ترجمات

الغارديان إيلان بابيه.. مساءلة مؤرّخ أعاد النظر في تاريخ إسرائيل

المؤشر 25-05-2024  صحيفة “الغارديان” البريطانية تنشر مقالاً للمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه يقول فيه إنّ مسؤولي الحدود والهجرة في أميركا أوقفوه في المطار وحقّقوا معه لمدة ساعتين عن الحرب في غزة.

أنا مؤرخ إسرائيلي أعيش في المملكة المتحدة، وأشتهر بكتبي عن تاريخ فلسطين والشرق الأوسط، والتي تتحدى الرواية الإسرائيلية الرسمية للتاريخ. في هذا الشهر، تلقيت دعوة لزيارة الولايات المتحدة من منظمة عربية أميركية جديدة، “الندوة”، لتبادل الأفكار حول الوضع في قطاع غزة، وتحدثت أيضاً إلى مجموعة من منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام في ميشيغين، وتحدثت إلى الطلاب الذين يستضيفون معسكراً في جامعة “ميشيغين” في آن أربور.

وبعد رحلة طيران استغرقت 8 ساعات من مطار “هيثرو” في بريطانيا، تم القبض عليّ لدى وصولي إلى مطار “ديترويت” من قبل شخصين ظننت خطأً أنّهما من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي، وعلمت لاحقاً أنّهم عملاء لوزارة الأمن الداخلي. اقترب مني الرجلان وأظهرا لي شارتهما، وطلبا مني مرافقتهما إلى غرفة جانبية.

في البداية، حاولت أن أفهم سبب اعتقالي، لكن تم تجاهلي، وكان من الواضح أن الأمر متروك للضباط لطرح الأسئلة، ولي للإجابة عنها، وليس العكس. وحتى اليوم، على الأقل رسمياً، لم أتلقَّ أيّ تفسير لهذه الحادثة.

تم احتجازي لمدة ساعتين. خلال الاحتجاز، تركّزت المجموعة الأولى من الأسئلة على رأيي في حماس، ثم أراد الضباط معرفة ما إذا كنت أعتقد أن الأعمال الإسرائيلية في غزة يمكن وصفها بأنّها إبادة جماعية، وسألوني عن رأيي في شعار “من النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرر”، فأجبت بنعم، فأنا أعتبر أنّ “إسرائيل” ترتكب إبادة جماعية. أمّا الشعار، فقد أوضحت أنّ الناس في رأيي يجب أن يكونو أحراراً في كل مكان في العالم.

بعدها، استجوبني الضباط بشأن أشخاص أعرفهم في الجالية الأميركية العربية والمسلمة الأميركية، وطلبوا مني تزويدهم بأرقام هواتف، وصادروا هاتفي لفترة طويلة، وطلبوا مني الانتظار حتى يجروا بعض المكالمات الهاتفية قبل أن يطلقوا سراحي.

إسكات وجهات النظر المخالفة لـ”إسرائيل”

الهدف من مشاركة هذه التجربة ليس طلب التعاطف أو حتى التضامن؛ ثمّة تجارب أسوأ بكثير في الحياة، لكن الحادثة كانت ولا تزال مثيرة للقلق، وهي جزء من ظاهرة أكبر وأكثر خطورة. لماذا تهتم الدول التي تسمي نفسها ليبرالية وديمقراطية ظاهرياً بتصنيف أو تقييد الأكاديميين الذين يحاولون مشاركة وجهات نظرهم المهنية حول “إسرائيل” وغزة مع الرأي العام في أميركا الشمالية وأوروبا؟

لنفكر فقط في رفض فرنسا وألمانيا السماح للدكتور غسان أبو ستة، رئيس جامعة غلاسكو، بالمشاركة في فعاليات مشابهة لتلك التي حضرتها في الولايات المتحدة. إضافة إلى منصبه الأكاديمي، مارس أبو ستة عمله كطبيب في غزة، وهو قادر على تقديم شهادة مباشرة عما يحدث على الأرض هناك.

وأشارت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إلى أن الحظر المفروض على أبو ستة، والذي يُزعم أن ألمانيا بدأته، “يهدف إلى منعه من مشاركة تجربته في علاج المرضى في غزة، وهذا يهدد بتقويض التزامات ألمانيا بحماية وتسهيل ممارسة حرية التعبير والتجمع، فضلاً عن عدم التمييز.

من جهتي، كتبت أكثر من 20 كتاباً عن “إسرائيل” وفلسطين، وأردت تقديم سياق تاريخي وعلمي للوضع الحالي، فالعديد من الأكاديميين الآخرين ذوي السمعة الطيبة والمعرفة، والقادرين على تقديم تحليلات متعمقة ولا يمكن العثور عليها دائماً في وسائل الإعلام الرئيسية، يشعرون بالقلق أيضاً بشأن التهديد أو احتمال فرض قيود على السفر.

هذه قضية خطيرة تتعلق بالحرية الأكاديمية وحرية التعبير، ومن المفارقات أنّه في معظم السياقات الأخرى، من المرجح أن يواجه الأكاديميون عقبات أمام حرية التعبير في الجنوب العالمي مقارنةً بشمال العالم. أمّا بالنسبة إلى فلسطين، فالوضع معاكس، ومن المنطقي أن دولة جنوبية، مثل جنوب أفريقيا، هي التي تجرؤ على التوجه إلى محكمة العدل الدولية لطلب إصدار أمر قضائي ضد الإبادة الجماعية التي ترتكبها “إسرائيل” في قطاع غزة.

قيود السفر هذه لا علاقة لها بمستوى الخبرة. نادراً ما تتشاور حكومتا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مع خبراء غير إسرائيليين أو مؤيدين لـ”إسرائيل” بشأن طبيعة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والسياسات الإسرائيلية الوحشية على مدى الأعوام الـ 76 الماضية.

رئيس الوزراء البريطاني، على سبيل المثال، التقى رابطة الطلاب اليهود منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، لكنه تجنب عقد أيّ لقاء مع الطلاب الفلسطينيين الذين فقد العديد منهم عائلاتهم بأكملها في غزة، وتُستخدم تعريفات معاداة السامية، مثل تلك التي حددها التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة، كسلاح لإسكات أيّ تعبير عن التضامن مع الفلسطينيين. وكان من الممكن أن يتعلم ريشي سوناك لماذا لا يكون شعار “من النهر إلى البحر، فلسطين حرة” شعاراً سخيفاً أو متطرفاً، كما اقترح مؤخراً، لو كان على استعداد للاستماع إليه.

كيف وصلنا إلى هنا؟ لقد انتهيت مؤخراً من تأليف كتاب بعنوان: “الضغط من أجل الصهيونية على جانبي المحيط الأطلسي”. ومن خلال التأليف، تعلمت أن مثل هذا البحث التاريخي المفصل الذي بلغ ذروته، والذي انتهى، للأسف، في كتاب طويل إلى حد ما، يمكن أن يفسر ردود فعل البافلوفية للساسة في أميركا الشمالية وأوروبا تجاه الأشخاص الذين يحاولون ممارسة حريتهم في التعبير عن النضال الفلسطيني.

إن التاريخ الطويل لجماعات الضغط المؤيدة لـ”إسرائيل” في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة يمنع المناقشة الحرة حول “إسرائيل” وفلسطين، حتى في (إطار) الجامعات. ونظراً إلى مسؤولية بريطانيا السابقة عن الكارثة الفلسطينية والتواطؤ الحالي في الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين، فإنّ هذا القمع المستمر لحرية التعبير يمنع التوصل إلى حل عادل في “إسرائيل” وفلسطين، وسيضع بريطانيا على الجانب الخاطئ من التاريخ. آمل أن تغير الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وحلفاؤهما مسارهم، وأن يثبتوا خطأ توقعاتي.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى