وقف إطلاق النار والصوت غير الملتزم!
المؤشر 10-08-2024
بقلم : د.حازم قشوع
في انتخابات الرئاسة الأمريكية، يستهدف الجميع الولايات المتأرجحة، وتتشكّل ظاهرة تُعرف بـ”الأصوات غير الملتزمة”، لأن هذه الأصوات ستكون فاصلة وحاسمة في المعركة الرئاسية. المرشح الذي يخسرها لن يحظى بشرف الدخول إلى البيت الأبيض. أما سعيهم للحصول على هذه الأصوات، فيعود إلى تأثير “بيضة القبان” التي تشكّلها الجالية العربية المسلمة في هذه الولايات، والتي ستحدد من هو الفائز بالتأكيد. وفي حال بقائها غير ملتزمة، فإن فوز كامالا هاريس سيكون غير وارد في ولاية ميشيغان، ولا في ديترويت، ولا في بقية الولايات المتأرجحة التي يُقدّر فيها الصوت العربي بـ 700 ألف صوت. هذا يعني أن على كامالا هاريس والرئيس بايدن الضغط على نتنياهو لقبول الصفقة، وبدون ذلك ستكون معركة حصول كامالا على بطاقة الصعود للبيت الأبيض مرهونة بلقائها مع هذه الأقلية الوازنة في المعيار الانتخابي.
إذا قررت الإدارة الأمريكية التدخل الجاد لوقف العدوان على الشعب الفلسطيني في غزة، فإن هذه الكتلة التصويتية ستدعم هاريس، مما يعني دخولها إلى البيت الأبيض، كما سيحدّ من أي ضربة إيرانية، وهو ما سيمنع في النهاية إشعال حرب إقليمية في مركز الحضارة الإنسانية. هذا ما لا تريده الإدارة الديمقراطية، لأن نتائج مثل هذه الحرب ما زالت غير معروفة ولا محسوبة الاتجاه، الأمر الذي من شأنه وقف حرب الاستنزاف عن إسرائيل وإنهاء أزمة الفلسطينيين التي طالت وأصبحت محرجة للإدارة الأمريكية، وهي التي تقدّم ذاتها بحلّة قيمية تقوم على الحرية وحق تقرير المصير للشعوب، وأساسها أهلية المواطنة المدنية والسياسية كما الحقوقية. لتجنب ازدواجية المعايير التي لا تخدمها، يجب عليها أن تتخذ خطوات حذرة.
صحيح أن دونالد ترامب يتحدث عن طرد الشعب الفلسطيني من دياره عبر تهجير قسري لأهل غزة كما الضفة والقدس في المقياس الضمني، لكن ما هو صحيح أيضًا أنه لا يجوز لكامالا هاريس مخاطبة العرب بهذه الطريقة في ميشيغان، وهم من جاءوا ليقولوا لها: “حذاري من الكيل بمكيالين وأنتِ القاضية والمدعي العام”. هذا ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، لأنه يمس هيبة حضورك كما يمس القيم والمصداقية التي تقفين عليها في الإنصاف وتحقيق العدالة. فالحق، سيدتي هاريس، لا يعلو عليه، أليس كذلك؟
وحيث أن المرشحة الديمقراطية هاريس تعلم أن الأصوات العربية المسلمة لن تذهب لصالح ترامب، إلا أن بقائها وعدم الإدلاء بها، وحتى اعتزال جزء منها، سيجعل من حصولها على البطاقة الرئاسية المتأرجحة مثل ولاية الكرز التي وقفت فيها لإسكات الأصوات التي دعمتها لوقف إطلاق النار في الحرب اللاإنسانية التي تشنها القوات الإسرائيلية على أهالي غزة. تلك هي المحصلة التي تجعلنا نقول لهاريس: “حذاري من بقاء الصوت غير الملتزم في مكانه”. يجب على الإدارة الديمقراطية الإصغاء لما يقوله هذا الصوت، كونه جزءًا من دوائر التأثير الأساسية في الانتخابات الرئاسية.
ولعل عودة طاولة التفاوض من جديد لتكون حاضرة بجدية قبل موعد انعقاد مؤتمر الحزب الديمقراطي في الثلث الأخير من هذا الشهر، ستجعل الأصوات غير الملتزمة تكون ملتزمة تجاه اللون الأزرق. هذا من مصلحة جميع الأطراف باستثناء نتنياهو، لكن مسألة تحقيق نتائج في ملف وقف إطلاق النار أصبحت واجبة، كونها مصلحة انتخابية للإدارة الديمقراطية ومصلحة لإسرائيل تقيها ضربة إيرانية، ومصلحة للأطراف العربية المتداخلة كونها تبعد عنها حرج الاصطفاف وتبعاته. وهذا ما يجعل المفاوضات التي ستنطلق ليست كسابقاتها، كونها تأتي وسط ظروف أكثر ملاءمة لتحقيق نتائج تؤدي إلى وقف إطلاق النار وتحويل الصوت “المتردد” إلى صوت داعم للحملة الزرقاء لما يشكّله من حواضن تأثير شبابية مناصرة، لا سيما أن مؤتمر الحزب الديمقراطي سينعقد في شيكاغو، إلينوي، حيث يشكّل الصوت العربي المسلم والشبابي الداعم صوت الأغلبية. وهذا ما جسده البيان المشترك الأمريكي المصري القطري، الذي يأتي منسجمًا مع الدعوة التي أطلقها الملك عبدالله مع الرئيس بايدن والرئيس ماكرون لوقف إطلاق النار بشكل دائم وفوري، بالاستجابة لخطة بايدن تجاه الحل