تحدّيات تواجه الحكومة الجديدة
المؤشر 15-05-2024
الكاتب: هبة بيضون
يعلم الجميع بأنّ هذه الحكومة تشكّلت في ظروف استثنائية وغير طبيعية، والجميع يعلم بأنّ تشكيلها هو مطلب وطني قبل أن يكون نتيجة ضغوطات دولية، وجميعنا يعلم أنّ الرؤية حول الوضع لهذه الحكومة والتي من المتوقع أن تضع قريباً برنامج عملها وفق معطيات غير واضحة وغير ثابتة، لا زالت ضبابية، بمعنى أنها حكومة المتغيرات المستمرة والمفاجآت المحتملة، هي أيضاً حكومة ما قبل تحقيق الوحدة، وحكومة ما قبل انتهاء العدوان، كما أنها حكومة ما قبل الاتفاق على كيفية إعادة الإعمار بتفاصيله، هي حكومة تشكلّـت من وجوه جديدة غير مألوفة، غير سياسية، بل تكنوقراطية، بمعنى فنية ومهنية..هي حكومة مشكّلة، كبداية، لإدارة الأمور في جميع أرجاء الوطن، خاصة في غزة، حكومة ستعمل على غزة من جميع النواحي دون توفر مقرات ولا بنية تحتية ولا حتى اتفاق على آلية لكيفية ممارسة عملها، هي حكومة منتقدة قبل أن تبدأ بممارسة عملها، بل وقبل أن تؤدّي القسم أمام فخامة الرئيس، هي حكومة ضمّت وزراء دون خبرة، ودون احتراف سياسي، إلّا من عدد قليل منهم، هي حكومة روهن عليها بأنها ستتمكن من ضبط الأمور، ومعالجة الكوارث، وتحسين أوضاع أهلنا في غزة من جميع النواحي، هي حكومة بدأت أو ستبدأ العمل دون توفر الميزانيات اللازمة لتتمكن من القيام بعملها، هي حكومة فاقت كل الحكومات بتركيبتها وتكوينها غير المعهود، هي حكومة غير فصائلية ولا يغلب عليها الطابع الفتحاوي، هي حكوم مستقلة، أهم ما يميزها هو غياب وجه ألفناه منذ العديد من السنوات، حيث جاءت حكومات عدّة، وكان ذلك الوجه ثابتاً لا يتغير، بحيث أصبح الجميع يهمز ويلمز ويجتهد في سر بقاء ذلك الوجه، هي حكومة الفرج الذي يتوقعه الشعب منها، هي حكومة مطلوب منها القيام بالمستحيل، أو أقله بشبه المستحيل، ضمن معطيات المرحلة، هي حكومة يقودها رجل لا يختلف عليه اثنان من ناحية عقله المهني واحترافيته وعمله بصمت، هي حكومة استبعدت كثيراً من المستوزرين من أصحاب النفوذ وغيره، هي حكومة كحكومات الدول الغربية، وليست تقليدية كما اعتدنا عليه، هي حكومة الوجوه الجديدة التي لا نعرف بعد مستوى أدائها أو خيرها من شرها.
هذه الحكومة ستواجه تحدّيات تضمنتها المقدمة وأخرى يصعب حصرها، أولاً لكثرتها، ثانياً لجدليتها، ثالثاً لاختلاف وجهات النظر حولها. فبالإضافة إلى أنها تواجه واقعاً سياسياً صعباً يبدأ بخطط ومشاريع اليمين الإسرائيلي، ومعارضة الاحتلال عملها ورفضه أن يكون لها أيّ دور في غزة، هناك العديد من التحدّيات التي تواجهها هذه الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور محمد مصطفى، المعروف بأنه صاحب العقل المستنير والنابغة في مجاله، وعلى الرغم من معرفتي مسبقاً بأنّ الكتابة بهذا الموضوع هو سيف ذو حدين، ولكن لا بد من أن نكتب بمصداقية، وقد يحتمل اجتهادنا الخطأ.
يمكن تقسيم التحدّيات الى تحدّيات خارجية وأخرى داخلية، التحدّيات الداخلية كثيرة، منها: استمرار الاحتلال، استمرار العدوان على غزة بما فيه من حرب إبادة للسكان والتدمير الشامل للبنية التحتية وجميع المباني، البعد الجغرافي عن غزة، تنصّل إسرائيل من الاتفاقيات، عدم ثقة الرأي العام الشعبي الفلسطيني بالحكومة المشكّلة وحكمه عليها بصورة مسبقة، بل عدم مبالاته، ما تواجهه الحكومة من رفض فصائلي خاصة من قبل حماس، وإصراراها على تعطيل عمل الحكومة على الرغم من أنها حكومة تكنوقراط، يعتبر تحدّياً أيضاً.
كما تواجه السلطة أزمة مالية خانقة ووضع مالي في غاية السوء، نتيجة لتراكم الديون على السلطة وتبعات الوضع في غزة، يعزّزها غياب الدعم العربي مالياً، وانعكاسات ذلك على قلة الرواتب أصلاً، وعلى عدم تمكّنها من دفعها كاملة بالأحوال العادية، حيث أنّ تأمين الرواتب القليلة أصلاً يشكّل تحدياً كبيراً للحكومة، والذي سيكون له تأثير على شعبيتها ودعمها من قبل المواطنين، الذين يشكون من قلة الحال، الأمر الذي أدّى الى تقليص الأطباء وطاقم التمريض دوامهم، والدوام الجزئي لبعض الموظفين، وعدم رضى المدّرسين الذين وعدوا بزيادة رواتبهم. وزاد الأمر سوءاً الاقتطاعات الكبيرة لإسرائيل من أموال المقاصة واشتراطها عدم تحويل أموال لقطاع غزة، والذي زاد من الضائقة المالية ومن أزمة الرواتب، وهذا تحدّي كبير، فيجب على الحكومة أن يكون لها دوراً فاعلاً في حل الأزمة المالية، وأن تجد حلّاً جذرياً لحجز إسرائيل أموال المقاصة من حين إلى آخر. ومن التحدّيات الداخلية أيضاً الحرب على الضفة الغربية واستهدافها، والحصار عليها والاعتداءات المستمرة من قبل المستوطنين والجيش، الأمر الذي يجعل حماية المواطنين من استفزازات المستوطنين تحدّياً آخر يكمن في مدى قدرة الحكومة على توفير الحماية للشعب.