قراءة في مشروع إعدام مستقبل غزة من زاوية مفهومي الأمن القومي الفلسطيني والإسرائيلي
بقلم : العميد: أحمد عيسى
للوهلة الأولى تجعل فظاعة جرائم الإبادة الجماعية التي ينفذها جيش الإبادة الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة على مدى الخمسة عشر شهرا الماضية من المشروع القول أن إسرائيل الإبادية إنما تنفذ مشروع هدفه القومي هو إعدام مستقبل غزة.
لكن قراءة ما ينفذ من جرائم من زاوية مفهوم الأمن القومي الفلسطيني وكذلك الإسرائيلي تجعل من إطلاق مفهوم إعدام المستقبل على غايات هذه الجرائم فيه مغالطة تنطوي على مبالغة ربما تكون غير مقصودة.
فمن منظور فلسفي وجودي فالأمر يتعلق بالزمن، والزمن يتدفق نحو المستقبل دائماً، الأمر الذي يعني أن إعدام المستقبل مستحيل طالما هناك زمن يتدفق نحو المستقبل، ويعتبر الفيلسوف الألماني المشهور مارتن هايدغر الذي يعتبر من أبرز فلسفة القرن العشرين ومن مؤسسي الفلسفة الوجودية قد ناقش في كتابه “الوجود والزمان” العلاقة بين الإنسان والزمن وكيفية فهمه للزمن والمستقبل.
ومن منظور ديني إسلامي فكرة إعدام المستقبل وتسليم الخلق والعباد بها مرفوضة تماما، لأن الأمل والعمل والتغيير جزء من الإيمان بحقيقة أن الإنسان أو الخلق جميعا لا يمكنهم إعدام المستقبل، لأن الله سبحانه وتعالى هو من يملك الزمن ولا يمكن لعباده التحكم في مجرياته بل عليهم العمل في حاضرهم لتحسين مستقبلهم الذي يعني الآخرة حيث يجازى الإنسان على أعماله في الدنيا حيث قال سبحانه وتعالى “وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون” العنكبوت 64.
ومن منظور الأمن القومي الفلسطيني على الرغم من عدم نجاح الفلسطينيين في تطوير مفهوم مجمع عليه حتى الآن لأمنهم القومي وجعله الأداة الناظمة لتحديد إستراتيجياتهم وسياساتهم، إلا أن أصغر الفلسطينيين سناً يدرك أن الهدف القومي الأول الذي يحمي أمنهم القومي هو الخلاص من الإستعمار الإستيطاني المجرم الذي تجاوز وصفه بالأبارتهيد وانتقل لمرحلة الإبادية، فجرائم الإبادة التي تنفذ ضدهم في ظل الصمت المريب للقريب والبعيد وعلى الرغم من أثمانها الباهظة، إلا أنها تستحضر من داخلهم عزمهم وإصرارهم على هزيمة المجرمين وشركائهم بصمودهم وإصرارهم نحو صناعة مستقبل أفضل.