الانتخابات الأمريكية: هل ستكون الأخيرة تحت الوصاية الصهيونية؟
المؤشر 30-07-2024
بقلم : السفير حكمت عجوري
خطاب نتنياهو في الكونغرس الأمريكي يوم الأربعاء 24 يوليو فاق كل التوقعات، كونه كما قالت نانسي بيلوسي (الرئيسة الثانية والخمسين للكونغرس) إنه، أي نتنياهو، كان الأسوأ من بين المتحدثين الأجانب الذين خاطبوا الكونغرس.
نتنياهو بخطابه أهان الشعب الأمريكي وكشف حقيقة المشرعين الأمريكيين أمام العالم وأمام ناخبيهم كبهلوانات يقفون مصفقين بعد كل جملة نطق بها نتنياهو مع أنه لم ينطق بأي جملة خلت من الكذب المفضوح، وهو ما جعل من خطابه باعثاً على الغثيان لكل عاقل خارج قاعة الكونغرس التي ألقى فيها مجرم الحرب هذا خطابه الذي كُتب بدم أطفال غزة الذين قتلهم بالقصف والتجويع وحتى في بطون أمهاتهم وأمام شاشات التلفزة ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
التصرف البهلواني المعيب لأعضاء الكونغرس لا يمكن تفسيره بغير أنه انهيار أخلاقي لكل هؤلاء السحيجة واحتقار لذاتهم صنعوه تلقائياً هم بأنفسهم بسبب انصياعهم كقطيع غنم لأوامر الراعي المنظم لهذا السيرك وهو الإيباك (لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية) من أجل منح نتنياهو نصراً وهمياً بعد أن فشل في أن يجده بين الأنقاض وبين جثث الأطفال في غزة لعله بهذا النصر الوهمي ينقذ نفسه من السجن الذي ما زال في انتظاره.
هذا التصرف لأعضاء الكونغرس بشقيه الشيوخ والنواب جعل من كل المصفقين شركاء لنتنياهو مجرم الحرب وقاتل الأطفال في حرب الإبادة التي ما زال يقودها وعلى مدار 298 يوماً، وهو ما يعني أيضاً أنه إهانة حقيقية لأمريكا كلها من قبل مشرعيها كون تصرفهم هذا يعتبر خروجاً عن كل ما ورد في الدستور الأمريكي الذي من المفروض أن يكون كل هؤلاء هم سدنته وحماته، خصوصاً وأنه الدستور الذي من مبادئه وتحديداً حقوق الإنسان تم استنساخ ميثاق الأمم المتحدة وهو ما سبق وأن أقره بافتخار في مذكراته وزير خارجية أمريكي سابق دين أتشيسون وهو أن ميثاق منظمة الأمم المتحدة نسخة مكثفة عن الدستور الأمريكي.
طبعاً لا بد أن نستثني وأن نذكر أن هناك حوالي خمسين من أعضاء الكونغرس الذين ترفع لهم القبعات وعلى رأسهم اليهودي بيرني ساندرز كونهم أبوا أن يكونوا من بين المصفقين كباقي القطيع، وذلك لكونهم آثروا عدم الحضور احتراماً لذاتهم واحتراماً لناخبيهم واحتراماً للدستور الأمريكي، وذلك لأنهم على يقين بأن المتحدث أي نتنياهو هو فاشي ومجرم حرب ويديه ملطخة بدماء أطفال ونساء غزة. ولكن وهو الأهم في نفس السياق تغييب المرشحة للرئاسة كامالا هاريس، لأن حضورها يعني أنها كانت ستترأس هذا السيرك وكانت ستجلس خلف المنصة التي سيقف عليها نتنياهو، الذي كانت تقابله عضو الكونغرس رشيدة طليب التي جلست دون أن تتحرك وهي تحمل يافطة صغيرة كتب عليها الوصف الدقيق لنتنياهو وهو “مجرم حرب”، وهي الصورة التي انتشرت على كل وسائل التواصل كالنار في الهشيم على الرغم من معرفتها بخطورة ما تفعله بتحديها لكل هذا الحشد من المنافقين وهي بذلك تضفي جمالاً خاصاً على تاريخ أمريكا بتحديها هذا.
بعد قرار الرئيس بايدن بالانسحاب من السباق الرئاسي وترشيحه كامالا هاريس بديلاً له في السباق الرئاسي اعتقد الكثيرون وأنا منهم في الوهلة الأولى بأنه ترشيح الضرورة وبالتالي فهو متسرع من قبل بايدن وآخرين من الحزب الديمقراطي الذين أيدوه بذلك نظراً لاقتراب الموعد الانتخابي، وهو ما تم تفسيره في حينه على أنه تقديم الرئاسة على طبق من ذهب للرئيس ترمب نظراً للغموض الذي كان يحيط بالسيدة هاريس بسبب قلة ظهورها عن الأضواء والزعم بافتقارها للكاريزما الضرورية لرئيس أقوى دولة في العالم إضافة إلى ثقافة الزعيم الرجل التي تسيطر على المجتمع الأمريكي بصفة عامة.
إلا أن كل ذلك بدأ يتلاشى بعد أول خطاب لها في ولاية ويسكنسون كمرشحة للرئاسة، حيث ظهرت كمدعي عام سابق في مواجهة مجرم مدان بأربع وثلاثين تهمة وهو ترمب، إضافة إلى ما تلا ذلك من تصريحات غير مألوفة لمرشح بعد لقائها في اليوم التالي مع نتنياهو والتي لن أكررها لأنها منشورة على كل وسائل التواصل والتي تعتبر تصريحات غير مسبوقة من قبل أي مرشح للرئاسة الأمريكية، حيث يتسابق المرشحون في سجالهم الانتخابي على نصرة إسرائيل ظالمة أو مظلومة، وذلك على الرغم من أنها، أي هاريس، الأكثر احتياجاً للصوت اليهودي ليس فقط لكونها زوجة لمحامٍ يهودي ولكنها من أصول غير بيضاء (أفروآسيوية) وهي في سباق مع الزمن الذي أصبح كالسيف على رقبتها من أجل الوصول إلى الناخب الأمريكي في القارة الأمريكية بعد أن لم يتبقَّ أمامها سوى أقل من أربعة شهور لليوم الانتخابي. والأهم أنها في منافسة مع ترمب الذي لا يقل خبثاً ونفاقاً عن سحيجة الكونغرس عندما يتعلق الأمر بالصوت اليهودي.
إلى ما سبق أضيف أن تغيب السيدة هاريس عن السيرك الخطابي الذي لا شك عندي بأنه متعمد، أثار حفيظة بني صهيون الذين هاجموها بشدة وبتهديد مبطن بحرمانها من الصوت الانتخابي اليهودي ومع ذلك بقيت صلبة في مواقفها وبأنها لن تنصاع إرضاء للوبي الصهيوني في أمريكا، الأمر الذي كشف عن أشياء كانت غير معروفة عن السيدة هاريس والتي لا محالة إن صدقت توقعاتنا فإنها، أي السيدة هاريس، ستكون بمثابة الحصان الأسود الذي قفز فجأة ليفوز في السباق الرئاسي بعيداً عن النفوذ الصهيوني بدليل تقليصها للمسافة التي كان قد تقدم بها ترمب على حساب بايدن بعد تلك المناظرة الأخيرة بينهما التي تسببت بخروج بايدن ودخول هاريس التي سيؤسس فوزها إن حصل وبدون شك لمرحلة نهاية الوصاية الصهيونية على الانتخابات الرئاسية في أمريكا.
كمالا هاريس وعلى ما بدأ يظهر فإنها تمتلك من الذكاء والكاريزما ما سيجعلها تخترق قلوب وعقول الشعب الأمريكي الجديد الذي ربما يكون قد سبق كمالا هاريس على الأقل في العلن بتحرره من الهيمنة الصهيونية بعد السابع من أكتوبر ولم يبقَ منهم غير سحيجة الكونغرس الذين هم في طريقهم إلى مزبلة التاريخ بسبب إهانتهم للإنسانية برقصهم المخزي على جثث أطفال غزة على وقع موسيقى المايسترو مجرم الحرب وقاتل هؤلاء الأطفال، نتنياهو، الذي جاء إلى بيت الشعب الأمريكي (الكونغرس) يبحث لنفسه عن نصر وهمي كما أسلفت، إلا أنه وفي هذا السياق وبدون شك سيعود بإذن الله ليس فقط بخفي حنين وإنما بهزيمة مستحقة للصهيونية كحركة عنصرية.
قد يبدو كل ذلك مجرد تمنيات ولكنه وعد الله الذي لا يخلف وعده “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين” صدق الله العظيم.