“نيويورك تايمز”: اغتيال هنية جزء من حرب أكبر
صحيفة “نيويورك تايمز” تنشر مقال رأي للكاتب ماثيو دوس، وهو نائب الرئيس التنفيذي لمركز السياسة الدولية، وكان مستشار السياسة الخارجية للسيناتور بيرني ساندرز، ونانسي أوكيل، وهي المديرة التنفيذية في مركز السياسة الدولية، يتحدثان فيه عن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الشهيد إسماعيل هنية، وتأثير ذلك في محادثات وقف إطلاق النار في غزّة، وصفقة إعادة الأسرى الإسرائيليين، والجهود الأميركية الدبلوماسية في هذه القضية.
من المرجَّح أن يكون اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران، يوم الثلاثاء، والذي يُفترض أن تكون “إسرائيل” نفّذته، أوقف محادثات وقف إطلاق النار في غزّة وصفقة الأسرى في الوقت الحالي. كما أنّه جعل المنطقة أقرب خطوة إلى حريق شامل. وفي غضون ساعات، أعلن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي نيته مهاجمة “إسرائيل”.
يشير التصعيد شبه المؤكد، والناجم عن اغتيال هنية، إلى وجود خلل أساسي في سياسة الرئيس بايدن تجاه غزة، وهو الأمل بشأن إمكان احتواء حرب غزة في غزة. لقد كان احتمال نشوب صراع إقليمي دائماً هو الخط الأحمر الحقيقي لبايدن، لكن، منذ أشهر، كانت الحرب تنتشر بالفعل إلى اليمن ولبنان وسوريا والعراق، والآن إلى إيران. وحقيقة أنها لم تنفجر بعد إلى صراع أكثر انتشاراً وشدّة هي نتيجة للدبلوماسية وكثير من الحظ، لكن يبدو أنّ الحظ بدأ ينفد.
ويرى البعض في مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية أنّه بما أنّ الولايات المتحدة وإيران لا ترغبان في حرب واسعة النطاق، فإنّ الغلبة ستكون للعقلاء الأكثر هدوءاً. لكن، بمجرد حل هذا النوع من العنف، لا يمكن إعادة السيطرة عليه.
من المهم أن نفهم أنّه حتى لو تمكّنا من التراجع عن حافة الهاوية الآن، كما نأمل جميعاً، فإنّ هذه السياسة تمثّل فشلاً أخلاقياً واستراتيجياً، مع عواقب وتكاليف في الأرواح البشرية وفي صدقية الولايات المتحدة، وما يسمّى “النظام القائم على القواعد”، والذي لم نفهمه بعد.
إنّ اللحظة المحفوفة بالمخاطر الحالية هي نتيجة سلسلة من الافتراضات الخاطئة، والتي بُنيت عليها سياسة الولايات المتحدة منذ فترة طويلة قبل بدء الحرب. في السادس من تشرين الأول/أكتوبر، ركّزت الولايات المتحدة، بصورة كبيرة، على صياغة اتفاق بين “إسرائيل” والمملكة العربية السعودية، يرتكز جزئياً على فكرة، مفادها أن الشعب الفلسطيني يمكن ببساطة أن يبقى في قفص إلى الأبد مع بعض التحسينات هنا وهناك للاحتلال العسكري، ومع بعض الالتزامات الاسمية بإنهاء هذا الاحتلال يوماً ما. وأظهرت هجمات الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر أنّ هذا مجرد خيال.
وفي الأشهر التالية، أخّرت إدارة بايدن الدعوات إلى وقف إطلاق النار، وواجهت احتجاجات عالمية ومحلّية واسعة النطاق ومعارضة حكومية داخلية، في حين شجعت الحكومة اليمينية في “إسرائيل” من خلال بيع الأسلحة والدعم السياسي. وفي الوقت نفسه، ينتشر الصراع الإقليمي بصورة مطّردة.
بدأ إطلاق الصواريخ من لبنان مباشرة بعد الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر، الأمر الذي أدّى إلى نزوح عشرات الآلاف من الإسرائيليين عن منازلهم في الشمال، وترك نحو 60 ألف نازح، في الداخل، من دون أي أمل في تحديد موعد عودتهم. فرضت الهجمات، التي شنّها اليمنيون على طرق الشحن في البحر الأحمر، عبئاً على الاقتصاد العالمي، إذ ارتفعت تكاليف الشحن إلى أكثر من الضعف.
