة أوروبية عبر الأطلسي وأقرب إلى ضمانات المادة 5، وتبتعد أكثر عن حيادها الذي يفقد بريقه

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى