حتى لا نعود الى المربع الأول
المؤشر 03-02-2024
الكاتب: تحسين يقين
صحيح أننا مثخنون بالجراح، وبحاجة ماسّة لوقف الحرب على غزة، لكن للأسف فإن ما يرشح من مبادرات سياسية، إنما هي مبادرات لترسيخ الاحتلال وشرعنته. ولكن لعل ما كان ويكون بمجمل الأمر يقربنا من لإنهاء الاحتلال لا العيش في كنفه.
نستطيع أن نلخص الحرب بثلاثة أمور، هي في الوقت نفسه فضائح للاحتلال:
– السابع من نشرين أول أكتوبر، دون الدخول في جدل الوصف، بما دلّ على حال العسكرية التي لا تهزم.
– فشل عسكري ما بعد السابع من أكتوبر حتى انتهاء الحرب في تحقيق الأهداف المعلنة.
– سلسلة جرائم قتل المدنيين وتدمير ممتلكاتهم.
وعليه، وبالرغم من حاجتنا الى وقف الحرب، فإن ذلك لا يعني “تدليل” إسرائيل واسترضائها من أجل النزول عن شجرة العناد الطويل، الرافض لفلسطين الدولة المستقلة.
يحزننا، ويغضبنا، ويصدمنا في الوقت نفسه الانحياز للجلاد، وكأن المبادرات قادمة لا لحماية المدنيين الفلسطينيين، بل لضمان الاحتلال.
أتصفح ومعي أبناء وبنات شعبنا ما يرشح من مبادرات، أكانت حقيقة أم تسريبات جسّ نبض شعبنا، فنصفع بما نقرأ، وربما نفاجأ، فما زلنا نأمل تحقيق العدالة.
لذلك، ومن أجل الردّ السياسي النضالي على الحلول التي تنتقص من حقوقنا، في الحد الأدنى المقبول، فليس لنا إلا تمتين جبهتنا الداخلية، بالوحدة الوطنية التي فعلا ستكون الأرض الصلبة التي تتكسر عليها الحلول الهشة.
تتجلى الوحدة الوطنية اليوم في أمرين، وهما مرتبطان ببعضهما بعضا:
– إعلان حركتي حماس والجهاد الإسلامي دخول منظمة التحرير، أو الإطار القيادي الفلسطيني المؤقت الذي اقترحه دكتور سلام فيّاض قبل سنوات.
– قطع الطريق على أية عمليات إدارية ومالية ترسخ الوصاية، من خلال دعم الفصائل للحكومة وتسهيل عملها في المحافظات الجنوبية.
نعم، بالوحدة الوطنية نقوى، ونضمن هذه القوة بوجود إطار وطني ممثل لشعبنا، يكون عنوانا للتعامل الدولي، لأنه هو من يضمن مشروعنا الوطني، الذي حملته منظمة التحرير بقيادة حركة فتح، وآن الأوان لتقوم حماس والجهاد الإسلامي بحمله، بوجود فصائل العمل الوطني.
للسياسة طرقها، ويمكن لنا أن نقطف نتائج الحرب، ونوظف ذلك من أجل مشروعنا السياسي، والذي هو مشروعنا الوطني ومشروع بقائنا على أرضنا.
وقف الحرب على غزة والضفة معا، ووقف الاستفزازات فيما يخص القدس والاستيطان، وتبادل الأسرى، وتطبيق حل الدولتين، وليس أية دولة للفلسطينيين، بل دولة ككل دول العالم؛ فالشعب الفلسطيني ذو وجود راسخ، وهو أمر واقع أمس واليوم وغدا.
نحن لسنا شعبا معتديا، نحن شعب يطالب بحق تقرير المصير فوق ترابنا الوطني، ونحن شعب عريق أبناء حضارات متعاقبة تمتاز بالتنوع والغنى الثقافي والفكري، ونحن منفتحون على أي حل ذكيّ ينتصر لكرامتنا.
لذلك، وفي ظل إخفاق الاحتلال في تركيع غزة والضفة، فإن ما يجب أن تستخلصه إسرائيل نفسها قبل حلفائها، وقبل وسطاء آخرين، هو ضرورة تنفيذ حل يستند الى تحقيق الكرامة حتى يضمن له البقاء.
طرق الحرب واضحة وطرق السلام واضحة أيضا. لكن السير في طرق السلام أفضل كثيرا وأكثر سلامة وإنسانية.
ليس من المقبول أبدا عرض حلول تنظر بدونية لشعبنا بينما تنظر بفوقية للاحتلال. ليس من المنطق ولا الأخلاق ولا القيم، ولا من شيء.
فلسطينيا، هذا هو موقف شعبنا، وهو موقف منظمة التحرير، وموقف حركة فتح، ولا نظن أن حركتي حماس والجهاد تخالفه، إذن نحن في توافق في الموقف السياسي الوطني النضالي.
تمتين موقفنا الفلسطيني، عبر الالتزام بوقف إطلاق النار، سيجعلنا في موثق أكثر قوة هنا على الأرض، كذلك في تحركنا ضمن نطاقنا العربيّ، لأن ذلك سيعني رفع سقف المبادرات العربية إن وجدت، أو تم إدماجها بمبادرات إقليمية ودولية.
من المهم أيضا، ألا نعفي الأمم المتحدة من التزاماتها، وهي المؤسسة الأممية الوصية على السلم الدولي، وضمان حق تقرير مصير الشعوب.
كذلك، فإن الولايات المتحدة، والتي لها حساباتها فوق الطاولة وتحتها، معنية بالوصول الى حالة من الرضى الفلسطيني الدائم أو شبه الدائم، وليس الرضى المرتبط بالجراح المثخنة.
يمكن للاتحاد الأوروبي اليوم، بما انحاز لإسرائيل ولفلسطين، أن يصل الى حالة توازن، تتفق والشرعية الدولية، فأوروبا تظل أكثر قربا تاريخيا وجغرافيا، بالإضافة لمسؤولية بريطانيا عما حصل من ظلم لفلسطين على مدار قرن.
ماذا بقي؟
المجتمع الإسرائيلي، هو نفسه مطالب بالضغط على حكوماته للوصول الى حل يضمن السلام، بعدما شاهد ما شاهد، كذلك المؤسسة العسكرية مطالبة بالضغط على الساسة من أجل الاعتدال لا التطرف الذي لا يضمن السلام.
من هنا، فإنه فلسطينا وإقليميا (وعربيا) ودوليا، ينبغي التركيز على خطاب قوة العقل لا القوة العسكرية، على قوة الإنسانية لا العنصرية، في التعامل مع إسرائيل شعبا وقيادة، وإن من يضمن سلامهم هو السماع لصوت الحق والعدل والمنطق والأخلاق لا حاملات الطائرات.
حل الصراع هنا واضح، وهناك إمكانية للحل فعلا، فليس الحل مستحيلا، وعليه، على العالم وكل من له تأثير أن يقوم ببث رسالة السلام دون انحياز الا للإنسانية والحق.
جميعنا بحاجة لبث الأمل، ويكون ذلك فعلا عبر حسن النوايا، وطرق ذلك واضحة فعلا.
تغيير الحال كله هنا يحتاج الى شجاعة المقاتل والمفاوض، الى من يسعى فعلا للخلاص القومي والإنساني، لا الخلاص الشخصي.
لتكن الدماء آخر دماء، لتكن الدماء طريقا للحرية والسلام، لأن تكريم هذه الدماء يكون بالتسامح لا بالمزيد من الدماء، وهذا يعني ضرورة وجود من سيكونون مؤتمنين على الحرية والمساواة والقيم والأخلاق والسلام الذي هو جوهر الأديان.
إن العودة الى المربع الأول لا يعني إلا عودة بائسة يائسة للدماء، فما أنفق على الحرب من دم ومال يمكن أن يجعل حياة البشر هنا أفضل كثيرا، لأن خيار البشر هو السلام فعلا.
لن يفيد الشعوب ما تشعله الدول الكبرى من فتن لبيع السلاح وتقاسم خيرات الشعوب، لذلك لتكون الشعوب هي من تقرر مصيرها، وألا ترهن حياتها بوجودها وكيلة لدولة كبرى هذه أو تلك.
باختصار الطريق واضحة، لم تكن في يوم من الأيام واضحة كما هي اليوم: حق تقرير المصير وإقامة دولة عادية، على حدود حرب عام 1967، فإن صفت النوايا سيكون لكل عقدة حلول لا حل واحد.