هل يُنكَب المغرب العربي بعد نكبة المشرق؟
المؤشر 21-12-2024 في سياق مشروع قديم – جديد، تُعاد صياغته وفق ظروف كل مرحلة، يشهد الوطن العربي، منذ عقود، استهدافاً ممنهجاً لتفتيت دوله، وتقسيم الشعوب. وإذا كان المشرق عانى طويلاً، ولا يزال يعاني، ويلات هذا المشروع في العراق وسوريا والسودان واليمن، بعد مصر والأردن ولبنان، وقبلها جميعا فلسطين، فإنَّ المغرب الكبير ليس بعيداً عن هذه المؤامرة، التي بدأت نيرانها تتأجج، وحرائقها تلتهم الأخضر واليابس، على وقع أزمات وصراعات قد تجر المنطقة إلى هاوية التقسيم والتفتيت.
المخطط الصهيوني والغربي.. خرائط مُعَدَّة منذ زمان
منذ سقوط بغداد عام 2003، يعمل الاحتلال الأميركي – الصهيوني على تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات: كردية في الشمال، شيعية في الجنوب، وسنية في الوسط. تكرر السيناريو في سوريا تحت غطاء ما سُمِّي “الربيع العربي”، بحيث خُطط تقسيمُها إلى دويلات علوية، درزية، سنية، وكردية.
وها هو مجرم الحرب نتنياهو يقف اليوم فوق جبل الشيخ ليعلن ضم شريط جديد إلى الجولان ويكرس بذلك احتلال جنوبي سوريا.
أمّا السودان، فبدأ تفتيته عملياً عبر تقسيمه إلى سودانَين (الشمالي والجنوبي)، ولا يزال مخطط المسارات الخمسة، المنبثقة مما يسمى مؤتمر جوبا للسلام، قيد التنفيذ لتفتيته إلى خمس دول أخرى (شرق ووسط وشمال ودارفور، والجزء الجنوبي من السودان الحالي).
المغرب الكبير.. مشروع التفتيت على نار هادئة
وعلى الرغم من أنّ الأنظار عادةً ما تتجه نحو حرائق المشرق، فإن المغرب الكبير يعاني، منذ أعوام، أزمات مشابهة، تُدار بأدوات داخلية وخارجية، وتهدف إلى تقسيم أقطاره. واندلعت في ليبيا فتنة لا تزال مستعرة منذ عام 2011، وأعادت البلاد إلى عصور الفوضى القبلية.
مشروع تقسيم ليبيا لم يعد مقتصراً على الصراع السياسي والتقسيم المناطقي الحالي بين شرقي البلاد وغربيها، وإنما يتجاوزه ليصل إلى مرحلة أخطر تعتمد على تمزيق ليبيا إلى كيانات إثنية وعرقية، تهدف إلى ضرب الهوية الوطنية الجامعة، التي توحدها العروبة والإسلام.
كيان أمازيغي حول جبل نفوسة
يتم ترويج فصل منطقة جبل نفوسة من أجل إنشاء كيان “أمازيغي” مستقل، يتمحور حول إحياء الهوية الإثنية على حساب الهوية الوطنية الجامعة. وفي هذا السياق، أنشئت معسكرات تدريبية في نالوت، بحيث يتم تدريب الشباب الأمازيغي المستقطب للأطروحات الصهيونية (ليس الليبيون فحسب وإنما أيضاً المغاربة والجزائريون) على استخدام السلاح.
هذا المشروع لا يقتصر على ليبيا وحدها، بل يمتد إلى دول المغرب الكبير الأخرى، لتفجير المنطقة، عبر استخدام النزعات الإثنية، والجماعات المتطرفة. والجميع يتذكر العشرية الدموية في الجزائر قبل محنة ليبيا .
التغيير الديمغرافي وتوطين المهاجرين الأفارقة
تسعى قوى دولية لتوطين مئات الآلاف من المهاجرين الأفارقة العابرين عبر ليبيا نحو أوروبا، في خطوة لتغيير التركيبة السكانية الليبية. هذا التغيير يستهدف خلق كيان جديد، متنوع إثنياً ودينياً، يساهم في تفتيت النسيج الاجتماعي الليبي وضرب استقراره.
إثارة النزعات القبلية والإثنية
يجري التلاعب بالهويات القبلية والإثنية داخل ليبيا، بهدف تحويل الخلافات السياسية إلى صراعات وجودية طويلة الأمد. فالقوى الغربية تسعى لزرع الفتنة بين العرب والأمازيغ؛ التبو والطوارق، على نحو يجعل أي توافق وطني مستحيلاً، ويمهد الطريق للتقسيم.
إن ليبيا اليوم ليست فقط ساحة للصراع بين القوى الإقليمية، مثل تركيا والإمارات (ومن ورائهما الكيان الصهيوني)، بل أيضاً حقل تجارب لمخططات أوسع تهدف إلى إعادة رسم خريطة المغرب الكبير على أسس عرقية، بما يخدم الأجندة الصهيونية والغربية.
والأخطر في هذه الأجندة هو تفجير المنطقة بالكامل من خلال إشعال حرب بين المغرب والجزائر، بحيث تجاوزت الخلافات قضية الصحراء المغربية لتشمل مشروع فصل “جمهورية الريف” عن المغرب، وتأسيس “دولة القبائل” في الجزائر.
“جمهورية الريف”
يجري ترويج هذا الكيان عبر جهات خارجية، مع استقبال رموزه في الجزائر، الأمر الذي يعمّق الخلافات بين البلدين، إضافة إلى الخلافات بشأن دعم انفصال الأقاليم الصحراوية .
“جمهورية القبائل”
أعلن كيانها المزعوم المدعو فرحات مهني عام 2012 من داخل الكنيست الصهيوني، وإلى جانبه الإرهابي داني دانون، نائب رئيس الكنيست، الذي سيصبح فيما بعد مندوب الكيان في الأمم المتحدة. ويتم استقبال هذا العميل الصهيوني الانفصالي من طرف ما يسمى “مغرب الغد”، على سبيل المناكفة .
أما اللغم الصهيوني فيما يسمى “الصحراء الشرقية” فسبق أن كان موضوع كلمات متعددة، ويجب أن نستحضر دوما أن الذي ألقاه في الساحة هو الإرهابي مائير بنشباط، الذي وقع عن الجانب الصهيوني اتفاقية العار مع الحكومة المغربية .
إنها ألغام كثيرة مفخخة وقابلة للانفجار في أي حين، ويجب الحذر.
خرائط التقسيم .. واقعٌ مُرعب
وفقاً للخرائط التي يروجها الصهاينة، فإن المغرب يخطَّط تقسيمه إلى ستة كيانات، والجزائر إلى خمسة كيانات، وفق الخريطة التي عممها مسؤول البروباغندا الصهيونية المجرم إيدي كوهين، ضمن مشروع يعيد إنتاج سايكس – بيكو جديد في المنطقة المغاربية. ويعتمد هذا المشروع على ضرب النسيج الاجتماعي والنسيج الثقافي، من خلال إثارة الفتن بين العرب والأمازيغ، والبيضان والسودان، ولاسيما في موريتانيا وجنوبي المغرب والجزائر، عبر استدعاء الزنوجة وتلغيم البعد الأفريقي في الأقطار المغاربية .
من تفتيت الدول إلى تشتيت الانتباه ووضع فلسطين خارج الحسابات؟
وبينما تستعر الفتن في المشرق والمغرب، يتضخ أنَّ أحد الأهداف الرئيسة لهذا المشروع هو صرف أنظار الأمة عن قضية فلسطين، تمهيداً لتصفيتها والقضاء عليها نهائياً. فكيف يُراد لنا أن نفرح بانتصارات هنا وهناك، بينما تتصاعد وتيرة الجرائم الصهيونية في غزة؟
كيف يُطلب إلى الفلسطينيين أن يشاركوا في هذا “الفرح” الذي يُملى علينا، وهم يعيشون تحت وطأة الحصار والمذابح؟ هل صار قياس الانتماء إلى الأمة هو البهجة والفرح على أنقاض الدماء في سوريا، من دون حساب لغزة المحاصرة، أو الجولان المحتل، أو شهداء الأطفال والنساء
أسئلة للوعي.. هل نستوعب الدرس؟
كيف نفرح وسط المذابح؟ وكيف نقبل أن تكون فلسطين، قلب الأمة النابض، مجرد “تفصيل” يمكن تجاوزه؟
هل نسمح بأن تنسينا مشاريع التقسيم والتفتيت قضيتنا المركزية، والتي هي جوهر الصراع العربي -الصهيوني؟
ضرورة وعي المخطط والرد المطلوب عليه
إنَّ مواجهة هذا المخطط لا تقتصر على إدراك أبعاده فحسب، بل تتطلب أيضاً إعادة ربط كل أزمات الأمة بقضية فلسطين، والعمل على ترسيخ وعي، مفاده أن التفريط بأي جزء من الأرض العربية هو انتصار للصهيونية. الوحدة الوطنية في الداخل، والتضامن بين الدول العربية، وخصوصاً، وهذا هو الأهم، التماسك والتكاتف للشعوب العربية وأحرار الأمة الإسلامية وأحرار العالم، هي السبيل الوحيد إلى إفشال هذه الأجندة.
آخر الكلام
لا فرح يكتمل، إذاً، بينما تئنّ غزة تحت الحصار، ويحتل الجولان وكل جنوبي سوريا، وتصل المدافع الصهيونية اليوم إلى ريف دمشق، بعد أن دمرت كل مقومات القوة السورية. ولا يمكن أن نفرح بينما يُذبح أطفال فلسطين، لأنّ القضية ليست هنا أو هناك، بل هي معركة وجود تواجه الأمة كلها.
لذلك، فإنَّ الرد الوحيد على مخططات التفتيت هو الوحدة، والتضامن، ووعي المخاطر التي تهددنا جميعاً. ما يجري في المغرب الكبير ليس منفصلاً عمّا يحدث في المشرق، كما أنَّ كل هذه الأزمات ترتبط جوهرياً بالمخطط الصهيوني لتصفية قضية فلسطين، لأنها هي كل الرهان، لذلك يجب أن تبقى هي البوصلة .
وآخر دعوانا أن اللهم يا لطيف الطف بنا وبأمتنا، إنك أنت اللطيف الخبير .