إدارة ترامب وسياستها المتوقعة
المؤشر 07-12-2024
بقلم : اسامة خليفة
في مقاله بصحيفة نيويورك تايمز عنوانه: «هكذا يمكن لترامب أن يدخل التاريخ»، وصف الكاتب الأميركي المخضرم توماس فريدمان الرئيس الأميركي ترامب بأنه «الفذ» الذي صاغ خطة حقيقية مفصلة للتعايش السلمي بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، وقال إن ترامب رجل « ميال إلى إبرام صفقات كبيرة يمكن أن تكون لها تأثيرات عميقة الغور في صياغة التاريخ»، وإن هناك فرصة هائلة، ورغبة لصفقة تغير قواعد اللعبة، ولو أراد الرئيس الأميركي المنتخب إبرامها، فعليه فقط أن يفعلها بشكل صحيح، فإذا تمكن ترامب، في ولايته الجديدة، من إعادة إحياء تلك الخطة في عام 2025، فإن فريدمان يعتقد أن التاريخ سيذكره بأنه الرئيس الذي حافظ على إسرائيل كدولة ديمقراطية يهودية، وساعد على ولادة دولة فلسطينية آمنة إلى جانبها.
يرى فريدمان ضرورة تغيير خطة ترامب -خطة حل الدولتين التي طرحها ترامب في كانون الثاني/ يناير 2020 في مستهل رئاسته السابقة، بعنوان «السلام من أجل الازدهار»- بسبب تداعيات طوفان الأقصى، مضيفاً أنه لا يرى أي احتمال لقبولها كما هي من أي من الجانبين. الخطة تخبر الطرفين أن الحل الوحيد المستقر يجب أن يتضمن دولتين لشعبين من السكان الأصليين، مع تبادل الأراضي وترتيبات أمنية متفق عليها بشكل متبادل يتفاوضان بشأنه.
ويعتقد أن أياً من الطرفين لن يتبنى هذه الخطة بصيغتها الراهنة، لا سيما بعد طوفان الأقصى، والغزو الإسرائيلي على قطاع غزة، مما سيؤدي إلى عرقلة التوصل إلى أي اتفاق. غير أنه يعتبر الرؤية الواردة في الخطة تشكل انطلاقة للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في مرحلة ما بعد الحرب على غزة. وهي لا تزال خريطة السلام التفصيلية الوحيدة التي قدمها أي رئيس -علناً- لإنشاء دولتين منذ «معايير كلينتون»، وهي مبادئ توجيهية تحمل اسم الرئيس الأميركي السابق بشأن اتفاق الوضع الدائم لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
مساء الجمعة 20/11 قبل شهرين من تسلمه السلطة، أكمل ترامب اختيار الشخصيات في حكومته التي قيل فيها أن ترامب هو الأكثر عقلانية مقارنة ببقية أعضاء فريقه، وهم مجموعة تحب التجاوزات، وتستخف بالقواعد التقليدية للسياسة، جميعهم يتبنون سياسات راديكالية، دون أن يكون بينهم حمامة سلام. وقيل لو كان نتنياهو هو من شكّل هذه الحكومة، لربما لم يكن ليتمكن من جمع هذا الكم من المؤيدين لإسرائيل، فالسمة الأبرز لتشكيلة هذه الحكومة هي أنها ليست فقط مؤيدة لإسرائيل، بل مهووسة بها. ووُصفوا بأنهم جميعاً شعبويون وقوميون، وجعلوا من الشعبوية أسلوبهم، مع تفضيل مفرط للقومية الأميركية، لا يوجد بينهم من ينظر إلى المهاجرين، أو الأعراق المختلفة، أو الثقافات الأخرى بشكل إيجابي. هم جميعاً معادون للصين وإيران، معادون للمسلمين أيضاً، مستعدون لتجاهل القيم الإنسانية والأخلاقية إذا كانت المصالح الأميركية على المحك، ويتصفون بالكثير من البراغماتية.
يتساءل توماس فريدمان في مقاله: هل تنذر عودة المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة بنهاية الضغوط الأميركية على الإسرائيليين والفلسطينيين للتوصل إلى حل الدولتين؟.
في السياسة الشرق أوسطية سيبتعدون عن التحالفات التقليدية، ويتحركون بناءً على تفضيلات دينية وسياسية، مع تركيز خاص على التحالف مع إسرائيل، على غرار إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل
بدلاً من الاعتماد على المعلومات والبيانات في تحديد سياساتهم، سيتحركون بدوافع قومية متطرفة، ومشاعر جياشة، وسلوكيات شعبوية، مما قد يؤدي إلى مزيد من التوترات والمفاجآت.
رشح الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب سيناتور فلوريدا الجمهوري ماركو روبيو لتولى منصب وزير الخارجية في إدارته القادمة، كيف سيتعامل مرشح وزارة الخارجية مع الحرب على غزة؟. سبق له القول: يجب أن تستمر الحرب حتى القضاء على آخر عنصر من عناصر حماس، فهؤلاء «حيوانات شريرة». وأظهر فيديو، ناشطة أميركية تسأل روبيو: إن كان يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة؟، فأجاب لا، لن أفعل، على العكس …أريدهم أن يدمروا كل عنصر من حماس يمكنهم الوصول إليه.
