جامعة الدول العربية والدور الجيوسياسي المأمول
المؤشر 28-10-2024
بقلم : د. حازم قشوع
تعتبر منظومة جامعة الدول العربية من أعرق منظومات العمل الدولية وأكثرها أثرا والأعظم تأثيرا على المستوى التنموي كما على المستوى السياسي والاقتصادي، وهو ما جعل من المجتمعات تعول عليها فى تحقيق تطلعاتها في الاتحاد التنموي والتوحد البنيوي والوحدة السياسية لما تحويه من عميق نشأة جاءت قبل نشأة الأمم المتحدة، وإن كانت بنفس عام التأسيس ولما تحويه من روابط هيكلية متكاملة جاءت منسجمة بأرضية بيانها بالتواصل الجغرافي والمحتوى الثقافي و المرجعية الحضارية مع مضمون نشأتها بدلالة السمة العربية التي تخيم عليها ليس من باب عرقي بل منطوق حال لسان مجتمعاتها.
وهو ما جعل من جامعه الدول العربيه بمحتواها الجامع على حد تعبير النحاس باشا للوزير البريطاني ايدن، عندما تم اختيار الاسم قبل فترة التأسيس بمساعدة الملك عبدالله الاول لتعمل الجامعة على تأطير المجتمع العربي بإطار واحد وأن تسهم بطريقة سياسية في حماية مجتمعاتها، كما تشكل ركنا أساسيا في بناء دول عدم الانحياز في مرحلة الحرب الباردة كما تقوم بدور الحماية السياسية للدول، والعناية الاجتماعية للمجتمعات، والرعاية التنموية للشعوب المنضوية باطارها العام، وهذا ما جعلها منظومة دولية بمحتوى اقليمي مكتملة أركانها الهيكلية وواضحه برسالتها الانسانية تجاه المجتمع الدولي الذي اعترف بشرعية حضورها على المستوى الإقليمي وعلى الصعيد الدولي.
وهذا ما جعل من المجتمعات العربية تعول عليها بتحقيق الحلم العربي بالوحدة عن طريق التحرر من التبعية، وصون منعه الجامعه بالوحدة بما يجعلها عصية على الاختراق قادرة على فرض دورها ومكانتها الإقليمية بعناوين قوة جيوسياسية، لكن هذا كان يتطلب منها إطلاق مرجعية نقدية جامعة تقوم على “الدينار العربي” حتى تشكل هذه المرجعية النقدية منطلقا للوحدة على غرار وحدة اليورو الأوروبية، كما كان عليها بناء منظومة عمل عسكري على غرار منظومة العمل الامنية للدول العربية بما يجعلها قادرة على حماية حضارتها والدفاع عن مكانتها وقضاياها المركزية التي تشكل عنوانها القضية الفلسطينية، كما كان عليها واجب أن تعمل على بناء وحده لتنسيق المواقف السياسيه لتوحيد توجهاتها وبيان حالها وفرض قوامها فى المحافل الاقليمية والدولية.
وهي الخطوط العامة التي مازالت تجعل من جامعه الدول العربيه تقبع في طور المنصة لتبادل وجهات النظر بين اعضائها ضمن منازل تقريرية، ولا يشكل مضمونها أداة بيان اقراريه عامله على فرض وجودها كما تفعل الدول الجيوسياسية في المنطقة، تاركة بذلك فراغ سياسي كبير عملت على اشغاله القوى التوسعية المحيطه بالمنطقه بعناوين “اسرائيل الامنية، وإيران الشيعية، وتركيا العثمانية الإخوانية” محدثة بذلك نقاط استقطاب بالحاضرة العربية ومشكلة اسقاطاتها معول هدم ثقافيه عبر حركة الاستقطاب الفكرى والمنهجي واخرى بنيوية، عندما اخذت ظلالها تمتد لقضم مساحات من الدول العربية وتقوم فى بناء تيارات عسكرية موالية للامتداد التوسعي لهذه الدول، وهذا ما جعل من جامعه الدول العربيه تفقد لونها وبريقها الذي تتوق المجتمعات العربية لوجوده باعتبارها رافعة وحاميه، وهى تبحث عن مخرج للأزمات المشتعلة في المنطقة بعد شغور مكانه النظام العربي ومحتوى تجسيد هويته الجامعة التي تشكل عنوانها جامعه الدول العربيه بعراقة دورها وأصالة مكنون رسالتها.
واليوم والعالم يعيش لحظات تاريخية فاصلة لا تهدد منظومة العمل الدولية بكل هيكليتها ومستقراتها فحسب، بل وصلت للجذور والمنطلقات والقيم والموروث الحضاري والديني مع تعمق حجم التهديد حتى طال بناء جغرافيا سياسية جديدة للأوطان بواسطة تهجير يطرأ على الديموغرافيا في شكل جغرافيا جديدة يراد لها أن تكون منسجمة مع حالة مذهبية ناشئه التى يراد ترسيمها، او مع الحاله الأثنيه القابعة التي يراد ترسيم جغرافيتها السياسية، فإن استدراك ما يحدث يتطلب خط برنامج جاد للوحدة يقوم للتصدي لكل هذه التحديات بالعودة للمرجعيه الآمنة لتكون قادرة على حماية الموجودات وصون المنجزات، وهى منظومة العمل التي تشكلها جامعه الدول العربيه بالإطار العام ومضمون البيان.
ومع دخول الثقافة الإنسانية في عصر الصناعة المعرفية بمرجعيات العالم الافتراضي ووسائل الذكاء الاصطناعي والعلوم السيبرانية والنانو تكنولوجي الميتافيرس، وتقلص المحتوى العربي في حواضنها بما يزيد عن 10% من محتوياتها، فإن العمل على تحصين اللغة العربية ومحتواها لتكون حاضرة في الحاضنة الافتراضية قد يكون من القضايا التي يمكن للجامعة العربية تبني مشروعها الذي أطلقه ولى عهد الأردن الأمير الحسين بن عبدالله لما يشكله هذا المشروع من اضافة وعنوان يحافظ على سمه الجامعة العربية ومنطوق بيانها، ويجعل من أثر حضارة محتواها موجودة أسوة فى الحضارات الانسانية الاخرى التي أخذت تشكل مضمون المحتوى الإنساني للعلوم المعرفية والأدب المعرفي.
وهو المشروع الذى سيكون منسجم مع رساله التحديث التي تقوم عليها هيكليات الأمم المتحدة بالتواصل الافتراضي ومسارات التواصل المباشر مع الشعوب، وهذا ما سيجعل محتوى المنظمات الدولية يحمل سمة أخرى لا تقوم على الوجاهية الشخصية بقدر ما تقوم على التواصل عبر مسارات الصناعة المعرفية التي ستتمكن من أحداث روابط مباشرة بين المنظومة الأممية والمجتمعات المحلية دون ضوابط تحوول بينها وبين المجتمعات المحلية، وهذا ما سيشكل بمضمونه تحدى آخر على الأطر العامة للدول بما يجعله يشكل عنوان تحدي بحاجة إلى علامة استدراك مركزية تقوم عليها المنظومة الأممية العربيه بروح من التعاون والتشاركية.
إن تفعيل دور الجامعة العربية والانتقال بها من منظومة دولية وإقليمية يقوم محتواها على مفهوم منصة التفاعل الى اخرى جيوسياسية تقوم على تشكيل رافعة للأمة العربية وقضاياها كما تشكل بمحتواها حماية أساسية لمجتمعاتها، أجده فعل استدراكي احترازي مطلوب ليس للمجتمعات العربية فحسب بل من أجل الحفاظ على الأنظمة العربية و مستقرات مجتمعاتها كما محددات جغرافيتها السياسية.
فى ظل دخول البشرية بحاله متغيرات ناشئة نتيجة حالة الاستقطاب القطبي بين دول الناتو أصحاب الهيكلية الأممية منذ عام 1945 مع مرحلة مواجهة مع اصطفاف التعددية القطبية بزعامة منظومة بركس طور التشكيل، وهذا ما يعيد العالم الى محددات انقسام جديد بين شطري معادلة تقوم بين دول المركز التى تمثل شمال العالم، ودول البركس التى اخذت تمثل جنوبه، الأمر الذي يستوجب على جامعة الدول العربية العمل على إعادة تفعيل رسالتها بما يجعلها قادر على حماية الإنسان العربي ومستقرات مجتمعاته من واقع بيان حال دورها الجيوسياسي المأمول.