مستقبل أسعار الذهب بعد قرار الفيدرالي وبيانات سوق العمل
المؤشر 03-08-2025 قرر الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في اجتماعه الأخير المنعقد يوم 30 يوليو 2025 تثبيت سعر الفائدة الأساسي ضمن النطاق 4.25% – 4.50% دون تغيير. جاء هذا القرار بانقسام في الأصوات داخل اللجنة الفيدرالية، حيث اعترض عضوين مطالبين بخفض الفائدة بـ 0.25% . كما أشار البيان إلى أن النمو الاقتصادي تباطأ في النصف الأول من العام رغم بقاء مستوى الضبابية مرتفعًا بشأن التوقعات المستقبلية. ولم يقدم الفيدرالي أي إشارة واضحة حول موعد البدء في خفض الفائدة، إذ صرح جيروم باول محافظ الفيدرالي بأنه “لم يُتخذ أي قرار بشأن اجتماع سبتمبر” مما أبقى الباب مفتوحًا وفق تطورات البيانات القادمة ولكن بيانات سوق العمل الضعيفة يوم الجمعة أدت لارتفاع احتمالات الخفض في سبتمبر إلى 80%.
ردود فعل الأسواق المالية عقب قرارات الفيدرالي: عقب صدور قرار تثبيت الفائدة وتصريحات باول، شهدت الأسواق تفاعلاً ملحوظًا. عوائد سندات الخزانة الأميركية ارتفعت بصورة طفيفة مع إعادة تقييم المستثمرين لتوقعات الفائدة، والدولار الأميركي صعد لأعلى مستوى في شهرين مقابل سلة العملات الرئيسية حيث قفز الدولار بنحو 1% في ذلك اليوم مدعومًا بغياب إشارات على خفض قريب، إذ إن الفائدة الأميركية المرتفعة تعزز جاذبية الدولار أمام العملات الأخرى. في المقابل، تراجعت مؤشرات الأسهم الأميركية بشكل طفيف بعد المؤتمر الصحفي لباول؛ حيث انخفض مؤشر S&P 500 بنحو 0.3% وأغلق داو جونز منخفضًا بحوالي 0.4% وسط حذر المستثمرين. يعود هذا التراجع إلى خيبة أمل الأسواق التي كانت تمني النفس بإشارات أوضح على خفض الفائدة قريبًا ومع ذلك، ظلّ تأثير القرار على الأسهم محدودًا نسبيًا وبقي التراجع ضمن نطاقات ضيقة، إذ استوعبت الأسواق حقيقة استمرار السياسة النقدية المتشددة لفترة أطول.
أسواق السلع: انعكس قرار الفيدرالي ونبرة باول الحذرة بشكل واضح على أسعار المعادن الثمينة. فقد انخفضت أسعار الذهب بأكثر من 1% فور صدور القرار، لتتراجع إلى أدنى مستوياتها في عدة أسابيع. جاء هذا التراجع مع ارتفاع الدولار وتراجع جاذبية المعدن الأصفر كملاذ آمن، خاصة وأن الذهب أصل لا يدر عائدًا فتتأثر جاذبيته سلبًا بارتفاع عوائد السندات والدولار. كما أن قفزة الدولار شكلت ضغطًا إضافيًا على الذهب ودفعته لكسر الحدود الدنيا لنطاقات تداوله الأخيرة. كما امتد الأثر السلبي ليشمل معادن أخرى؛ فقد هبط سعر الفضة بأكثر من 3% والبلاتين بنحو 6% في ظل عمليات بيع لجني الأرباح عقب القرار. وعلى النقيض من ذلك، بدت أسعار النفط مستقرة إلى مرتفعة نسبيًا خلال الفترة ذاتها؛ إذ أغلق خام برنت على ارتفاع بأكثر من 1% قرب 73 دولارًا للبرميل. ويعزى صمود النفط إلى اعتبارات جيوسياسية ومخاوف معروض في السوق منها تشديد الرئيس الأميركي لهجته بشأن مهلة إنهاء حرب أوكرانيا وتهديده برسوم على الدول المتعاملة مع نفط روسيا مما طغى على تأثير قوة الدولار. هذا المزيج يعكس أن تأثير قرار الفيدرالي على السلع كان متفاوتًا؛ فالذهب تأثر سلبيًا بقوة الدولار، بينما حافظ النفط على مكاسبه بدعم عوامل أخرى خارجة عن نطاق السياسة النقدية.
تباطؤ سوق العمل الأميركي ودلالاته للسياسة النقدية والتضخم
جاءت بيانات سوق العمل الأمريكية في وقت لاحق لتقلب كافة الموازين وتعيد للأسواق مسارها السابق وهو ارتفاع الذهب وهبوط الدولار والمؤشرات القيايدة، حيث أظهرت البيانات تباطؤًا حادًا في نمو الوظائف خلال يوليو. فقد أضاف الاقتصاد الأميركي 73 ألف وظيفة فقط في قطاعاته غير الزراعية خلال يوليو، وهو رقم أدنى بكثير من التوقعات (110 ألفًا) وأضعف زيادة شهرية في نحو خمس سنوات. ليس ذلك فحسب، بل تضمن التقرير مراجعات سلبية ضخمة لبيانات الأشهر السابقة، حيث تم تخفيض إجمالي وظائف مايو ويونيو معًا بحوالي 258 ألف وظيفة مقارنة بالتقديرات السابقة. هذه المراجعات الكبيرة التي وصفها مكتب إحصاءات العمل بأنها "أكبر من المعتاد" تشير إلى أن سوق العمل كان أضعف مما بدا في الربيع وأوائل الصيف. وفي الوقت نفسه، ارتفع معدل البطالة من 4.1% إلى 4.2% في يوليو، وهو أعلى مستوى له منذ أكثر من عام. جاء ارتفاع البطالة متزامنًا مع انخفاض في التوظيف حسب مسح الأسر وتراجع طفيف في نسبة المشاركة بالقوى العاملة، مما يوحي ببداية تراكم ضغوط في سوق العمل. ورغم هذا الارتفاع، لا يزال معدل البطالة ضمن نطاق ضيق (4.0% – 4.2%) مستمر منذ منتصف 2024.
على صعيد الأجور، حافظ نمو الأجور السنوي على وتيرة قوية تقارب 3.9% (على أساس سنوي في يوليو). ورغم تباطؤ التوظيف، يبدو أن سوق العمل لا يزال يعاني من شح المعروض ربما نتيجة انخفاض الهجرة واستمرار تقاعد أعداد كبيرة من قوة العمل مما أبقى نمو الأجور مرتفعًا. يشير الاقتصاديون إلى أن تراجع حجم قوة العمل يساهم في إبقاء ارتفاع نسب الأجور أعلى من المطلوب، حيث انخفضت نسبة المشاركة للشهر الثالث على التوالي لتبلغ 62.2%. كما ارتفع عدد العاملين بدوام جزئي وزاد متوسط مدة البطالة، ما يوحي ببعض الضعف في سوق العمل. بشكل عام، يظهر تقرير الوظائف الأخير صورة مختلطة: تباطؤ حاد في خلق الوظائف مع ارتفاع طفيف في البطالة، لكن نمو الأجور ما زال قويًا نسبيًا. هذه التركيبة تعني أن الفيدرالي يواجه معضلة تراجع النشاط الاقتصادي وسوق العمل من جهة، مقابل بقاء بعض الضغوط التضخمية عبر الأجور من جهة أخرى.