مايك هاكابي مرشح ترامب لتولي منصب السفير الأميركي لدى دولة الاحتلال ينكر بشكل صريح الشرعية الدولية بشأن القضية الفلسطينية معارضاً لحل الدولتين، ولاستخدام مصطلحي الضفة الغربية والاحتلال، ومؤيداً لـ«اتفاقيات أبراهام»، ويدّعي أنها مهدت الطريق لسلام تاريخي بين إسرائيل ودول عربية، ويزعم فريدمان أن ترامب هو من يضع السياسة ويقودها، وليس اليمينيين المؤيدين للاستيطان الإسرائيلي الذين عينهم حتى الآن في مناصب الشرق الأوسط. ونظراً لتبنيهم المطلق لإسرائيل، ستصبح صورة الولايات المتحدة سلبية للغاية، وتصل الكراهية تجاهها إلى أعلى مستوياتها. وعلى مدى السنوات الخمس القادمة، من المتوقع أن تتزايد الكراهية والابتعاد عن أميركا. مع هذا التحول، سيتجه الجميع إلى الصين أو الهند. الصين، بصبرها الاستراتيجي، وتقدمها الصامت وقوتها الاقتصادية، ستكون وجهة لمن يسعى للابتعاد عن أميركا.
على المستوى العالمي، توقعات حول كيفية تصرف هذا الفريق في عملية اتخاذ القرارات، سيكون شعار «اجعلوا أميركا عظيمة مرة أخرى» مظهراً لسلوك تجاري بحت، مع تجاهل كبير للقيم الإنسانية والأخلاقية، مما يعني أنهم سيضعون مصالح الولايات المتحدة فوق كل شيء في الساحة العالمية. هذه الدوافع ستجعل أميركا تحقق مكاسب على المدى القصير، فقد تسيطر على مواقع عدة وتتعزز اقتصادياً. كذلك، قد نشهد أحداثاً فوضوية على مستوى العالم، بسبب سياسات هذا الفريق المتقلبة.
أما بخصوص محاولات أميركا للحفاظ على دورها كقوة عظمى، فقد يكون هذا الفريق مشكلة، خصوصاً في الشرق الأوسط، حيث لا يمكن التنبؤ بالأزمات التي قد يثيرها هذا الفريق المتعصب والمتحمس لإسرائيل.
سيرفضون السياسات التقليدية والمناهج الدبلوماسية المعتادة، وستكون قراراتهم سريعة وغير متوقعة في كثير من الأحيان. يقول الإعلامي التركي كمال أوزتورك لا يمكننا أن ننظر إلى هذا الفريق ونقول «لا بأس»، هل تعلمون لماذا؟ لأن هؤلاء الأشخاص سيتحكمون بأكبر آلة حرب في العالم، وبالأسلحة النووية، وبالأدوات الاقتصادية التي قد تزلزل الاقتصاد العالمي في لحظة.
تخيلوا إضافة جنون هذا الفريق إلى السياسة الخارجية الأميركية المتقلبة التي شهدناها، كخروجهم المفاجئ من أفغانستان أو إعلانهم الانسحاب من سوريا دون تطبيقه؛ حيث لم يعد هناك آلية لوقف تحركاتهم، كإرسال حاملات الطائرات من مكان لآخر، أو إطلاق الصواريخ بقرارات عشوائية.
لكنْ هناك تساؤل آخر: هل هذا التيار الشعبوي المتطرف مؤقت أم دائم؟ هل هذه الحالة الاستثنائية ستدوم؟
مرت أميركا بتجربة مشابهة في خمسينيات القرن الماضي في فترة الحرب الباردة، عندما سيطرت ما تسمى «المكارثية» وشهدت هستيريا معادية للشيوعية طالت العالم بأسره، لكنها تلاشت لاحقاً، فهل نحن أمام فترة مؤقتة؟
الإرهاب الثقافي للمكارثية الجديدة بدأ بها ترامب عهده قبل أن يدخل البيت الأبيض مهدداً متوعداً بجحيم في الشرق الأوسط ما لم يتم الإفراج عن المختطفين لدى المقاومة قبل تنصيبه في 20 كانون الأول/ يناير القادم. وذكر ترامب، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي: «سيتلقى المسؤولون ضربات أشد من أي ضربات تلقاها شخص في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية الطويل والحافل.. أطلقوا سراح الأسرى الآن»، وفي عهده الجديد ستبرز بقوة تهمة «معاداة السامية»، في مسار متصاعد في أميركا وأوروبا نحو القمع الفكري والتشدد الأصولي الذي يقمع حرية الرأي، لم يخلُ عهد بايدن من إرهاب فكري تسببت في استقالة رؤساء جامعات لأنهم لم يتنازلوا عن حرية الفكر والتعبير عن الرأي، كما شهدت جامعات الولايات المتحدة تهديد الطلاب بالفصل بسبب موقفهم المتضامن ضد الإبادة الجماعية في غزة.