كتاب المؤشر

مــــو صالحة

المؤشر 19-06-2024  

بقام : عواد الجعفري

إن الذي يعتقد أن المصالحة الفلسطينية قريبة أو ممكنة التحقق هو واهم.

لقد امتد الانقسام الفلسطيني حتى تجاوز حروبا أهلية طاحنة في المنطقة مثل الحرب الأهلية اللبنانية. في هذا الشهر أكمل الانقسام الفلسطيني عامه الـ17. الحرب اللبنانية دامت 15 عاما ورغم كل فظاعاتها عاد السياسيون واتفقوا. الغريب بعد كل هذه السنوات العجاف في فلسطين، أنه لا مؤشرات على اقتراب المصالحة، إلا في أذهان الواهمين.

لم تفلح 5 حروب شنتها إسرائيل في توحيد الفلسطينيين، رغم أن القاعدة العامة هي أن الشعوب تتوحد في حال العدوان الخارجي، والمؤسف أن الحرب الحالية هي الأكثر قسوة ووصلت إلى حد الإبادة الجماعية، غير أن ذلك لم يقرب طرفي الانقسام من بعضهما البعض. على العكس من ذلك، لقد حدث تراشق إعلامي مستغرب ومستهجن في ظل آلام أهل غزة.

سيطرح البعض سؤالا مفاده: وما أهمية المصالحة الوطنية في ظل حرب الإبادة الحالية، فالأولى وقف الحرب وتأمين أساسيات الحياة لأهل غزة؟ إن هذا المنطق صحيح، لكن الذي لا يعرفه أصحاب هذا المنطق هو أن الانقسام الفلسطيني هو “الثقب الأسود” الذي يبتلع كل التضحيات والنقاط التي يحرزها الفلسطينيون وأنصارهم.

هزت الحرب على غزة ضمير الإنسانية، ولا ريب في ذلك. انتفض طلبة الجامعات الغربية وعلى نحو خاص الجامعات الأميركية دعما لفلسطين وغزة، واعترفت دول غربية بدولة فلسطين مثل إسبانيا والنرويج وإيرلندا. ثمة تحول في الغرب نحو قضية فلسطين، لكن إن لم يتم استثماره والبناء عليه سيتبدد مع الزمن. وقد تذهب تضحيات شعبنا هدرا للأسف مع بقاء الانقسام.

إن الانقسام الفلسطيني حجة القريب والبعيد للتملص من دعم الفلسطينيين، ولسان حال هؤلاء: “وحّدوا بيتكم ثم انتقدوا أو اطلبوا الدعم”، والأمر فرصة لإسرائيل، فهي قالت وتقول: “مع مَن نجري مفاوضات (غير تلك الخاصة بغزة)؟”. هي لا تريد سلام لكن الانقسام حجة وفرصة.

قبل سنوات طويلة، كتبت مجلة “الإيكونومست” البريطانية عن الانقسام الفلسطيني أنه سيدوم (ever divided)، واعتقد البعض حينها أن الأمر مبالغ فيه، لكن ها هو الانقسام طال واستطال.

في أحدث المعلومات الواردة عن ملف المصالحة، قال قيادي في فتح إن أي حوار مع حماس سيكون وفق شروط مسبقة تبلغ 8، منها الاعتراف بالتزامات منظمة التحرير الفلسطينية كالاعتراف بإسرائيل واعتماد المقاومة السلمية.

هل من المتوقع أن توافق حماس؟ بكل تأكيد لا، خاصة في ظل الحرب الحالية. هي ترى أن ما حققته طوال سنوات كان بالدم والنار وليس من المنتظر أن تمنحه لأحد.

الشروط المسبقة التي تحدث عنها القيادي تعني أن جولات المصالحة في السنوات الماضية كانت عبثاً. أسباب الانقسام لا تزال على حالها منذ 2007، ففتح تؤمن بشيء وحماس تؤمن بنقيضه، سياسياً وفكرياً، وهما موجودان في إقليمين منفصلين جغرافياً.

الوضع الراهن، رغم أنه مؤلم جداً لشعب فلسطين وقضيته، لكنه ليس كذلك لطرفي الانقسام، فهو يبقي على ما تبقى من سلطة وإن كانت محدودة للغاية، ولا يوجد ما يوحي بقرب نهاية الانقسام حتى ولو لفظياً، رغم عدد الشهداء الهائل في غزة.

17 عاماً وفلسطين بلا برلمان يحاسب ويراقب ويصدر القوانين التي تعالج المشاكل في البلاد من صغيرها إلى كبيرها. 17 عاماً ولا يوجد تداول للسلطة. نشأ جيل جديد لا يعرف إلى صناديق الاقتراع طريقاً ويقرر الآخرون عنه

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى