ترجمات

“Counterpunch”: أميركا أكبر عقبة أمام الانتخابات في فنزويلا

المؤشر 25-05-2024   موقع “Counterpunch” الأميركي ينشر مقالاً للكاتب روجر هاريس، يتحدث فيه عن تدخل واشنطن ووسائل الإعلام الأميركية الكبرى بالانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في فنزويلا في تموز/يوليو.

تنخرط حكومة الولايات المتحدة ووسائل الإعلام الأميركية الكبرى، في إثارة الضجيج حول الانتخابات “الحرة والنزيهة” في فنزويلا، ومحاولة تشويهها بتجاهل متعمّد لـ “الفيل الموجود في الغرفة”، أي العقوبات الأميركية المصممة لجعل حياة الفنزويليين بائسة، وإجبارهم على الإذعان لرغبات سياسة واشنطن، في سعيها لتغيير حكومة كاراكاس الشرعية المنتخبة ديمقراطياً.

مجلة “فورين بوليسي”، لم تتورع عن ابتزاز الناخبين بوسم الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، بأنّه يفضل البقاء في الحكم على الرفاهية الاقتصادية لبلاده. ويتطابق تجني المجلة المذكورة مع تهديدات الولايات المتحدة للناخبين الفنزويليين، المتمثلة في مواصلة التدابير القسرية الأحادية الجانب ما لم يصوّتوا ضد الرئيس الحالي في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 28 تموز/ يوليو المقبل.

أيضاً، صحيفة “نيويورك تايمز” لم تتوانَ هي الأخرى عن اعتبار فوز مادورو “المتوقع”، من شأنه أن “يفاقم الفقر”، ويؤدي إلى تشديد العقوبات الأميركية وتردي الأوضاع الاقتصادية، ثم تلقي باللوم على نحو نموذجي على الرئيس مادورو، ولا تشير أبداً إلى جريمة العقوبات التي تمارسها الرأسمالية الأميركية المتوحشة في فنزويلا وغيرها من دول الجنوب العالمي.

إنّ هذا التدخل الأميركي في الانتخابات الفنزويلية من خلال استخدام العقوبات، هو أبلغ من مزاعم تدخل روسيا الافتراضي في الانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2016، وما سمّي لاحقاً بـ “روسيا غيت”. فهنا لا تترك واشنطن بوقاحة أي غموض بشأن نيتها معاقبة الشعب الفنزويلي لاختياره حكومة لا تروق لها. ومن دون أي شعور بالعار أو الخجل، تطلق وزارة الخارجية بشكل متهور على هذا التنمر اسم “الترويج للديمقراطية”.

الحرب الأميركية الهجينة على فنزويلا

إنّ العقوبات الأميركية ضد فنزويلا هي “حرب بلا قنابل” بلا أدنى شك. ولهذا تسمّيها الأمم المتحدة بشكل حاد ودقيق بأنها “تدابير اقتصادية قسرية”، تقتل الفنزويليين. لكن الصحافة الأوليغارشية الأميركية، لا تذكر أي شيء عن الإجراءات الأحادية التي هي شكل من أشكال العقاب الجماعي، والتي تعدّ غير قانونية بموجب القانون الدولي.

هدفت العقوبات الأميركية التي يزيد عددها عن 930، إلى تحطيم الاقتصاد الفنزويلي، وقبل كل شيء، منع أي انتعاش ونمو. لقد نجحوا بداية في تحقيق الهدف الأول، ولكن فشلوا بعدها في استكمال تحقيق الهدف الثاني.

يذكر أنّ الهجوم الأميركي على فنزويلا، استعرّ من كلا الحزبين  “الجمهوري والديمقراطي” في عام 2015، في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما، الذي أعلن بشكل لا يصدق حالة طوارئ وطنية فيما يتعلق بـ “التهديد غير العادي للأمن القومي الأميركي”، الذي تشكله فنزويلا. مع ذلك، لم تخضع “صحافة الشركات” هذا الادعاء الاستثنائي لأي نوع من التدقيق المهني أو الفني.

كذلك، كثّف الرئيس دونالد ترامب في عهده من الإجراءات القسرية، واستهدف صناعة النفط الفنزويلية الحيوية. وبكل سهولة، واصل الرئيس جو بايدن ما قام به سلفه ودفع بحملة “أقصى قدر من الضغط” مع تعديلات طفيفة، مصممة بشكل أساسي لإفادة الولايات المتحدة وعدم الإضرار بمصالحها التجارية الخاصة.

نتيجة لجرائم العقوبات الأميركية، شهدت فنزويلا أكبر انكماش اقتصادي في وقت السلم في تاريخ العالم الحديث. وعانى الاقتصاد من تضخم هائل هو الأعلى في العالم، وأدّى إلى نزوح نحو 7 ملايين فنزويلي لأسباب معيشية من البلاد، وسط مواصلة الولايات المتحدة إجراءات “الحرب الهجينة”، بما في ذلك الاعتراف بخوان غوايدو باعتباره “الرئيس المؤقت” لفنزويلا في عام 2019، مع أنّ غوايدو اليميني المتطرف ورجل المخابرات المركزية الأميركية لم يترشح آنذاك، وهو غير معروف لأكثر من 80% من السكان. ومع ذلك، اعترف نحو 50% من حلفاء الولايات المتحدة في البداية بحكومته.

كذلك، استمرت الانقلابات المدعومة من الولايات المتحدة في فنزويلا، منذ الانقلاب الذي وقع عام 2002 والذي استمر 47 ساعة فقط، إلى الأحداث الأخيرة في عملية “خليج الخنازير” في عام 2020، إلى أن استعاد بايدن مؤخراً 2 من المرتزقة الأميركيين، الذين تم أسرهم في ذلك الانقلاب الفاشل، في تبادل للأسرى أدّى إلى إطلاق سراح الدبلوماسي الفنزويلي أليكس صعب.

 

محاولات الانقلاب مستمرة وفقاً للحكومة الفنزويلية، والسياسة الرسمية التي تنتهجها الولايات المتحدة في التعامل مع مثل هذه التدابير غير القانونية تتلخص في مبدأ “الإنكار الممكن” كنهج سياسي يفتقد السياسة قبل غيرها.

فنزويلا تقاوم بنجاح

وعلى عكس كل التوقعات بل جلّها، نجح الرئيس مادورو في قلب المعادلة ورد السحر على الساحر، وقاد سفينة الدولة الفنزويلية في مواجهة رياح الهيمنة والتوحش الأميركيين، وسجلت فنزويلا بحلول نهاية عام 2023 ربعاً متتالياً من النمو بعد سنوات من الانكماش الاقتصاد حيث تجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل النمو إلى 4% خلال الأشهر القليلة المقبلة.

اليوم، على الجبهة الدبلوماسية، لا تزال الولايات المتحدة و”إسرائيل” وحفنة من الدول الأخرى التابعة لواشنطن تفشل في الاعتراف بالحكومة المنتخبة ديمقراطياً في فنزويلا. مع أنّ المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة تخلت عن غوايدو ومشروعه المتلاشي.

حتى وقت قريب، كانت كولومبيا دولة عميلة للولايات المتحدة ومعادية لفنزويلا. وقد استخدمت أراضيها لتكون نقطة انطلاق لعمليات الميلشيات الإرهابية على الحدود الغربية لفنزويلا. وفي عام 2022، فاز غوستافو بيترو بمنصب الرئاسة في كولومبيا، وهو أول يساري في تاريخ كولومبيا يصل إلى هذا المنصب الرفيع ويحل مكان اليميني إيفان دوكي. وفي العام التالي، ظفر لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في البرازيل برئاسة الحكومة بدلاً من اليميني المتأمرك جايير بولسارنو.

ومن ناحية أخرى، واصلت الحكومات الإقليمية التقدمية، مثل حكومة أندريس مانويل لوبيز إوبرادور المكسيك، دعم فنزويلا. والأمر الأكثر أهمية ودلالة على تحول النظام العالمي نحو التعددية القطبية هو قيام فنزويلا بتعزيز علاقاتها مع الصين وروسيا وإيران. وهذا بدوره أدّى إلى تفاقم العداء من جانب الولايات المتحدة.

درس الهزيمة الانتخابية في نيكاراغوا عام 1990

إنّ الظروف في فنزويلا اليوم، في المدة التي تسبق الانتخابات الرئاسية المقبلة، تحمل بعض أوجه التشابه مع وضع مماثل في نيكاراغوا في عام 1990، حين أطاح الساندينيون دكتاتورية سوموزا المدعومة من الولايات المتحدة في نيكاراغوا في الانتخابات الرئاسية عام 1990، وبدت استطلاعات الرأي مواتية لإعادة انتخاب دانييل أورتيغا من حزب “الجبهة الساندينية” للتحرير الوطني.

حينها، أجمعت كل التوقعات على انتصار محقق للسانديين، وفقاً لكتاب دان كوفاليك عن نيكاراغوا، لكن التصويت لم يكن في صالحهم، وأدت إلى 17 عاماً من الانحدار بوصية النيوليبرالية الأميركية، التي أوضحت عبر كل من وزارة الخارجية وسفيرها في ماناغوا عاصمة نيكارغوا، أنّه “من الأفضل للشعب النيكاراغوي أن يصوت بالطريق الصحيح، وإلا سيواجه إرهاب عصابات ميليشيا الكونترا، التي يرعاها البنتاغون، والتي سوف تستمر بقتل وترويع السكان”.

و”الكونترا”، هي منظمة مرتزقة تم تجنيد أفرادها إلى حد كبير من جيش “سوموزا” السابق وكانوا يشنون حملات إرهابية ومذابح في القرى المدنية الآمنة.

بالإضافة إلى ذلك، كانت البلاد تخضع لعقوبات اقتصادية أميركية وتعاني من التضخم المفرط. ويقول بريان ويلسون، الذي فقد ساقيه في العصيان المدني احتجاجاً على حرب الولايات المتحدة في نيكاراغوا، أنّ واشنطن ضخت ما بين 28 إلى 30 مليون دولار في صناديق الانتخابات الرئاسية الفنزويلية، لقد “اشترت انتخابات نيكاراغوا”، حينها.

في حين أنّ فنزويلا ليست تحت حصار المرتزقة الذين تدفع لهم الولايات المتحدة، كما كانت الحال في نيكاراغوا، فإنها مع ذلك تتأثر بحرب واشنطن الهجينة المتمثلة في التدابير الاقتصادية القسرية، وتمويل قوى المعارضة، والعدوان الدبلوماسي الدولي، والإجراءات السرية والمخابراتية.

خلص تقييم أجراه مجتمع الاستخبارات الأميركي في شهر شباط/ فبراير الماضي، إلى أنّ مادورو “من غير المرجح أن يخسر الانتخابات الرئاسية في عام 2024”. وأفاد استطلاع للرأي أجري مؤخراً، أنّ 52.7% سيصوتون بتجديد الثقة بالرئيس مادورو. بينما تزيف استطلاعات أخرى تنتمي إلى مرشح وكالة المخابرات الأميركية المركزية بمنح أدموندو غونزاليس نسبة مؤيدة متخيلة.

داخل قلب تشافيز

أولئك الذين دعموا الثورة البوليفارية بقيادة هيوغو شافيز، ويدعمون الآن حامل لوائها الحالي نيكولاس مادورو، يتوقعون تصاعد الحملة الدعائية المضادة التي تقوم بها الدولة الأميركية وعمالها في الصحافة لنزع الشرعية عن العملية الانتخابية في فنزويلا. على سبيل المثال، تذكر إحدى الصحف الأميركية أنّ آخر انتخابات تنافسية أجريت في فنزويلا كانت في عام 2013، بإنكار سريالي لانتخابات العام 2018، حين أمرت الولايات المتحدة المعارضة الفنزويلية بعدم خوض الانتخابات، وحين أصر حليفها هنري فالكون على الترشح وتجاهل طلب واشنطن تم تهديده بالعقوبات.

إنّ حقيقة خوض أي من المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة الانتخابات المقبلة بديلاً من المقاطعة تشير إلى أنّها لم تعد تعتمد على إطاحة الحكومة من خارج البرلمان. وهذا في حد ذاته يمثل انتصاراً كبيراً للتشافيزيين.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى