جورج فريدمان: هل يمكن للقوات الجوية حسم المعركة في أوكرانيا؟
نشر موقع «جيوبوليتيكال فيوتشرز» لمؤسسه جورج فريدمان، المفكر في الجغرافيا السياسية، يقول إنَّ الروس بدأوا هجومًا جويًّا مركزًا على أوكرانيا، باستخدام الطائرات المُسيَّرة، بهدف تدمير البنية التحتية المدنية، والصناعية، والكهربائية بشكل أساسي.
ويذكر فريدمان أنَّ هدف الهجوم تقويض قدرة البقاء في المدن، من خلال الحد من نقل المؤن، وإجبار الأوكرانيين على الاستسلام، أو إضعاف دفاعاتهم للتمكن من الهجوم البري، واختراق الأراضي والاستيلاء عليها.
مُعضلة القوات الجوية
يذكر فريدمان أنَّه في حالة عدم نجاح الروس، قد يكون للهجوم الجوي بعد نفسي، مسببًا وقوع إصابات كبيرة في صفوف المدنيين، ويؤدي إلى معاناة شديدة تدفع بعض المدن أو حتى البلاد للاستسلام. وفق فريدمان، فمن المفترض أن تكون هذه الإستراتيجية أقل تكلفة، وأكثر كفاءة من استخدام المشاة.
يستدرك فريدمان بالقول إنَّ مشكلة هذه الإستراتيجية أنَّها جُربت من قبل وفشلت باستمرار. فقد سعى الألمان لإجبار البريطانيين على الاستسلام من خلال القصف المكثف للندن بداية الحرب العالمية الثانية، وكانت الأضرار والخسائر كبيرة، لكن البريطانيين لم يستسلموا.
وفي وقت لاحق من الحرب، شن الأمريكيون والبريطانيون هجمات جوية مشتركة تهدف لتحطيم الروح المعنوية للمدنيين، وتدمير البنية التحتية الألمانية، وفشلوا أيضًا. وفي الواقع، أظهر مسح القصف الاستراتيجي الأمريكي الذي أُجري بعد الحرب أن الإنتاج الألماني ارتفع بالفعل أثناء الهجمات الجوية وبعدها.
وفي فيتنام، شنت الولايات المتحدة حملات جوية تهدف لتدمير القوة الصناعية لفيتنام الشمالية. وقرب النهاية، تعرضت هانوي لهجمات مدمرة من قاذفات «B-52»، لكنها كانت أقل دقة، وأوقعت عددًا أكبر بكثير من الضحايا المدنيين. ولم تستسلم فيتنام الشمالية.
نفذ كل هذه الهجمات طيارون مدربون بطائرات ممتازة. وكانت أسباب الفشل متسقة بعض الشيء. وتركزت الهجمات على المدن على استخدام الطائرات، مما جعلها عرضة للدفاعات الجوية. وكانت المعلومات الاستخباراتية حول مواقع المصانع، والبنى التحتية الأخرى غير دقيقة، ومن ثم فشلت الهجمات الجوية في إصابة أهدافها. كانت الطائرات والذخائر غير متوفرة بشكل منتظم، مما أعطى العدو فرصة لالتقاط الأنفاس.
يضيف فريدمان أنَّ الأهم من ذلك أنَّ هذه الهجمات ولدت روح المقاومة الشعبية، وقللت الخسائر الناجمة عن الهجمات الضغط على الحكومة للاستسلام، وقدَّر السكان أنَّ الهجمات الجوية القاسية، ستعني سلامًا أكثر قسوة. ويقول فريدمان في سياق الهجمات الألمانية على لندن، تقدير البعض أنَّ الهجوم الخاطئ من الألمان (Biltz) أنقذ تشرشل.
كل هذا في مواجهة قدرة التعافي للعدو. إذ يمكن إصلاح الضرر، ويكون التدمير الكامل من الجو أمرًا صعبًا.
خيار روسيا الصعب في أوكرانيا
يذكر فريدمان أنَّه نادرًا ما استخدمت الهجمات الجوية المركزة ضد القوات البرية. فالطائرات المنتشرة كانت غالبًا طائرات مقاتلة، ضرباتها دقيقة. وهذا جعل من الضروري نشر القوات البرية، وجعل القصف المكثف فعالًا جزئيًّا فقط، وجعل الطائرات الهجومية عرضة للنيران الأرضية.
ولدى الهجوم الجوي الروسي على البنية التحتية في أوكرانيا، والتجمعات الحضرية، ميزة واحدة عن الهجمات السابقة وهي الطائرات المُسيَّرة الدقيقة. رغم ذلك يشير فريدمان إلى أنَّ المشكلة تكمن في تحديد الأهداف والاعتماد على المعلومات الاستخباراتية، والتي من الممكن مع مرور الوقت.
يُرجح فريدمان إسقاط الطائرات المُسيَّرة أكثر من طائرات الحروب السابقة، خاصةً في بيئة حضرية فوضوية إلى حد كبير، تحمل التكنولوجيا الحالية.
النقطة الأكثر أهمية هي أن القوة الجوية في أفضل الظروف، لا يمكنها السيطرة على الأرض. ويجب نشر القوات البرية لتحقيق ذلك. ويمكن للطائرات المسيَّرة دعم الحملات البرية، كما فعلت القوات الجوية في الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام، لكن الفجوة بين الاستخبارات والتنفيذ تجعل دعم الهجمات البرية أكثر صعوبة.
ولذلك يعتمد الروس على هجوم بري بعد القصف. وتكمن المشكلة في أن المشاة يمكن نشرهم على نطاق واسع، كما هو الحال اليوم. ويمثل القتال في المناطق الحضرية ضد عدو على دراية بظروف الأرض تحديًا. وتعد احتمالات قدرة القوة الجوية على تخفيف هذه المشكلة ضئيلة كما كانت في الحرب العالمية الثانية أو فيتنام.
ويختتم فريدمان بأنَّه يجب دخول القوات البرية، رغم أنَّه لن يُقضى على قدر كبير من القوة المدافعة بالهجوم الجوي. وسيكون المشاة في الوضع الكلاسيكي عند الهجوم: مواجهة نيران مضادة من عدو متمركز جيدًا. ورغم أنَّه يمكن القيام بذلك، فإن المشاة الروس المدربين حديثًا لن يكونوا ندًّا للقوات الأوكرانية الخبيرة. وإن القوة الجوية، باستثناء النووية منها، هي بُعد ضروري ولكنه غير كافٍ للحرب.