كيف تدعم الميزانية العكسية استقرارك المالي؟
المؤشر 08-12-2025 ينصح خبراء أسواق المال ومُديرو المحافظ المالية بوضع ميزانية كأول خطوة لإدارة الأموال والحفاظ على الصحة المالية، والتي تعتمد في إدارتها على خصم المصروفات من الإيرادات ثم استخدام الناتج المُتبقي في الادخار والاستثمار.
لكن أثبتت التجربة أن الميزانية التقليدية ليست الخيار الأمثل، ففي أغلب الوقت لا تسير الإيرادات والنفقات على النحو الأمثل، خاصةً في حالات الدخل غير المتوقع أو في أوقات التعرّض لأزمات مالية، لذلك أصبح الأشخاص وأغلبهم من الشباب يفضلون الميزانية العكسية بدلاً من الميزانية التقليدية، فما هي وكيف تعمل، وما أهميتها لصحة المستثمر المالية؟
ما هي الميزانية العكسية؟
الميزانية العكسية (Reverse Budgeting) هي نظام مالي يعتمد على خصم المبلغ المخصص للادخار من الإيرادات أولاً، ثم توجيه ما يتبقى للالتزامات المالية بمختلف أنواعها من احتياجات أساسية ونفقات يومية وخلافه، على عكس الميزانية التقليدية المعتمدة على خصم المصروفات من الإيرادات ثم التصرف في الناتج سواء بالادخار والاستثمار.
على سبيل المثال، إذا كان دخلك 5 آلاف دولار شهرياً، يمكنك خصم 1000 دولار لصندوق الطوارئ، و500 دولار لهدف مالي طويل الأجل، وما يتبقى يخصص لتغطية الاحتياجات الأساسية والنفقات اليومية مثل الفواتير ومشتريات البقالة.
كيف تعمل الميزانية العكسية؟
تعمل الميزانية العكسية وفق 5 خطوات، الأولى هي تحديد الأهداف المالية سواء كانت طويلة أو قصيرة المدى، والتي تشمل تدشين صندوق للطوارئ يكفي لتغطية النفقات الشهرية لمدة من 3 إلى 6 أشهر، والادخار لقضاء الإجازة العائلية، وتدشين صندوق للتقاعد، أو لأهداف أخرى مثل الدراسة والسفر، وغيرها من الأهداف.
أما الخطوة الثانية في الميزانية العكسية فهي تحديد المبلغ المراد ادخاره من كل راتب شهري، ولا يوجد مبلغ مثالي للادخار، بل ينصح الخبراء في المالية الشخصية بأن تبدأ بمبلغ صغير في البداية، وأن تعيش ببساطة من المبلغ المتبقي.
وبعض الأشخاص يفضلون في هذه الحالة استخدام طريقة 50/30/20، بمعنى تقسيم مبلغ الراتب الشهري إلى 50% للاحتياجات الأساسية، و30% للرغبات، و20% للادخار والاستثمار، وبالطبع في حالة الميزانية العكسية يتم خصم الـ20% المخصصة للادخار أولاً من الراتب الشهري.
وفي الخطوة الثالثة ينصح الخبراء بأن تعتمد على تطبيق ذكي مثل تطبيقات البنوك أو تطبيقات إدارة الحسابات المالية الشخصية؛ لتقوم بالتحويلات المالية في نفس يوم وصول الراتب، لضمان تغطية جميع جوانب الميزانية بدون عناء التدخل اليدوي.
أما الخطوة الرابعة فهي استخدام المال الآخر بعد خصم جزء الادخار والاستثمار في كل شيء مثل النفقات اليومية ومشتريات البقالة وسداد الفواتير الشهرية كإيجار المنزل والكهرباء والمياه والغاز ووقود السيارة.
والخطوة الخامسة والأخيرة هي مراجعة خطة الميزانية العكسية كل 3 أشهر، وإدراج ما يستجد من أمور مالية مثل الزيادة في الراتب أو الحصول على مكافآت، هنا ينصح الخبراء بزيادة المبلغ المُخصص للادخار والاستثمار، بجانب الاهتمام بالأوعية الادخارية الثلاثة وهي صندوق الطوارئ وصندوق التقاعد وصندوق الرعاية الصحية، حيث يكتفي الكثير من الأشخاص بصندوق التقاعد ويغفلون صندوق الرعاية الصحية، ما قد يعرضهم لخطر عند الكبر.
متى ظهرت الميزانية العكسية؟
أول من أشار إلى الميزانية العكسية بشكل غير مباشر هو الكاتب الأميركي جورج إس. كلاسون (George Samuel Clason) الذي ألف كتاب «أغنى رجل في بابل» ونشره لأول مرة في عام 1926، فهو صاحب المبدأ الشهير «ادفع لنفسك أولاً» (Pay Yourself First)، والذي يعد أساس فكرة الميزانية العكسية التي ينصح بها خبراء المال والأعمال حالياً بعد 99 عاماً.
ويُعد راميت سيثي (Ramit Sethi) أكثر من تحدث عن الميزانية العكسية بصيغتها الحديثة عندما وضع خطة الإنفاق الواعي (Conscious Spending Plan)، واشتهر حينها بمقولة "لا أريدك أن تركز على تقييد الإنفاق.. ركّز على تحويل الادخار إلى عملية تلقائية تحدث قبل أن تلمس يدك المال".
واعتمدت خطة سيثي للإنفاق الواعي على 4 ركائز هي تحديد نسبة ثابتة تُسحب تلقائياً للادخار والاستثمار، والإنفاق الحر من المبلغ المتبقي دون تأنيب، وتحويل الادخار إلى حوالة أوتوماتيكية، وتجاهل الميزانيات التفصيلية لأنها متعبة وغير مستدامة.
وبفضل خطة سيثي أصبحت الميزانية العكسية أكثر عملية ومناسبة أكثر للشباب، خاصة من يسعى للادخار والاستثمار والحفاظ على صحته المالية.
5 أسباب تجعل الميزانية العكسية مهمة لصحتك المالية
ثمة 5 أسباب وراء أهمية الميزانية العكسية، الأول هو أنها تجعل الادخار تلقائياً وبدون مجهود نفسي، فالإنسان بطبيعته يميل لتأجيل القرارات الصعبة، وعندما تُدخل الادخار ضمن «خصومات تلقائية» كل شهر، فإنك توفر بدون أن تفكر أو تشعر بالضغط.
والسبب الثاني هو أنها تمنع التسرب المالي، فأغلب الناس لا يشعرون أين تذهب أموالهم، بينما الميزانية العكسية تعالج هذا الضعف؛ لأنها تحدد مسبقاً المبلغ المسموح بالإنفاق، كما أنها تحول المصاريف للاستهلاك الواعي وليس العشوائي.
والسبب الثالث أنها تساعدك على الوصول لأهداف كبيرة بسرعة سواء كانت شراء منزل، تأسيس مشروع، بناء صندوق طوارئ، والاستثمار طويل المدى، وكل ذلك وأنت تضمن أن هدفك يتحقق في موعده لأنك تلتزم له بمبلغ ثابت شهرياً.
والسبب الرابع هو أنها تخفف الضغط النفسي المرتبط بالمال، فأنت تعرف كيف ستتصرف في راتبك وفق بنود محددة مسبقاً.
وأخيراً السبب الخامس وهو تبني عقلية الثراء، فالعقلية التقليدية تعتمد على الاستهلاك، بينما الميزانية العكسية تجعل تراكم الأصول عادة يومية.
وتقترح مديرة التمويل الشخصي والتقاعد في مورنينغستار (Morningstar) ومؤلفة كتاب «كيف تتقاعد» كريستين بنز، اتباع نظام «الميزانية العكسية»، عبر تحديد نسبة ثابتة من الدخل بنحو 15% تُخصم تلقائيًا عند كل راتب لتحقيق الأهداف المالية، فيما يُترك المتبقي للإنفاق بحرية.



