المؤشر 11-07-2024 يستخدم روبرت مردوخ إمبراطوريته الإعلامية للدفاع عن “إسرائيل” وتمجيدها، حتى في خضّم الهجوم على غزة الذي يُدان عادة باعتباره إبادة جماعية، وممتلكاته تعمل بشكل فعّال كذراع غير رسمي لآلة الدعاية الإسرائيلية.
موقع “MintPressNews” الأميركي ينشر للكاتب آلان ماكلويد، يتحدث فيه عن روبرت مردوخ، وعلاقته القوية بـ “إسرائيل” وامتلاكه وسائل الإعلام الأكثر تأثيراً في الغرب، وكيف يسخّرها لدعم “إسرائيل” مستشهداً بأمثلة عن ذلك.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية بتصرف:
في ظل غياب وسائل إعلام متعاطفة، قد يصبح “الجيش” الإسرائيلي القوي عديم الفائدة في محاولاته لتطهير غزة عرقياً. فهو يعتمد على الدعم الغربي الحاسم لتحقيق أهدافه، ولا أحد يضاهي روبرت مردوخ في تصنيع الموافقة لـ”إسرائيل”. إذ يتمتع بارون الصحافة المولود في أستراليا بعلاقات شخصية وثيقة وواسعة مع النخبة السياسية الإسرائيلية وتربطه علاقة تجارية قوية بالبلاد. وقد استخدم إمبراطوريته الإعلامية للدفاع عن “إسرائيل” وتمجيدها، حتى في خضم الهجوم على غزة الذي يُدان عادة باعتباره إبادة جماعية. وعليه، فإنّ ممتلكاته تعمل بشكل فعّال كذراع غير رسمية لآلة الدعاية الإسرائيلية.
وتتجاوز آلة مردوخ هذه المئة صحيفة، يُعدّ بعضها من بين أكثر الصحف شهرة وتأثيراً على مستوى العالم، فضلاً عن عشرات القنوات التليفزيونية وإمبراطورية نشر عظيمة. وبالتالي، تسمح له هذه السلطة بوضع الأجندة السياسية في معظم أنحاء العالم. وقد ادّعى رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير أنّ مردوخ كان “عضواً غير رسمي” في حكومته، وأنّه كان واحداً من أقوى أربعة رجال في المملكة المتحدة.
العلاقات السياسية
وصف الرئيس جو بايدن مردوخ بأنّه “أخطر” رجل في العالم. إذ إنّ تأثير مشاريعه، ومن ضمنها صحيفة “وول ستريت جورنال” وقناة “فوكس نيوز”، في الحياة العامة الأميركية موثّق بشكل جيد. ومع ذلك، فإنّ علاقاته الوثيقة بـ”إسرائيل”، ولا سيما بقيادتها السياسية، يصعب فهمها.
وفي عام 2010، نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية قائمة مسربة جمعها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وعدّها أفضل مصادر مساهماته في الحملة الانتخابية. ويظهر اسم مردوخ في المرتبة الثانية من القائمة، ما يعني أنّ نتنياهو عدّه حليفاً وثيقاً وأحد مصادر التمويل المحتملة لحملته الانتخابية. ومن المقدر أنّ نحو 98% من المساهمات التي حصل عليها نتنياهو مصدرها الخارج.
والجدير بالذكر أنّ مردوخ، البالغ من العمر 93 عاماً، قد تخلّى عن الكثير من مسؤولياته لصالح ابنه لاتشلان، الذي سافر في وقت سابق من هذا العام إلى “إسرائيل” للقاء نتنياهو ورئيس الوزراء السابق بيني غانتس. وفي حين لا تزال تفاصيل الاجتماعات غامضة، يبدو جلياً أنّ دعم الهجوم الإسرائيلي في غزة وخارجها كان الموضوع الرئيس.
وهذه ليست المرة الأولى التي يلتقي فيها مردوخ الأصغر بنتنياهو؛ ففي عام 2016، سافر إلى “إسرائيل” لعقد اجتماعات سرية مع رئيس الوزراء، حاول من خلالها إقناع مردوخ بشراء صحيفة “يديعوت أحرونوت”، وإطلاق قناة تلفزيونية على طراز “فوكس نيوز” مخصصة لـ”إسرائيل”، وفقاً لصحيفة “هآرتس” المحلية.
ونتنياهو ليس رئيس الوزراء الوحيد الذي يتمتع بعلاقة وثيقة مع مردوخ. فلطالما تمتع أرييل شارون بعلاقة وثيقة مع البارون الأسترالي. وقد بقي مردوخ معه في مزرعته وتم اصطحابه في جولة بطائرة هليكوبتر في “إسرائيل”، تمّ الركيز خلالها على التهديد المحتمل الذي تواجهه “إسرائيل” من قبل جيرانها المعادين لها.
العلاقات الاقتصادية
بالإضافة إلى علاقاته السياسية، يمتلك مردوخ الكثير من الالتزامات الاقتصادية تجاه “إسرائيل”. ففي عام 2010، قام هو والملياردير المصرفي اللورد جاكوب روتشيلد بشراء حصص في شركة “جيني إنرجي” (Genie Energy) وانضما إلى مجلس إدارتها.
وأثناء وجوده في مجلس الإدارة، حصلت شركة “جيني” على عقد للتنقيب عن النفط والغاز على مساحة تبلغ نحو 400 كيلومتر مربع من مرتفعات الجولان، وهي الأراضي السورية التي احتلتها “إسرائيل” بشكل غير قانوني منذ عام 1967. وعملياً، كانت شركة “جيني” تسعى للاستفادة من احتلال يعدّ غير شرعي بموجب القانون الدولي.
بالإضافة إلى ذلك، يمتلك مردوخ شركة البرمجيات الإسرائيلية “إن دي إس” (NDS)، التي كانت في قلب فضيحة القرصنة التي أسقطت شركة التلفزيون البريطانية “آي تي في ديجيتال” (ITV Digital). فقد ساعدت أنشطة “إن دي إس” أعداداً كبيرة من البريطانيين على الوصول إلى التلفزيون المدفوع مجاناً، ما أدّى إلى انهيار الشركة نتيجة انخفاض إيراداتها
وهناك علاقة أخرى مشكوك فيها أخلاقياً تتجسد في اعتماد مردوخ على شركة الضغط “LLM Communications”. فقد استأجر الملياردير المجموعة، التي شارك في تأسيسها اللورد جوناثان مندلسون، لمساعدتها على إلغاء قوانين الحكومة البريطانية التي ضمنت قدرة النقابات العمالية على التصويت للاعتراف بمكان العمل. وكان اللورد مندلسون رئيساً لمجموعة الضغط الإسرائيلية “أصدقاء إسرائيل في حزب العمال”، التي كان لها دور حاسم في تشويه سمعة جيريمي كوربين والتغلّب عليه، وهو ناشط سلام دائم ومدافع عن حقوق الفلسطينيين.
صهيوني متشدد
يقول مردوخ إنّ “مشاريعي في مجال الإعلام ليست مهمة بالنسبة لي، لكن الأهم من ذلك هو نشر معتقداتي السياسية الشخصية”، وهو يعدّ دعم “إسرائيل” وسياساتها التوسعية إحدى القيم الأساسية التي عمل الأسترالي بلا كلل من أجل تحقيقها.
وفي اجتماع للجنة اليهودية الأميركية عام 2009، أوضح أنّه يرى “إسرائيل” العمود الفقري للحضارة الغربية:
“لقد اعتدنا في الغرب على الاعتقاد بأنّ إسرائيل لن تتمكن من البقاء من دون مساعدة أوروبا والولايات المتحدة. وأنا أقول لكم: ربما ينبغي لنا أن نبدأ بالتساؤل عما إذا كنا في أوروبا والولايات المتحدة نستطيع البقاء على قيد الحياة إذا سمحنا للإرهابيين بالتغلّب على إسرائيل.. في النهاية، الإسرائيليون يقاتلون العدو نفسه الذي نقاتله نحن: قتلة بدم بارد يرفضون السلام ويرفضون الحرية.. ويحكمون بالسترة الانتحارية والسيارة المفخخة والدروع البشرية”.
وفي عام 2005، كتب مقدمة كتاب “إسرائيل في العالم: تغيير الحياة من خلال الابتكار”، وهو كتاب تملّق يشيد بـ”إسرائيل” باعتبارها مشروعاً ناجحاً استطاع بناء نظام ديمقراطي قويّ واقتصاد مزدهر، على الرغم من الانتكاسات التي مُنيت بها والتهديدات التي تتعرض لها من قبل جيرانها.
علاوة على ذلك، في عام 2007، تبرعت شركة “نيوز كوربوريشن” (News Corp) التابعة له لمؤسسة القدس، وهي مجموعة تبني مستوطنات إسرائيلية غير قانونية في الضفة الغربية، بما في ذلك حيّ الشيخ جراح في القدس.
وقاد مردوخ المعركة ضد حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات العالمية (BDS)، مدعياً أنّها تمثل “حرباً مستمرة ضد اليهود، وأنّ الحرب قد دخلت مرحلة جديدة”. وقال: “إنّها الحرب الناعمة التي تسعى إلى عزل إسرائيل من خلال نزع شرعيتها. وساحة المعركة موجودة في كل مكان: في وسائل الإعلام، والمنظّمات المتعددة الجنسيات، والمنظمات غير الحكومية. ويتمثّل هدفها في جعل إسرائيل منبوذة”.
وقد أدلى بهذه التعليقات في إحدى الفعاليات التي تنظمها رابطة مكافحة التشهير (ADL)، حيث قدمت له المنظمة جائزة القيادة الدولية. كما أنّ منح رابطة مكافحة التشهير، التي تدعي أنها مجموعة مناهضة للعنصرية، مردوخ مثل هذه الجائزة، على الرغم من شبكاته التي تضخ تعصّباً مستمراً، يسلط الضوء على مدى قلة تركيزها على مكافحة العنصرية الحقيقية ومدى عملها على تعزيز المصالح الإسرائيلية ببساطة.
ومع ذلك، لا تُعد رابطة مكافحة التشهير المنظمة اليهودية الوحيدة التي أثنت على البارون. إذ قام مركز “سيمون فيزنتال” بتكريمه بجائزة الإنسانية الخاصة به. كما أشادت به مجموعات أخرى، مثل متحف التراث اليهودي واللجنة اليهودية الأميركية. وأعلنه اتحاد النداء اليهودي في نيويورك “الرجل الإنساني لهذا العام” خلال حفل ضخم وقدم له هنري كسنجر الجائزة.
إمبراطورية روبرت
تولّى مردوخ إدارة صحيفة “أديلايد” التي يملكها والده في عام 1952 وسرعان ما بنى مؤسسة عالمية عملاقة، لا سيما في جميع البلدان الناطقة باللغة الإنكليزية. واستخدم هذه السلطة التي حصل عليها لنشر أجندته المحافظة.
وتشكّل ممتلكاته في بريطانيا، بما في ذلك صحف “ذا صن”، و”ذا تايمز”، و”صنداي تايمز”، ربع الصحف المتداولة في البلاد. كما تدير شركته “نيوز كوربوريشن” القنوات التلفزيونية والإذاعية “Sky TV” و”TalkTV” و”TalkRadio” و”TalkSPORT”.
ويسود اعتقاد بأنّ مردوخ قد غيّر نتائج انتخابات عام 1992 لصالح المحافظين وانتخابات عام 1997 لصالح حزب العمال عقب إبرام توني بلير صفقة معه. وفي هذا الإطار، قال آلان روسبريدجر، رئيس التحرير السابق لصحيفة “الغارديان” إنّه “يصعب التفكير في رئيس وزراء استطاع خلال السنوات الأربعين الماضية الانتصار على غريزة مردوخ”.
وفي الولايات المتحدة، يمتلك مردوخ وسائل إعلامية مؤثرة، مثل صحيفتي “وول ستريت جورنال” و”نيويورك بوست”، وجزءاً كبيراً من شبكة “فوكس”. هذا بالإضافة إلى امتلاكه دار نشر “هاربر كولينز” المؤثّرة.
وهو معروف بأنّه رجل أعمال عملي بشكل استثنائي، ويصرّ على أنّ النهج والخط السياسي لجميع الوسائل الإعلامية التي يمتلكها يتوافقان مع تفكيره. وأقر بذلك بالقول: “مهما حدث، فإنّ شركة (نيوز كوربوريشن) تجسّد انعكاساً لتفكيري وشخصيتي وقيمي”.
وقد شمل ذلك الدعم الخالص لغزو العراق عام 2003. وقال: “لا يمكننا التراجع الآن، في الوقت الذي يتم فيه تسليم مصير منطقة الشرق الأوسط بأكملها إلى صدّام.. باعتقادي فإنّ الرئيس بوش يتصرف بشكل أخلاقي للغاية وبطريقة صحيحة جداً، وسيستمر في ذلك”. كما سعى إلى أن تعبر كل عناوين صحفه العالمية، البالغ عددها 175 صحيفة، عن الدعم الصاخب للغزو.
هذا وتشتهر قناة “فوكس نيوز” داخل القطاع بإجراءاتها التحريرية الصارمة. فقد ادّعى أحد المساهمين السابقين أنّ العمل في عهد مردوخ كان “كما لو كنا مراقَبين من قبل نظام ستاليني… إنها بيئة عمل مخيفة إلى حد كبير”. وأكّد آخر أنّه “إذا لم تتوافق مع عقلية التسلسل الهرمي، وفي حال واجهت مواقفهم حول القضايا المختلفة، فسيتم فصلك”.
لكن في موطنه المحلّي في أستراليا، تصل قوّته إلى أبعاد بالكاد تشبه جمهورية الموز. إذ يمتلك مردوخ 7 من أصل 12 صحيفة يومية وطنية أو رأسمالية في البلاد. وفي نصف عواصم الولايات والأقاليم في البلاد، لا يوجد بديل محلي لنشرة مردوخ. وقد وصف رئيس الوزراء السابق كيفن رود إمبراطوريته بأنّها “سرطان” أصاب الديمقراطية الأسترالية.
فضح بيرس مورغان
كان بيرس مورغان واحداً من أكثر مذيعي مردوخ شهرة، إلى أن أصبح مؤخراً مذيعاً مستقلاً يمتلك برنامجه الحواريّ الخاص. فمن خلال تقديمه برنامجاً حوارياً شهيراً استطاع الوصول إلى ملايين المشاهدين، لعب مورغان دوراً هاماً في تعريف الجمهور بـ”إسرائيل” وفلسطين. وعلى الرغم من ادعائه بأنّه محايد تماماً بشأن هذه القضية ولا يدعم أياً من الجانبين، فإن مورغان تربطه علاقة وثيقة مع “إسرائيل” جديرة بالملاحظة. إذ قام بدعم مؤسسة “نوروود” الخيرية في عدة مناسبات للمساعدة في جمع مئات الآلاف من الدولارات للجمعية.
ويرأس جمعية “نوروود” عضو اللوبي الإسرائيلي المذكور أعلاه، اللورد مندلسون، إلى جانب زوجته نيكولا مندلسون، التي تتولّى أيضاً منصب رئيس الأعمال العالمية لشركة “ميتا” العملاقة لوسائل التواصل الاجتماعي (الشركة الأم لفيسبوك وواتساب وإنستغرام). وقد دأبت على الضغط من أجل القضايا الإسرائيلية، حتى أنّها التقت الرئيس السابق شمعون بيريز. وخلال فترة وجودها في شركة “ميتا”، بدأت الشركة في توظيف العشرات من العملاء السابقين لمجموعة التجسس الإسرائيلية، الوحدة 8200، وتولّى جميعهم مناصب حساسة داخل الشركة. وقد أصبحت منصة “فيسبوك” بالتحديد أقرب إلى “إسرائيل”، حتى أنّها قامت بتعيين المدير العام السابق لوزارة العدل الإسرائيلية إيمي بالمور في مجلس الرقابة الخاص بها، وهي المجموعة التي تقرر الاتجاه الذي تسلكه الشركة والمحتوى المسموح به وغير المسموح به على المنصة.
وكان السير تريفور تشين رئيس جمعية “نوروود” السابق، وهو يشغل حالياً منصب رئيس “النداء الإسرائيلي الموحد”، وهي مجموعة بريطانية -إسرائيلية تهدف إلى زيادة إحساس الشباب اليهود البريطانيين بالارتباط بـ”إسرائيل”. كما أنّه عضو اللجنة التنفيذية لأكبر مجموعة ضغط إسرائيلية في بريطانيا وهي “بيكوم”، وقام بتمويل أصدقاء “إسرائيل” في حزب العمال.
وفي 22 تشرين الأول/أكتوبر، في ذروة الهجوم الإسرائيلي على غزة، التقى مورغان بـ مندلسون في نيويورك لتناول العشاء، الذي حضرته أيضاً المغنية الويلزية كاثرين جينكينز، التي قامت بجمع الأموال لصالح الصندوق القومي اليهودي، وهو أكبر هيئة لبناء المستوطنات في فلسطين. إنّ الموضوعات التي تم تناولها على طاولة العشاء غير معروفة، لكن بالنظر إلى حياتهم المهنية واهتماماتهم، فمن الصعب أن نرى كيف لم تظهر الأخبار من الشرق الأوسط.
وبالتالي، في حين أنّ مورغان ربما يكون قد دعا أفراداً من مختلف وجهات الأطياف السياسية حول غزة، يبدو أنّه يتنقل بين أوساط مليئة بكبار جماعات الضغط الإسرائيلية.
دعاية صارخة
من غير المستغرب، في ضوء ما رأيناه، أن تُظهر أهم منشورات مردوخ انحيازاً ساحقاً في تغطيتها للحرب الإسرائيلية على غزة، إذ تدافع باستمرار عن التصرفات الإسرائيلية وتشوّه صورة الفلسطينيين وأولئك الذين عارضوا العنف.
ففي 19 تشرين الأول/أكتوبر، استهدفت غارة جوية إسرائيلية كنيسة القديس برفيريوس في مدينة غزة، حيث لجأ مئات النازحين. وفي وصفها للهجوم، نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” عنواناً رئيساً “وقوع انفجار في حرم الكنيسة الأرثوذكسية في غزة”، محوّلة ما كان أحد أسوأ الحوادث في الهجوم الإسرائيلي المستمر منذ أشهر على غزة إلى حادث مؤسف. ولم تشر الصحيفة في جوانب المقال كافة إلى أنّ “الانفجار” قد يكون ناتجاً من هجوم ولم تلمّح حتى بضلوع “الجيش” الإسرائيلي فيه.
كما قادت الصحيفة الهجوم على الأميركيين المحتجين على الهجوم. وكان العنوان الرئيس لأحد مقالاتها “من يقف وراء الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل: حماس وحزب الله والحوثيون وآخرون يقومون بإعداد الناشطين في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء الغرب”، يهدف بوضوح إلى تشويه سمعة الأشخاص الذين يعارضون الإبادة الجماعية باعتبارهم عملاء لقوة أجنبية.
وهناك مقال آخر بعنوان “مرحباً بكم في ديربورن، عاصمة الجهاد في أميركا”، يحاكي مستويات كراهية الإسلام في عهد بوش في محاولاتها لمساواة المدينة ذات الأغلبية العربية الأميركية بالكراهية المناهضة للولايات المتحدة. وفي غضون ذلك، أُلغيت التظاهرات في الحرم الجامعي باعتبارها تشمل “متظاهرين يمجّدون الإرهاب” ويشكّلون “نظراء يساريين لجماهير شارلوتسفيل الذين هتفوا بشعار “اليهود لن يحلوا محلنا”.
كذلك نشرت الصحيفة مقالات تطالب الولايات المتحدة بخوض حرب مع إيران. وقد كتب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت: “تحتاج الولايات المتحدة وإسرائيل إلى مواجهة إيران مباشرة”.
ومن أجل فلسطين؟ تتخيل صحيفة “وول ستريت جورنال” مستقبلها كمصنع أسلحة عملاق يصنع الأسلحة اللازمة للهجوم الإسرائيلي على إيران. وفي مقال افتتاحي بعنوان “خطة من أجل ازدهار الاقتصاد الفلسطيني”، كتب آندي كيسلر أنّ إنتاج الأسلحة اللازمة للهجوم الإسرائيلي القادم من شأنه أن يؤمن وظائف الطبقة المتوسطة لسكان غزة. وأوضح أنه “يمكنهم حتى العمل أيام السبت” و”من دون إعانات من الأمم المتحدة المسيسة”، على الرغم من تحذيره من أنّه ربما يجب إضافة المتفجرات في مكان آخر من قبل موظفين أكثر جدارة بالثقة.
