مسعى هوكشتاين في بيروت بين الحل واللعب في الوقت الضائع
المؤشر 21-11-2024
بقلم :أمير مخول
معظم التفاعلات الاسرائيلية الداخلية وتقديراتها للموقف في لبنان توحي بأن وقف إطلاق النار لا يزال بعيد المنال. فعليا اسرائيل تفاوض ادارة بايدن من اجل توفير حرية عمل لها في لبنان بغطاء امريكي، وتفاوض بشكل غير مباشر الدولة اللبنانية تحت تهديد تدفيعها الثمن، وتفاوض بشكل غير مباشر حزب الله مشترطة استسلامه الكامل لشروطها ونهاية حالة الردع التي شكلها في العقود الثلاثة الماضية.
في المقابل، يبدو أن ثمة توافق معين في الموقف بين بايدن وترامب، والقائل بضرورة وقف الحرب في إطار تسوية لبنانية اسرائيلية بمشاركة لاعبين اقليميين ودوليين. بناء عليه، لا يزال على اقل تقدير شهران امام حكومة نتنياهو في سعيها لتغيير الواقع الميداني في لبنان ولحسم الحرب كي تتمكن من حسم معركة المفاوضات وكلاهما لا يبدوان قريبين.
– وفقا للتقديرات الاسرائيلية الداخلية فإن استسلام حزب الله ولبنان لشروطها هو شأن بعيد المنال تفاوضيا وميدانيا، الا ان الرد الاسرائيلي عليه هو اعتماد نهج “تدفيع الثمن” للدولة اللبنانية، اي ان الغارة المدمرة على شمال بيروت يوم 19/11 لم تكن سوى مؤشر لنوايا اسرائيل، وهو التصعيد نحو استهداف لبنان دولةً وشعباً بما فيه العاصمة بيروت، وباعتبار ان القيمة الاضافية التي تتوخاها إسرائيل هي تعميق الشرخ اللبناني وخلق حالة من الاقتتال الداخلي سعيا لتشكيل رافعة ضغط على حزب الله للتراجع عن شروطه التفاوضية، تحت مسوغات منع تعريض لبنان للدمار الشامل.
– في المقابل تشهد الساحة استهدافا للعمق الاسرائيلي بما فيه تل ابيب واثبات قدرات استهداف تشهد لها التقديرات الاسرائيلية مما قد يكون رادعا للاستهداف الشامل للبنان.
– يشكل استهداف لبنان وتدفيعه الثمن موضع خلاف في وجهات النظر الاسرائيلية فالغلبة هي لصالح استهدافه بينما التحفظ وحتى معارضة ذلك يعود الى ان استهداف لبنان كدولة من شأنه ان يدفع الى التوافق لبنانيا في ضرورة مواجهة اسرائيل الى جانب حزب الله. ناهيك عن اتساع نطاق التصريحات التي تشي بالمخطط الاسرائيلي باجتياح الاراضي السورية وخلق نوع من المنطقة العازلة مع لبنان وهو ما يدلل عليه تكثيف الضربات الاسرائيلية مؤخرا في العمق السوري.
– بتقديرنا فإن حكومة نتنياهو معنية بخلق الانطباع بأن الحل في لبنان قريب وتكرار مقولة ان “الساعات القادمة مصيرية” بالنسبة للاتفاق وهو ما يصدر عن عاموس هوكشتاين وادارة بايدن، بيد أن فائض الانشغال الاعلامي بوقف الحرب في لبنان، هو في جانبه فائض إشغال للراي العام العربي والعالمي وحتى الاسرائيلي ب
– وتحت هذا الغطاء المضلل، يستمر على ارض الواقع في قطاع غزة ارتكاب فظائع واعمال ابادة وتطهير عرقي والعمل الحثيث لإقامة حكم عسكري اسرائيلي بالوكالة من خلال شركات خاصة تقوم بتوزيع “المساعدات” تحت رقابة الجيش، يضاف الى ما يحدث في الضفة من مواصلة الحملات لاجتثاث مخيم جنين، والتي في محصلتها لا تشير الى نزعة حل وانما استغلال الوضع لتصفية ما يمكن تصفيته من قضية فلسطين. وقد بدأ الاعلام الاسرائيلي يروّج لشركة GDC برئاسة موطي كهانا بوصفها الوكيل الخاص بتوزيع المساعدات. هذا الوضع يفسر الى حد ما تصريحات كل من وزير الحرب ووزير الخارجية الجديدين المخففة التي توحي بإمكانية وقف الحرب في لبنان، لكن لصالح البقاء المستدام في قطاع غزة.
– بدوره يرى الجنرال المتقاعد ورئيس مجلس الامن القومي سابقاً يعقوب عميدرور ان اسرائيل بشروطها على مهمة هوكشتاين، انما تطلب من حزب الله “اعلان الاستسلام وان يقبل بأن تقوم اسرائيل بتسديد الضربات له وفقا لاعتبارات الدفاع عن النفس ودونما حق الرد للحزب”. واذ يرى عميدرور بأن الوضع الميداني يسمح لإسرائيل بأن تطالب بشروط تعتبر استسلاما من قبل حزب الله ونهاية لحالة الردع المتبادلة التي كانت قائمة قبل الحرب، ولا يعتقد بأن حزب الله يستطيع ان يتقبل هذه الشروط حتى وان كانت اسرائيل تبعده ميدانيا الى العمق اللبناني، وفقا له.
– يقلل عميدرور من اهمية موقف الدولة اللبنانية صاحبة السيادة، وأيا كانت هوية القوات الدولية في جنوب لبنان، فإن اسرائيل ملزمة وفقا له بالإبقاء على استراتيجية الحرب الاستباقية في اي ظرف، وهذا بخلاف استراتيجية “المعركة بين الحروب” لمنع الانتقال الى حرب شاملة والتي سادت بعد العام 2006 ودارت معظمها اما في قطاع غزة او في سوريا بذريعة “قطع الامدادات عن حزب الله وامكانيات تطوير قدراته القتالية”.
– جدير بالتنويه أن عميدرور يعتبر من رواد الرأي الغالب والذي بات يشكل شبه اجماع في التقديرات العسكرية الإسرائيلية، بأنه كان من المفترض ان تسدد اسرائيل الضربة لحزب الله قبل الحرب وان تقوم بحرب استباقية ضده حتى قبل 7 اكتوبر 2023. وفقا له، “يتعين على اسرائيل منع قيام اية قوة معادية في غزة ولبنان في اي وقت وفي اي ظرف كان، ويتوجب عليها اعلان حرب استباقية مقابل كل تهديد كهذا”.
الخلاصة:
**الاكثار من التصريحات حول فورية الاتفاق بصدد الجبهة اللبنانية لا يعني انها فعليا قريبة الانجاز ولا تبدو كذلك.
يبدو ان الطرف الامريكي في مأزق عدم قدرته على انجاز المفاوضات في الشهرين المتبقيين لإدارة بايدن. ثم ان المفاوضات الاسرائيلية تجري بالتوازي مع ادارة بايدن من جهة لضمان حرية عملها في لبنان، ومع مبعوث الادارة الامريكية مقابل لبنان وحزب الله بشكل غير مباشر، وذلك سعيا من اسرائيل لضمان شروطها وحصريا مع ادارة بايدن للرهان عليها مستقبلا في العمل العسكري في لبنان.
** قد تكون اسرائيل حققت هدفا جزئيا من حربها على لبنان وهو فك الارتباط بين الجبهتين اللبنانية وغزة، وذلك باعتبار ان الدولة اللبنانية غير ملزمة بمبدأ جبهة الاسناد الحربي. الا ان معظم الاهداف لا تزال بعيدة المنال ولا يبدو ان الحسم فيها قريب.
** اسرائيليا وداخليا، معظم مفاتيح الحل هي بيد نتنياهو ويبدو ان وجهته لا تزال الحسم العسكري نحو الحسم التفاوضي، وهي مهمة قد تكون مقامرة كبرى.
** مرة اخرى تدفع غزة الثمن، بحيث تتجه معظم الانظار الى الساحة اللبنانية وفي قطاع غزة يتم ترسيخ الاحتلال والتطهير العرقي الابادي والمذلّة.