وبلغت الهجمات، التي شنتها الحركات المدعومة من إيران في سوريا والعراق على المصالح الأميركية، ذروتها في هجوم بطائرة من دون طيار على قاعدة أميركية في الأردن، أدّى إلى مقتل 3 من أفراد الخدمة الأميركية في بداية العام، وهو الهجوم الذي ردت عليه الولايات المتحدة بضربات من جانبها.
وأسفرت غارة إسرائيلية على منشأة دبلوماسية إيرانية في دمشق في نيسان/أبريل عن هجوم إيراني بطائرة من دون طيار وصاروخ على وسط “إسرائيل”، رداً على ذلك. وكان من المستحيل تفويت أهمية الضربة الإيرانية المباشرة داخل “إسرائيل” للمرة الأولى. وفي الشهر الماضي، اخترقت طائرة من دون طيار تابعة لليمنيين الدفاعات الجوية الإسرائيلية، وضربت وسط مدينة “تل أبيب”، وهو ما ردت عليه “إسرائيل” بضرب اليمن للمرة الأولى.
في الـ27 من تموز/يوليو، أدّى هجوم صاروخي على بلدة مجدل شمس في الجولان، والذي ألقت “إسرائيل” اللوم فيه على حزب الله، إلى مقتل 12 طفلاً، ردّت عليه “إسرائيل” بغارة جوية على الضاحية الجنوبية لبيروت، اغتالت فيها قائداً عسكرياً كبيراً في حزب الله، الأمر الذي قد يوسّع نطاق الاشتباكات ودائرة الصراع.
ومع تجاوز كل خط أحمر جديد، يزداد خطر التصعيد، ولا ينبغي لواشنطن أن تقلل من شأن رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في جر الولايات المتحدة إلى حرب كارثية، ولا إمكان انخراط إيران عسكرياً أو ما هو أسوأ من ذلك، كاتخاذ قرار بشأن الالتزام الكامل فيما يتعلق بتطوير السلاح النووي.
ومع ذلك، بدلاً من النظر إلى كل ذلك على أنه دليل على الحاجة الملحّة إلى إنهاء حرب غزة، اختارت واشنطن محاولة احتواء التصعيد. ورفضت إدارة بايدن باستمرار وقف إمداداتها المستمرة من الأسلحة إلى “إسرائيل” لوقف القتال، حتى إنّها بدت كأنها تتجنب القانون الأميركي لمواصلة القيام بذلك.
وكان إعلان بايدن، في أواخر شهر أيار/مايو، بشأن اقتراح وقف دائم لإطلاق النار، بمنزلة جهد مهم لمحاولة تأمين اتفاق لإنهاء الحرب، لكن هذه المناورة تم تقويضها بسبب رفضه المستمر تقديم إنذار نهائي لرئيس الوزراء نتنياهو. وكانت الحيلة الأخيرة، التي قام بها الحزب الجمهوري بدعوة رئيس الوزراء لإلقاء كلمة أمام الكونغرس، والتي تعاونت معها قيادة الكونغرس الديمقراطي بصورة غير مسؤولة، سبباً في تشجيع نتنياهو، كما كان متوقعاً، على الاستمرار في المماطلة في وقف إطلاق النار.
ويبقى أن نرى ما العواقب طويلة المدى، والتي ستترتب على حرب غزة. ومع ذلك، من الواضح بالفعل أنّ هذه الكارثة حدثت بسبب اعتقاد واشنطن الخاطئ قدرتها على إدارة انتشار العنف والسيطرة عليه. إنّ تحطيم هذا الوهم الخطير هو خطوة أساسية في صياغة سياسة خارجية للولايات المتحدة تتلاءم مع هذه اللحظة التاريخية.
وحتى كتابة هذه السطور، ربما كان لا يزال من الممكن تجنّب حرب برية في لبنان، ووابل من الصواريخ المدمّرة والمتواصلة، لكن القيام بذلك سيتطلب دبلوماسية ماهرة وفورية وتغييرات قابلة للتنفيذ على خط أنابيب الأسلحة إلى “إسرائيل”. وسوف يتطلب هذا مزيداً من العمل، مقارنةً بما شهدناه في الأشهر العشرة الماضية، الأمر الذي يدفعنا إلى القلق من احتمال اندلاع الحريق.
لقد فات الوقت، لكن من الضروري الآن أن يمارس الرئيس بايدن أخيراً ضغوطاً حقيقية من أجل وقف هذه الحرب، من خلال وقف إمدادات الأسلحة لـ”إسرائيل”، وتسهيل صفقة الأسرى، وتمكين توفير المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها في غزة. يجب على الولايات المتحدة أن تعلن، بصوت عالٍ وواضح، أنّها لن تدعم هذه الحرب بعد الآن، وإظهار أنّها تعني ذلك بحق