رأي للمؤشر

الحرب على غزة حرب ظالمة وخاسرة حرب مدمرة لكن خاسرة

المؤشر 09-05-2024  

بقلم : د.سعيد زيداني

بعد مرور سبعة شهور على الحرب الدامية والمدمرة التي شنتها القوات الإسرائيلية على قطاع غزة، وذلك ردًا على العملية العسكرية التي نفذتها كتائب عزالدين القسام يوم السابع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، تلك العملية التي حملت اسم “طوفان الأقصى”، لم تحقق تلك القوات الغازية حتى الآن أيًا من أهدافها المعلنة. فرغم وحشية وعشوائية القصف الجوي والبري ومن البحر، ورغم الدعم العسكري والمالي والسياسي من قبل الحلفاء، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، ورغم القتل والتشريد والتدمير والتجويع، واسع النطاق وبالغ الأثر، لم تتمكن تلك القوات من تقويض القدرات العسكرية وقدرات الحكم لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، تمامًا كما لم تتمكن من تحرير الرهائن، تمامًا كما لم تتمكن من إعادة المشردين الإسرائيليين، سواء إلى مستوطنات غلاف غزة أو إلى المستوطنات المحاذية للحدود مع لبنان. وليس واضحًا أن أستمرار العملية العسكرية كفيل بتحقيق تلك الأهداف، والتي أضيف لكل منها وصف المطلق من قبل رئيس الوزراء. وليس من المتوقع أو المحتمل أن تتحقق تلك الأهداف أيضًا لو تم اجتياح محافظة رفح وتفكيك كتائب القسام التي يقال أنها تتحصن في الخنادق هناك. علمًا بأن الخسائر البشرية والمادية والنفسية الإسرائيلية كانت هائلة. وعلمًا بأن التأييد الدولي، الرسمي والشعبي، لهذه الحرب الوحشية وويلاتها آخذ بالتراجع، ذلك التراجع الذي يجد خيردليل له في المظاهرات الاحتجاجية التي تجتاح الجامعات في قارات أمريكا الشمالية وأوروبا وأستراليا حاليًا، وكذلك في المظاهرات الشعبية الصاخبة التي سبقتها وما زالت ترافقها في ذات القارات. غني عن القول في هذا الصدد بأن لخسارة الحرب، أو للإخفاق في تحقيق أهدافها المعلنة، تبعات بعيدة المدى على المستقبل السياسي لرئيس الحكومة وشركاءه في الإتلاف الحكومي الذي يقف على رأسه.

وبصورة مماثلة، وبعد مرور سبعة شهور على الحرب الدامية والمدمرة لم تحقق حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أيًا من الأهداف المعلنة وغير المعلنة لعملية طوفان الأقصى. فلا هي أفلحت، وليس من المرجح أو المحتمل أن تفلح، في تفريغ السجون الإسرائيلية من السجناء الفلسطينيين السياسيين/ الأمنيين، ولا هي أفلحت في ردع الاعتداءات على المسجد الأقصى، ولا هي أفلحت في فك الحصار عن القطاع، ولا هي أفلحت في تعطيل قطار التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية (وإن فرملت عجلاته مؤقتًا)، ولا هي أفلحت، أخيرًا، في جر حلفائها الإقليميين إلى المنازلة الكبرى، أو أم المعارك، التي تهدف إلى تحرير فلسطين. ومن جهة ثانية، لقد فقدت الحركة خلال الحرب الكثير من رجالها وعتادها وقدراتها على إدارة شؤون البلاد وحماية العباد. ومن الواضح أنها لن تتمكن من الاستمرار في حكم قطاع غزة حصريًا أو بصورة رئيسية بعد الحرب. وإلى جانب كل ذلك، والأهم من كل ذلك، هوهول تلك الخسائر البشرية والمادية والنفسية التي تكبدها المدنيون الغزيون بسبب تلك الحرب المدمرة: نزوح ما يزيد عن المليون ونصف المليون من الغلابا، وتدمير كلي أو جزئي لما لا يقل عن ثلاث مائة ألف من المساكن والمباني الحكومية والعامة، ومقتل وجرح ما يزيد عن ١١٢ ألف (يضاف إليهم آلاف غير قليلة من المفقودين تحت الركام)، وحرمان من الحد الأدنى من الدواء والغذاء والوقود والأمن والتعليم، وهكذا. معاناة المدنيين الغزيين بسبب ويلات الحرب تبقى عصية على الوصف حقًا.

والعبرة: في مثل هذه المواجهة أو المنازلة لا مجال، كما يبدو، لنصر نهائي أو هزيمة نهائية لأي من الطرفين المتحاربين، خاصة إذا كان الحديث عن نصر مطلق أو هزيمة مطلقة. وفي مثل هذه الحرب، الخسائر البشرية والمادية الهائلة سوف تظل، على الأرجح، من نصيب كلا الطرفين، وإن تفاوت حجم تلك الخسائر ومداها وتبعاتها من طرف لآخر. غني عن القول بأن معايير النصر والهزيمة تختلف بدورها من طرف لآخر في مثل هذه الحالة.

حرب غير عادلة:

وليس صحيحًا ما تدعيه وتردده حكومة إسرائيل وأنصارها بأن الحرب على غزة، والتي بدأت قبل سبعة شهور وما زالت مستعرة، تنضوي تحت مفهوم الحرب العادلة، أي الحرب المبررة أخلاقيًا ومن وجهة نظر القانون الدولي. ففي ردها العسكري على عملية طوفان الأقصى، تجاوزت إسرائيل خطوطًا أخلاقية وقانونية حمراء كثيرة، وخرقت بصورة فظة وفاضحة معايير الحرب العادلة، كما حددتها المواثيق والأعراف الدولية. وكما نعرف جيدًا، فقد أوصلت هذه التجاوزات والخروقات لتلك المواثيق والأعراف إلى اتهام حكومة وجيش إسرائيل بارتكاب جرائم حرب (قيد النظر في محكمة الجنايات الدولية)، وارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، أم الجرائم كلها (قيد النظر في محكمة العدل الدولية). وتحديدًا، لقد إخترقت إسرائيل ثلاثة معايير رئيسية على الأقل من بين معايير الحرب العادلة: التناسب، التمييز، والمقاصد/ الأهداف.

ا. التناسب: ويجمع الخبراء والفقهاء على أن الرد الإسرائيلي على عملية طوفان الأقصى تجاوز بكثير ما يبرره مبدأ التناسب. فإذا كان من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها وأن تحارب من أجل حماية سكانها وحدودها، فليس قطعًا من حقها أن تشن تلك الحرب الثأرية الشعواء على المدنيين الأبرياء والأعيان المدنية. ولا يبرر مبدأ التناسب هذا، بالطبع، تدمير مقومات الحياة البشرية في قطاع غزة، المحتل والمحاصر والمفقرأصلًا.

ب. التمييز: كما ويجمع الخبراء والفقهاء على أن الرد الإسرائيلي على عملية طوفان الأقصى تجاوز تلك الخطوط الحمراء الأخلاقية والقانونية التي يرسمها مبدأ التمييز بين تلك الأهداف العسكرية التي يجوز استهدافها وتلك الأهداف المدنية التي لا يبرر استهدافها سوى الضرورات العسكرية، وفي حدودها الدنيا. والضرورات العسكرية هذه لا تبيح، بالطبع، إجبار ثلاثة أرباع سكان غزة بالنزوح إلى الجنوب وتدمير ما لا يقل عن ٦٠٪؜ من المساكن، وذلك إضافة إلى تدمير المشافي والطرق والمدارس وأماكن العبادة، ناهيك عن الحرمان من الغذاء والدواء والوقود.

ج. المقاصد/ الأهداف: ويعرف العارفون أنه إلى جانب الأهداف المعلنة للحرب على غزة، هناك أهداف أخرى غير معلنة، في صلبها تهجير سكان قطاع غزة قسريًا أو قسريًا/ طوعيًا إلى شمال شبه جزيرة سيناء، ومنها إلى دول أخرى تقبل بهم. وما زال شبح التهجير هذا يحوم في سماء محافظة رفح المهددة بدورها بالاجتياح في أي وقت. غني عن القول في هذا الصدد بأن المواثيق والأعراف الدولية تحظر مثل هذا التهجير وتعتبره منافيًا لما ينضوي تحت مفهوم الحرب العادلة من مبادئ ومعاييروقيم.

 

وهناك معايير أخرى للحرب العادلة أخلت بها حكومة إسرائيل وقواتها الغازية لا يتسع المقام هنا لتناولها.

الخلاصة:

ما أردت التأكيد عليه في هذا المقال القصير هو أمرين رئيسين هما:

الأول، أن حرب إسرائيل على غزة لم تحقق، وعلى الأرجح أنها لن تحقق، أهدافها المعلنة وغير المعلنة، وذلك رغم ما لحق باسراىيل من خسائر كبيرة، بشرية ومادية ومعنوية، ورغم ما ألحقته إسرائيل بقطاع غزة من خسائر كارثية طالت الإنسان والبنيان. وبصورة مماثلة، فإن عملية طوفان الاقصى لم تحقق أهدافها المعلنة وغير المعلنة، رغم ما ألحقته من خسائر بشرية ومادية ومعنوية فادحة بدولة إسرائيل، وبسبب ما تلاها من ويلات للسكان والبنيان في القطاع. وبهذا المعنى، فهي حرب خاسرة للطرفين المتحاربين، رغم التفاوت في هول وتبعات تلك الخسائر من طرف لآخر. وبصورة عامة، في مثل هذه المواجهة فإن النجاح أو الفشل يظل نسبيًا وجزئيًا، كما ويظل الحديث عن النصر المطلق شططًا من أحاديث الأولين!

الثاني، خلافًا لما تدعيه وتكرره حكومة إسرائيل وأنصارها، فإن الحرب على غزة ، ردًا على عملية طوفان الأقصى، هي أبعد ما تكون عن الحرب العادلة. فما هي حرب الملاذ او الملجأ الأخير من جهة، ولا هي احترمت معايير التناسب والتمييز والمقاصد/الأهداف من الجهة الثانية، وأيضًا بسبب هول ما أحدثته من خسائر ومعاناة مروعة لا تبررها ضرورات القتال. وختامًا، لقد جاءت عملية “السيوف الحديدية” ثأرية في طابعها وجوهرها، وكان بينها وبين الحرب العادلة “أبحر وجبال”!.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى