عودة ترمب ومأزق القضية الفلسطينية
المؤشر 16-11-2024
بقلم : د.اياد القرم
في الخامس من تشرين الثاني الحالي جرت الانتخابات الرئاسية الأمريكية واستطاع دونالد ترمب الفوز بتلك الانتخابات على مشرحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، ليعود ترمب بفترة رئاسية جديدة، بعد الفترة الأولى والتي حكم خلالها في الفترة الممتدة من بداية العام 2017 حتى بداية العام 2021.
دونالد ترمب والبالغ من العمر 78 عاما، لطالما يشدد في جميع أحاديثه السياسية واللقاءات الصحفية على محورية العلاقة مع إسرائيل، وأن تلك العلاقة تُعدّ أحد أهم أركان السياسة الخارجية الامريكية الاستراتيجية في منطقة الشرق الاوسط، فالدعم اللامحدود لإسرائيل في كافة الصُعد هو أحد ثوابت كافة الرؤساء الأمريكيين بغض النظر عن طبيعة الحزب الحاكم، ولكن الجمهوري ترمب من اكثر الرؤساء الامريكيين – إن لم يكن أكثرهم- تشدداً في دعم إسرائيل سياسيا وعسكريا واقتصاديا وأمنياً…الخ، فالعلاقة التي تحكمه بالجانب الإسرائيلي وتحديداً برئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي نتنياهو هي علاقة مبنية على الشراكة الاستراتيجية بكافة مجالاتها والتوافق على طبيعة الحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي
في فترته الرئاسية الأولى، قدم ترمب لإسرائيل دعماً لا محدوداً وقرارات لصحالها لم يقدمها أي رئيس أمريكي من قبل، فأولى تلك الهدايا والقرارات كان نقل السفارة الأمريكية إلى القسد والاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل بشكل رسمي، وبالتالي إلغاء أي حقوق فلسطينية في تلك المدينة، ومن ثم جاء ما اصطلح على تسميته بصفقة القرن كحل نهائي للقضية الفلسطينية، والتي تم رفضها بشكل قاطع وحاسم من القيادة الفلسطينية، كونها لا تلبي حتى أدانى حقوق الشعب الفلسطيني، بل على العكس فتلك الصفقة هي تصفية كاملة للقضية الفلسطينية، وتعطي لإسرائيل السيطرة على غالبية مناطق الضفة الغربية، وتعلن بشكل واضح تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وكذلك الاعتراف بشكل رسمي بان القدس بشقيها الشرقي والغربي هي عاصة إسرائيل الأبدية، واخيراً كان مؤتمر التطبيع بين بعض الدول العربية (الاتفاق الابراهيمي) وإسرائيل ليختتم به ترمب فترة رئاسته الأولى.
منذ السابع من اكتوبر 2023، دخلت القضية الفلسطينية مرحلة جديدة، مرحلة عنوانها الأبرز الحرب الإسرائيلية التدميرية على قطاع غزة والشعب الفلسطيني، إذ أن أبرز سمة لتلك الحرب هي الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل في قطاع غزة، والضم والتوسع والمصادرة في الضفة الغربية، وكل ذلك جاء بغطاء أمريكي ودعم لا محدود من قبل الرئيس الأمريكي الحالي بايدن، وبالتالي ازدادت الحرب الإسرائيلي توسعا لتشمل الإقليم من خلال شن حرب جديدة على حزب الله في لبنان، وغارات جوية على إيران واليمن والعراق وسوريا، لتزداد إسرائيل تغولاً في الشرق الاوسط وبدعم وغطاء أمريكي كامل، وعجز دولي وعربي عن التصدي للمجازر والحروب الإسرائيلية.
خلال حمّى الدعاية الانتخابية للانتخابات الأمريكية، جاءت تصريحات ترمب تجاه قضايا الشرق الاوسط وكأنه يحاول حمل العصى من الوسط في سعيه لكسب أصوات العرب والمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال تصريحاتها التي أكد فيها سعيه لوقف الحروب في الشرق الأوسط بشكل كامل وفوري، وخاصة في ظل تحفظ الجاليات العربية والمسلمة هناك في إعطاء صوتها لمرشحة الحزب الديمقراطي نتيجة موقفها وموقف الرئيس بايدن تجاه الحرب على غزة وتوفير الغطاء السياسي والدبلوماسي للمجازر الإسرائيلية هناك، وقد أظهرت نتائج الانتخابات في الولايات التي يتواجد بها الصوت العربي بشكل ملفت تراجع التصويت بشكل واضح للحزب الديمقراطي وكسب ترمب للعديد من الأصوات على حساب الحزب الديمقراطي، ليُشكّل هذا العامل – إضافة لعوامل أخرى داخلية- أحد أهم أسباب نجاح ترمب في الانتخابات الامريكية.
وعلى الطرف الآخر من التصريحات الصادرة من ترمب حول الصراع الدائر في الشرق الأوسط، فهو لم يخفِ دعمه الكامل لإسرائيل في حروبها، وقد جاء تصريحه الاكثر وضوحا في إحدى لقاءاته التلفزيونية حول أن إسرائيل دولة صغيرة ويفكر كثيرا في كيفية توسعتها ليشكّل تخوفاً كبيراً لدى المتابعين السياسيين وصناع القرار السياسي في العالم العربي حول توجهات ترمب السياسية بعد تسلمه مقاليد الحكم رسميا في منتصف يناير 2025 القادم، فهذا التصريح يشكل غطاءً إضافياً لجرائم وحروب إسرائيل في المنطقة، ويشكل شيكاً على بياض للحكومة الإسرائيلية لتنفيذ مخططاتها في فلسطين، والدليل على ذلك هو التصريحات الأخيرة للمسؤولين الإسرائيليين حول وضع الخطط لضم الضفة الغربية بشكل رسمي بعد تسلم ترمب سدة الحكم بعد شهرين من الآن، وهو ما يشكل تدميراً كاملاً لأي فرصة لإقامة دولة فلسطينية أو حتى أي امل لإحياء مفاوضات التسوية في الشرق الاوسط، إذ أن هكذا خطوة تعني نهاية حقبة ثلاثين عاماً تلت توقيع اتفاق أوسلو في العام 1993، ودخول القضية الفلسطينية مرحلة جديدة من الصراع.
في الشق الأخير من هذا المقال لا بد من التطرق للتعيينات التي قام ترمب بالإعلان عنها لفريقه السياسي، إذ تتسم التعيينات بالتمسك بسياسات يمينية متشددة، حيث يتولى العديد من الشخصيات المتطرفة مناصب حساسة في إدارته المقبلة، مما يعكس توجهات ترمب الأيديولوجية، فمعظم هؤلاء الشخصيات يتشاركون في دعم السياسات العسكرية والتدخلات الخارجية، كما يظهر من اختيار مايك والتز مستشارًا للأمن القومي، الذي يُعد من أبرز دعاة الحروب المفتوحة، علاوة على ذلك، تعكس التعيينات أيضًا تأييدًا صارخًا لإسرائيل، سواء عبر دعم ممارسات الاحتلال في غزة والضفة الغربية أو تعزيز الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، فالتعيينات، بما فيها اختيار شخصيات مثل مايك هاكابي سفيرًا في إسرائيل، تؤكد على انحياز شديد لإسرائيل والمطالبة بمساندة عسكرية غير مشروطة، مما يعزز الانطباع بأن إدارة ترمب المقبلة ستكون أكثر تطرفًا في دعم إسرائيل وتوسيع تدخلاتها العسكرية.
خلاصة ما سبق يمكن الإشارة هنا أنه من المحتمل أن تدعم إدارة ترمب ضمّ إسرائيل الرسمي لجزء كبير من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، مع التركيز على تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية والتوسع في قطاع غزة، فهذا التوجه يعكس استمرارية لسياسات ترمب السابقة، كما أظهرت “صفقة القرن”، مما يسهم في تعزيز الضغط من اليمين الصهيوني لاستكمال تنفيذ أهدافه التوسعية، والتي قد تشمل ضم كامل الأراضي الفلسطينية بين النهر والبحر وتنفيذ الخطة التي وضعها وزير المالية الإسرائيلية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، خطة “الحسم” إذ تستند إلى فكرة مفادها أن نموذج “حل الدولتين” قد وصل إلى طريق مسدود، وأنه حان الوقت لإنهاء الصراع بدلاً من إدارته، من خلال ترسيخ فكرة أن “أرض إسرائيل الكاملة” هي حق ثابت لا يمكن التفاوض عليه، وأنه لا مكان في هذه الأرض لحركتين وطنيتين متناقضتين، إذ يسعى إلى إفقاد الفلسطينيين أي أمل في إقامة كيان وطني من خلال “الحسم” الاستيطاني”، وتعزيز الهجرة، والاستخدام المكثف للقوة العسكرية، بحيث يحدد سموتريتش سيناريوهين رئيسيين للتعامل مع الفلسطينيين: إبقاء الذين يتخلون عن طموحاتهم الوطنية كأفراد داخل الدولة اليهودية، أو تهجير الرافضين باستخدام القوة.