مشاهد دامية..واللعبة تتواصل

المؤشر 08-03-2025
الكاتب: المتوكل طه
أول أيام الافطار في رمضان،هي ساعات القشعريرة والبكاء الذابح الغوليّ،ومغرب الفُقْدان الضاري!إنها أيامٌ تتجدد فيها الفجيعة،ويتذكّر الأهل مَنْ كان في رمضان الفائت،ولم يعد!ثمة نقصٌ جارح،وثمة شاهدان أو قضبان أو عيادة للمعاقين..أو سفرٌ بعيد.
هنا صراخٌ مكتومٌ وحشيٌّ يكاد يهرس صدر الآباء والأبناء،وثمة موائد فارغة تتطاير كالمناديل السوداءعلى طرق المقابر.
ستهمد عيون الوالدين،وتظلُّ الجمرة!وسيكبر الصغارُ وفي حلوقهمِ مرارةٌ مغثية،يمجّون معها الصيام والعيد ومناسبات التلاقي والثياب والحلوى..والنسيانَ الذي يُبقيهم وحيدين دون يدٍ أو نداء.
والقرى ما فتئت منكفئة تجأر بعجزها المُحبط،والأشقاء يتصايحون على جثّة المدائن التي قطعوا رؤوسها،كما قطعوا ألسنتهم،وفقأوا رجولتهم المدّعاة.ليس لغزة سوى الذي برأها من برقٍ وشجر ورجالٍ لا يموتون.فليعبث العابثون،فإن غزة تعدّ،رغم الرّدم والجوع والعتمة،حفلة البراءة والخلاص،وستخبز كعك عيدها للطيور.
البحرُ الساطعُ،وغرفُ القمر،وأغنياتُ ليلِ الأمواج،واللّمة في شهر رمضان،والسهرُ على مصاطب الرّصيف،وحليبُ العرائسِ الساخن،وأثرُ السجودِ على التراب،وموقدةُ شايِ النعناع،وضحكةُ الرضيعِ النائم،ورضى الأُمّهات،والنايُ الجارح البعيد،وألوان الحقيبةِ المدرسيّة،والقُبْلةُ المخطوفة تحت الدّرج،وصباحاتُ العيد،وانفعالُ الحمائمِ على البيدر،ومقلاةُ النارِ الحريفة،وفرحةُ النّجاحِ في الثانوية، وضجيجُ الأعراس القريبة، والزّنكُ المشطوف بعد المطر،وعناقُ الجيران، وشبكةُ الصيّاد الطافحة، والعرقُ البارد على ثوبِ الطين،وطقطقةُ الكانون،ومرآةُ المفاتنِ في الليل،والنمائمُ البريئة،وقميصُ المناسبات الوحيد، وشهقةُ المانجو على الأغصان،والهرولةُ وقتَ صلاة الجمعة،والرجوعُ المطمئنّ إلى الدار..راحت إلى غير رجعة!ربمّا ستعود إلى غزّة،ولكن بإيقاعٍ مكسور.
ثمة دبيب في رَحْم الشوارع،وثمة نبض يخفق في الجدران،وثمة انفجار قادم في كل مكان،بدأ من القدس،إلى جنين وطولكرم،وتوقّف طويلاً في غزّة،لكن صداه سيكون في المرايا القريبة والبعيدة!
وقبل الإفطار؛أوقفه الحاجز،كانوا مستنفرين كالطوفان،وبعد أن أتمّوا حفلة الذّل والتفتيش والتنبيش عن الهواء،قالوا لامرأته أن تخلع كل ملابسها،فثمة وطن سينفجر في بطنها،وارتفع الصراخ الوحشي المجنون،وانغلق العقل- سيعرّونها غـَصْباً- وبعد دقائق كان دمه يشق جداول نحو الشجر اليابس على حافة المجنزرات،وامرأة تستلقي دون ثياب!والمؤذّن يعلن دخول الليل.إنها امرأة من بلاد البلابل والقرنفل،ورذاذ البراكين،أو نثار الحصاد وأنفاس الأيْل، تأخذك إلى سلالم النيرفانا،وتعطيك مفتاح قوس قزح،وقبل أن تكمل أناقتك، تكون قد غبت في العروق المهجونية.
ولكن،ماذا يعني هذا؟لا شيء سوى أن اللعبة تتواصل،ولنا أن نستمرئَ وَهْم الكلمات!
وفي رمضان نام الغدُ في البارحة،واستيقظ اليوم،كان شبيهاً بأمّه،التي اعتبرت نوستراداموس دجّالاً ولاعباً على الاحتمال البعيد..الممكن.
وفي شوارع القدس القديمة؛لم تتبدل عربات النحاس كثيراً،ولا الخيول أو الجنود،فلقد كانوا ينزلون بسرعة خاطفة إلى الأسواق،يبعثرون الدكك الخشبية الصغيرة،والطاولات الواطئة،فتقع عنها مِزَق الخضار والباقات وحبّات البيض والفاكهة،وكانت النساء،بثياب الحقول،يرجعن باكيات دون قطع روميّة نقدية قليلة.ومنذ سبعة وخمسين،والجنود أنفسهم يهبطون بهراواتهم،فيركلون البسطات بالبساطير،ويدعسون على إضمامات النعنع والبقدونس والبصل الأخضر والجرجير،ويتدحرج التين والبرقوق،وتعود النساء اللاطمات دون قروشإلى البيوت المنذورة للهدم والتطـّرف..والزوال.
ولغزّة التي تتسحّر على دمها المخثّر في العراء!وأقول؛أُحبُ وجَهكِ،والشررُ يرتعشُ عليه كالفراشات المتوهجة!وأُحبُ عينيكِ المغنطيسيتين،وثوبكِ الذي بلون زبد البح