وحذت الوسائل الإعلامية الأخرى التابعة لمردوخ حذوها، من خلال دعمها المستمر لـ”إسرائيل” وتشويه سمعة منتقديها. فعلى سبيل المثال، نشرت قناة فوكس نيوز” الادّعاء الذي تم فضحه الآن بأنّ المقاتلين الفلسطينيين قطعوا رؤوس 40 طفلاً إسرائيلياً في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
وفي الوقت نفسه، نشرت صحيفة “نيويورك بوست” مقالاً بارزاً بعنوان “ما هو عدد المدنيين الأبرياء تماماً في غزة؟” ألمحت من خلاله مراراً إلى أنّ كل شخص بالغ في غزة هو في الأساس هدف مشروع، حتى أنّها استخدمت كلمة “مدني” في اقتباسات مخيفة.
ويتعرض الصحافيون العاملون في وسائل الإعلام الخاصة بالشركات لضغوط هائلة للامتثال لخط الملكية المفروض. فعلى سبيل المثال، طلبت صحيفة “نيويورك تايمز” من مراسليها عدم استخدام كلمات مثل “إبادة جماعية” و”مذبحة” و”تطهير عرقي” عند مناقشة تصرفات “إسرائيل”. حتى أنّها حظرت استخدام مصطلحات مثل “مخيم اللاجئين”، أو “الأراضي المحتلة”، أو حتى “فلسطين”، ما يجعل من المستحيل عملياً تقديم تقرير دقيق عن الوضع.
ومن المؤكد أنّ المؤسسات الإعلامية الخاصة بمردوخ لا تختلف عن قريناتها. فقد كان هذا النوع من الرقابة الخانقة قائماً منذ عقود، إذا صدقنا الموظفين السابقين. ففي عام 2001، كشف سام كيلي، المراسل السابق لصحيفة “تايمز” البريطانية، أنّه تلقى تعليمات بعدم الإشارة مطلقاً إلى “إسرائيل” على أنها “تغتال” أو “تعدم” خصومها. وعندما تم تكليفه بإجراء مقابلة مع وحدة من “الجيش” الإسرائيلي مسؤولة عن قتل صبي فلسطيني يبلغ من العمر 12 عاماً، طُلب منه أن يكتب المقال من دون ذكر الطفل الميت على الإطلاق.
أصدقاء في السلطة
أثار الهجوم الإسرائيلي على غزة، الذي دام تسعة أشهر، الغضب في جميع أنحاء العالم. وفي حين تراجعت مكانتها بشكل أكبر في الجنوب العالمي، لا تزال “إسرائيل” تحتفظ بقاعدة دعم كبيرة في الغرب ويعود الفضل في هذا إلى حد كبير إلى الأوليغارشيين أمثال روبرت مردوخ، الذين حشدوا مواردهم الهائلة لخوض حرب إعلامية ملتزمة دعماً لـ”الدولة الإسرائيلية”، محاولين إخفاء فظائعها وحشد الدعم لمشروعها التوسعي.
وبالنسبة إلى “إسرائيل”، التي لا تستطيع الاستمرار بصورتها الحالية من دون دعم خارجي وخاصة من الولايات المتحدة، فإنّ المعركة من أجل كسب تعاطف الرأي العام لا تقل أهمية عن القتال على الأرض. ولحسن حظ نتنياهو وأمثاله، يمكنهم الاعتماد على روبرت مردوخ، الذي دافع لعقود من الزمن عن قضية “إسرائيل”، وهو اليوم يدفع إمبراطوريته الإعلامية إلى أقصى الحدود للدفاع عمّا لا يمكن الدفاع عنه. وإذا كان القلم أقوى من السيف، فإن روبرت مردوخ هو أحد أقوى أسلحة “إسرائيل”.