المؤشر 05-11-2024
بقلم: هيثم زعيتر
شكّلت عملية «الكوماندوز» الإسرائيلي، باختطاف المُواطن اللبناني عماد فاضل أمهز (مواليد: حي الوقف – الهرمل، 1986)، تطوراً أمنياً بارزاً، في توقيته ودلالاته وأهدافه ومخاطره، بانكشافٍ أمني واستخباراتي جديد وخطير.
لم يكن الحدث عادياً، في حلقة الصراع ضد الاحتلال الإسرائيلي، مُنذ انطلاق المُواجهات مع لبنان، في اليوم التالي لعملية «طوفان الأقصى»، بتاريخ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
فقد نفذت قوة «كوماندوز» إسرائيلي خاصة، عملية إنزال بحري (إبرار)، في منطقة البترون – مُحافظة الشمال، عند الساعة الثالثة من فجر يوم الجمعة في 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وأقدمت على خطف المُواطن أمهز، الذي يخضع لدورة قبطان، بتهمة الانتماء إلى «حزب لله».
عملية في 4 دقائق
جرى تنفيذ المُهمة، من خلال الأسطول الثالث عشر، عبر فرقة «شايطيت 13» (نخبة البحرية الإسرائيلية) مع مُحققين من «الوحدة 504» (الاستخباراتية)، فتم إنزال بحري على شاطئ بين البترون وكوبا، لقوة يبلغ عديدها بين 20-25، بين غطاس وبحري، مُزودين بكامل الأسلحة والعتاد، ساروا لمسافة حوالى 80 متراً، حتى وصلوا إلى مُجمع، يضم شاليهات في «محلة الغلاغيلي»، حيث تُوجد شاليه، يُقيم فيه أمهز، الذي كان قد عاد إلى الشقة قبل قليل من عملية الخطف.
صعد أفراد من القوة إلى الطابق الأول من المبنى، ونفذوا المُهمة خلال حوالى 4 دقائق فقط، حيث قاموا بخلع باب إحدى الشاليهات، التي يُقيم فيها أمهز، واقتادوه وهو يرتدي ثياباً بيضاء اللون، بعد وضع غطاء أسود على رأسه، وتعرّضه للضرب مرتين على وجهه.
لدى مُحاولة سكان في الشاليهات الأخرى، الخروج إلى الممر، لمعرفة ما يحصل، نهرهم أفراد كانوا مع القوة، وقالوا لهم: «أمن دولة.. فوتوا لجوا»، بلكنة لبنانية، مع سماع أصواتٍ بلغات غريبة.
وعاد أفراد القوة، وانسحبوا باتجاه الشاطئ، حيث كانت تنتظرهم زوارق مطاطية سريعة، أعادت نقلهم مع أمهز باتجاه عرض البحر، فجرى نقله إلى داخل الأراضي الفلسطينية المُحتلة، للتحقيق معه.
لم تُظهر الكاميرات تحركات لأي آليات في البر، ما يُؤكد أن الخطف تم حصراً عبر البحر.
كاميرات مراقبة كشفت المنفذين!
لم يتم الكشف سريعاً عن أن أمهز قد اختطف، لاعتقاد الجيران بأن قوة من الأجهزة الأمنية اللبنانية، هي من قامت بتنفيذ هذه العملية.
لكن، بعد سؤال زوجة أمهز، الأجهزة الأمنية اللبنانية، عما إذا كانت قد قامت بتوقيفه، بدأت التحقيقات حيث تم الحصول على تسجيلات DVR لكاميرات مُراقبة في مبنى مُجاور، أظهر قيام قوة «كوماندوز» إسرائيلي بتنفيذ هذه العملية، فبدأت التحقيقات، من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية، لمعرفة تفاصيل ما جرى، حيث جرى تفتيش الشقة، التي كان يُقيم فيها أمهز، وعثروا بداخلها على جواز سفره اللبناني مع بطاقة قبطان، وجواز سفر أجنبي من جنسية باناما (التي يتم تسجيل العديد من البواخر فيها)، وجهاز هاتف محمول، و10 شرائح خطوط لأرقام مُختلفة، يُعتقد أنه كان يستخدمها لدى زيارته تلك البلدان من أجل التواصل مع أفراد عائلته وUSB عدد 2.
كما جرى سحب الأدلة من كاميرات المُراقبة، والاستماع إلى إفادات ساكنين في الشاليهات وعدد من المنازل القريبة.
كان أمهز يخضع لدورة قبطان في «معهد العلوم البحرية والتكنولوجيا» – «مارساتي»، التي تتم إدارته من قبل القطاع الخاص بعقد شراكة مع وزارة الأشغال العامة والنقل، مالكة المبنى، الذي يُخرّج قباطنة، وتسجل فيه، بتاريخ 30 أيلول/سبتمبر 2024، لمُتابعة دورات مُستمرة بحاجة للخضوع لها – بعدما كان قد تخرّج كقبطان، بتاريخ 20 كانون الثاني/يناير 2022 – واستأجر سكناً في مكانٍ قريب من المعهد، يبعد حوالى 300 متر، حيث كان يتوجه إليه ويعود منه سيراً على الأقدام.
من جهتهم، زعم مسؤولون أمنيون إسرائيليون أن «أمهز ليس مُجرد مُواطن لبناني عادي، بل هو شخصية محورية في «حزب لله»، مُتورط بشكلٍ مُباشرٍ في أنشطة عسكرية، وصفوها بأنها «إرهابية».
وأن القطاع البحري في «حزب لله»، يُعد أحد المجالات الأكثر سرية وغموضاً، يُشارك فيه عدد محدود من الأعضاء المُختارين، من أجل ضمان سرية المهام، وأمهز، يُمثل إنجازاً استخباراتياً كبيراً لدوره البارز في القطاع البحري، سيعملون بالحصول منه على معلومات حول العمليات البحرية للحزب».
كان من المُمكن عدم إعلان قوات الاحتلال عن اختطاف أمهز، وإبقاء الأمر سراً، كما في عمليات سابقة، ومنها اغتيال الصيرفي اللبناني محمد إبراهيم سرور، الذي فُقد أثره، يوم الأربعاء في 3 نيسان/إبريل 2024، وعُثر عليه جثة هامدة، داخل فيلا في بيت مري – قضاء المتن في جبل لبنان، يوم الثلاثاء (9 منه).
وكانت دوافع جريمة اغتيال سرور، اتهامه بأنه يعمل على نقل الأموال من «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني إلى «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» في قطاع غزة والضفة الغربية، عبر تركيا ولبنان.
وقد نفّذ «المُوساد» جريمته تلك، بتقنية عالية، فلم يترك أي أثر أو دليل، يقود إلى كشف الخيوط، التي نفّذها، بعدما استجوب سرور، بتعذيب جسدي، ترك أثره رصاصاً على رجليه وكتفيه، وانتزاع معلومات منه، قبل إطلاق رصاصة الإعدام باتجاه رأسه.
لكن، بشأن أمهز، فقد عمد «المُوساد» على القيام بعملية إنزال واختطافه، ونقله عبر زورق مطاطي سريع إلى عرض البحر، ومنه إلى داخل الأراضي الفلسطينية المُحتلة، للتحقيق معه.
دوافع الخطف!
اضطر «المُوساد» إلى أن يُعلن عن عمليته هذه لأنه جرى اكتشاف الأمر، من خلال تسجيلات DVR في مبنى مُلاصق لمكان عملية الخطف، أظهرت كاميراتها عناصر القوة الإسرائيلية وهم يقتادون فجراً، أمهز.
وإلّا لكانت الأجهزة الإسرائيلية أبقت الأمر طي الكتمان، خاصة أنها عمدت إلى محو تسجيلات الـDVR الخاصة بالمُجمع، بتقنية عن بُعد، فلم تُظهر أي تسجيلات خلال تنفيذ العملية.
– أراد «المُوساد» الإسرائيلي توجيه رسائل، بأنه:
– أراد أمهز حيّاً، وليس بتنفيذ اغتيال، كما جرى مع بعض المسؤولين والكوادر في «حزب لله»، وأحزاب وفصائل أخرى، وشخصيات في لبنان.
والهدف من ذلك، الحصول على معلومات، خاصة أن مجاله البحر.
– قادر على الوصول إلى أي مكان يُريده، حتى لو كان على بُعد أكثر من 150 كلم من الحدود الجنوبية مع الأراضي الفلسطينية المُحتلة، التي تشهد المُواجهات.
وقد سبق أن قامت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بعمليات إنزال لفرق «كوماندوز» جوية أو بحرية، وفي أماكن عدة، لتنفيذ اغتيالاتٍ أو خطفٍ في لبنان والخارج.
واعترف عدد كبير من العملاء، الذين جرى توقيفهم في لبنان، بأنه كان يتم نقلهم عبر زوارق مطاطية من الشاطئ اللبناني إلى عرض البحر، ومنه إلى داخل الأراضي الفلسطينية المُحتلة، لتزويدهم بمعلومات أو تدريب العملاء على تقنياتٍ وأجهزة جديدة.
كذلك، ثبت باعترافات العملاء أن الفرق البحرية الإسرائيلية، عمدت إلى إجلاء عدد من العملاء عبر البحر، وبينهم الضابط «جورج»، الذي شارك في عملية اغتيال القيادي في «حركة الجهاد الإسلامي» محمود المجذوب، وشقيقه نضال، في مدينة صيدا، بتاريخ 26 أيار/مايو 2006، وإعادة إيصال الضابط «جورج» إلى نقطة مُحددة على شاطئ البحر في جبيل، حيث قامت قوة «كوماندوز» بنقله وتسليم محمود رافع، حقيبة ومبلغ مالي، كما قامت بإيصال حقائب تحتوي على مُتفجرات، سُلّمت إلى عدد من العملاء في لبنان!
وطُرحت تساؤلات حول: كيف يُمكن ألا تلتقط الأجهزة البحرية التابعة للجيش اللبناني أو قوات «اليونيفل»، التي تتولاها قوة ألمانية، رصد مثل هكذا عمليات، ما يُنذر بإمكانية قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بعمليات إنزال بحرية أو برية أو جوية، في أي منطقة من لبنان، لتسجيل إنجازاتٍ في معركة الصراع؟