“واشنطن بوست”: فضيحة تعذيب الأسرى لا تستطيع “إسرائيل” تحمّل نتائجها
المؤشر 03-08-2024 صحيفة “واشنطن بوست” تنشر مقالاً للكاتب ماكس بوت، يتحدث فيه عن التقارير والتحقيقات والشهادات التي تفضح وتكشف أساليب التعذيب التي تمارسها قوات الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين في سجن سدي تيمان، ويرى أنّها تخطت تلك التي تمّت في سجني غوانتانامو و”أبو غريب”.
مضى على الحرب التي تشنها “إسرائيل” ضد حماس في قطاع غزة ما يقارب 10 أشهر، وحتّى الآن لا وجود لأي إشارة تدل على اقتراب نهايتها.
في هذه الأثناء، تتصاعد وتيرة المواجهة ضد حزب الله. وبعد وقوع صاروخ في ملعب لكرة القدم في الجولان يوم الأحد وتسببه بمقتل 12 طفلاً، شنت “إسرائيل” يوم الثلاثاء غارة جوية على ضاحية بيروت الجنوبية اغتالت فيها قائداً كبيراً في حزب الله. كذلك تتهم إيران، الداعمة الرئيسة لكل من حماس وحزب الله، “إسرائيل” باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، والذي تم إعلانه في وقت مبكر من يوم الأربعاء، وتوعدت بالانتقام، ومن المحتمل أن يندلع صراع إقليمي أكبر في أي لحظة.
وفي ظل هذه البيئة الخطيرة والمشتعلة، تحتاج “إسرائيل” بشدة إلى الدعم الدولي والتماسك الداخلي، على حد سواء. وكلاهما مهدَّد ببروز فضيحة تتعلق بسوء معاملة “إسرائيل” للمعتقلين الفلسطينيين في سجن سدي تيمان، وهو الاسم الذي يُرجح الآن أن يدخل سجلات العار إلى جانب سجني غوانتانامو و”أبو غريب”.
منذ وقوع الهجوم الذي شنته حماس على “إسرائيل”، في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، قامت القوات الإسرائيلية بإرسال الأسرى الغزّيين، الذين تم اعتقالهم، إلى معتقل سدي تيمان في صحراء النقب، حيث تقوم باحتجازهم، أسابيع وحتى أشهراً، من دون توجيه أي اتهامات إليهم، أو محاكمتهم.
وبموجب القانون الإسرائيلي بشأن المقاتلين غير الشرعيين، يمكن احتجاز المعتقلين مدة تصل إلى 75 يوماً من دون رؤية قاضٍ، وما يصل إلى 6 أشهر من دون رؤية محامٍ.
وتشير التقديرات إلى أنّ نحو 4 آلاف معتقل فلسطيني اعتُقلوا في معتقل سدي تيمان، وأُطلق سراح نحو 1500 معتقل من إجمالي المعتقلين من دون تقديم أي اعتذار أو تعويض، في حين نُقل سائر الأسرى إلى سجون إسرائيلية أخرى من أجل إخضاعهم لمزيد من التحقيقات.
ومنذ أشهر، ظهرت شهادات وتقارير بشأن تعذيب المعتقلين في سدي تيمان وغيره من المعتقلات. ونشرت صحيفة “واشنطن بوست” واحداً من أقدم هذه التقارير، في كانون الثاني/يناير، يروي شهادة شاب فلسطيني، يبلغ من العمر 20 عاماً، تم أسره في قطاع غزة. و”قال جهاد حمودة إنه أمضى 17 يوماً معصوب العينين ومقيد اليدين في معتقل إسرائيلي، وأُجبر على الركوع على الأرض ساعات”. وروى أنّ “المحققين ضربوه عندما نفى تورطه مع حماس، وحمل أحد الجنود سكيناً في يده وهدد بقطع إصبعه ما لم يعترف بامتلاكه أسلحة”.
ومع مرور الوقت، تزايدت الأدلة على سوء المعاملة في معتقل سدي تيمان، على وجه الخصوص. ولقي ما لا يقل عن 35 معتقلاً حتفهم، إما في السجن وإمّا بعد وقت قصير من مغادرته. ويدّعي المسؤولون الإسرائيليون أنّهم ماتوا متأثرين بجروحهم أو نتيجة أمراض أُصيبوا بها قبل دخولهم السجن. لكن محامياً إسرائيلياً، رافَعَ عن المعتقلين الفلسطينيين في المحاكم العسكرية الإسرائيلية، زار سدي تيمان وقال للمجلة الإسرائيلية “+972” إنّ “الوضع هناك أكثر فظاعة من كل ما سمعناه عن معتقلَي أبو غريب وغوانتانامو”.
وفي التماس مقدّم إلى المحكمة العليا الإسرائيلية، وصفت جمعية “الحقوق المدنية” في “إسرائيل”، وهي مجموعة حقوقية، الوضع داخل المعتقل، بالقول: “لقد كشفت الأدلة المتراكمة عن الانتهاكات، التي لا يمكن تصورها في سدي تيمان، بشأن عمليات جراحية من دون تخدير، والتقييد فترات طويلة في أوضاع مؤلمة، وإصابات نتيجة تكبيل اليدين تتطلب البتر، وعصب العينين بصورة دائمة حتى في أثناء العلاج الطبي، وبقاء المعتقلين في الحفاضات، والضرب المبرح والتعذيب”.
وبضغط من المحكمة العليا الإسرائيلية، قام “الجيش” الإسرائيلي بنقل معظم المعتقلين إلى مراكز أخرى، وتعهد استخدام سجن سدي تيمان لـ”إدخال المعتقلين واستجوابهم وإجراء فرز أولي لهم”. ووصل يوم الإثنين أفراد من الشرطة العسكرية الإسرائيلية إلى سدي تيمان من أجل إلقاء القبض على 9 جنود في الاحتياط يعملون حراسَ سجن بتهمة “إساءة معاملة أحد المعتقلين بشدّة”، بما في ذلك اغتصابه والاعتداء عليه جنسياً.
انقلبت الدنيا رأساً على عقب، واقتحم عشرات المتظاهرين اليمينيين، بمن في ذلك أعضاء يمينيون متطرفون في ائتلاف الكنيست، الذي يترأسه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، السجن يوم الاثنين. وفي وقت لاحق، هاجم مزيد من المتظاهرين قاعدة “بيت ليد”، مقر المحاكم العسكرية الإسرائيلية والشرطة العسكرية، حيث كان الجنود التسعة المعتقلون محتجزين. وكان بين المتظاهرين في معسكر “بيت ليد” جنود ملثّمون، بعضهم يرتدي شعارات تشير إلى أنّهم أعضاء في الوحدة التي كانت تحرس المعتقلين في سدي تيمان.
ووفقًا لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، فإنّ الشرطة، التي يشرف عليها وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، لم تفعل الكثير لوقف مثيري الشغب.
في الواقع، بدا بن غفير كأنه يحرّض المتظاهرين، من خلال وصف عملية اعتقال الجنود بأنّها “مخزية”، والإصرار على أنّ “الجنود في حاجة إلى دعمنا الكامل”. لكن، بعد ذلك، أوضح بن غفير أنه لا يهتم بحقوق المعتقلين، بل يشجع على تعذيبهم.
وفي الـ من 2 تموز/يوليو الماضي، كتب في منصة “أكس”، رداً على تقارير بشأن اكتظاظ السجون والانتهاكات التي تحدث فيها: “آليت على نفسي أن أتسبب بتفاقم أوضاع المعتقلين في السجون، وتقليص حقوقهم إلى الحد الأدنى، الذي يقتضيه القانون. إنّ كل ما نُشر عن الأوضاع المزرية التي يعيشها هؤلاء القتلة الأشرار في السجن كان صحيحاً”.
من خلال هذا الكلام القاسي، يُظهر بن غفير وأمثاله من اليمين المتطرف أنهم مستعدون للتضحية بسمعة “إسرائيل”. فهم، كما وصفهم متحدث سابق باسم “الجيش” الإسرائيلي، “مهووسون بإشعال الحرائق ويتفوهون بالحماقات”.
ويذكّرنا هؤلاء الإسرائيليون بالأميركيين اليمينيين، الذين احتفلوا بالملازم في الجيش ويليام إل. كالي جونيور، وهو الجندي الأميركي الوحيد الذي دِينَ بارتكاب مذبحة “ماي لاي” عام 1968، والتي قتلت خلالها القوات الأميركية ما لا يقل عن 347 رجلاً وامرأة وطفلاً، في عام 1968، في قرية فيتنامية جنوبية. فبالنسبة إلى كثيرين من الأميركيين، أصبح كالي (الذي تُوفي في نيسان/أبريل) بطلاً شعبياً، واحتُفي بقصته في أغنية (“Battle Hymn of Lt. Calley”)، والتي بيعَ منها أكثر من مليون نسخة.
في الحقيقة، تسبب كالي وغيره من مجرمي الحرب في أضرار لا تُعد ولا تُحصى للبلد الذي خدموا فيه. وأدّى سوء سلوكهم إلى تقويض دعم جهود الحرب، وشوه سمعة القوات المسلحة، وألحق الضرر بالروح المعنوية والانضباط العسكريين. والأمر نفسه ينطبق على هؤلاء الأميركيين الذين أساءُوا معاملة المعتقلين في الحرب على الإرهاب بعد عقود من الزمن.
وكما قال السيناتور جون ماكين (الجمهوري من أريزونا)، في عام 2011، فإنّ “من الصعب تقدير الضرر الذي تسببه أي ممارسة للتعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة من جانب الأميركيين لطابعنا الوطني وسمعتنا التاريخية ولمكانتنا كأمة استثنائية بين دول العالم”.
واليوم، فإنّ المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة، والتي يتعرض لها المعتقلون الفلسطينيون، تُلحق ضرراً جسيماً بسمعة “إسرائيل” في العالم وبتماسكها الداخلي في أسوأ الأوقات. فبينما هي غارقة في صراع يبدو أنّ لا نهاية له ويتوسع بسرعة، سيكون الفائزون الوحيدون مقاتلي حماس وحزب الله وطهران