طفرات تقنية تحوّل أخطر براكين أميركا إلى مصدر للطاقة النظيفة
المؤشر 20-11-2025 على سفح بركان في ولاية أوريغون، يُشيّد المهندسون محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الحرارية الأرضية، الطاقة الأكثر سخونة على وجه الأرض.
ستستغل المحطة الطاقة الهائلة لبركان نيوبيري، أحد أكبر البراكين النشطة وأكثرها خطورة في الولايات المتحدة، وفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية، وقد وصلت درجة حرارة الموقع بالفعل إلى 629 درجة فهرنهايت (332 درجة مئوية)، ما يجعله أحد أكثر مواقع الطاقة الحرارية الأرضية سخونة في العالم، وسيبدأ العام المقبل ببيع الكهرباء للمنازل والشركات المجاورة.
لكن شركة مازاما للطاقة، الشركة الناشئة التي تنفذ هذا المشروع، تسعى إلى رفع درجة الحرارة إلى أعلى من ذلك -أكثر من 750 درجة فهرنهايت (399 درجة مئوية)- لتصبح أول من يُنتج الكهرباء مما يُطلق عليه خبراء الصناعة «الصخور فائقة السخونة».
قال فينود خوسلا، وهو مستثمر مغامر وأحد أكبر الداعمين الماليين لشركة مازاما للطاقة: «لم تكن الطاقة الحرارية الأرضية ذات أهمية تُذكر تاريخياً»، وأضاف: «لإنتاج طاقة حرارية أرضية بكميات كبيرة بعشرات أو مئات الغيغا وات للبلاد، وأضعاف ذلك عالمياً، نحتاج حقاً إلى حل مشكلة درجات الحرارة المرتفعة هذه».
تُنتج الطاقة الحرارية الأرضية اليوم أقل من 1% من كهرباء العالم، لكن حال تحسين القدرة على الاستفادة من الصخور فائقة الحرارة، إلى جانب التطورات التكنولوجية الأخرى، قد ترتفع هذه النسبة إلى 8% بحلول عام 2050.
وفقاً لوكالة الطاقة الدولية (IEA)، يُمكن للطاقة الحرارية الأرضية باستخدام درجات حرارة شديدة الارتفاع أن تُولّد كهرباء تزيد 150 مرة عن استهلاك العالم.
تقنيات جديدة
يجمع مشروع بركان نيوبيري بين اتجاهين رئيسيين يمكن أن يجعلا الطاقة الحرارية الأرضية أرخص وأكثر توفراً.
أولاً تقوم شركة مازاما للطاقة بجلب مياهها الخاصة إلى البركان.
تاريخياً لم يكن بإمكان الناس استخدام الطاقة الحرارية الأرضية إلا في مواقع نادرة تحتوي على صخور ساخنة ومياه جوفية، ما يُنتج جيوباً طبيعية من البخار، نتيجة هذه الندرة كان إنتاج الطاقة الحرارية الأرضية التقليدية محدوداً في عدد قليل من البؤر الساخنة في دول مثل اليابان وأيسلندا وكينيا والغرب الأميركي.
ولكن على مدى العقود القليلة الماضية، بدأت مشاريع رائدة في إنتاج الطاقة من الصخور الجافة الساخنة عن طريق تكسير الحجر وضخ الماء لإنتاج البخار، مستعينةً بتقنيات التكسير الهيدروليكي التي طورتها صناعة النفط والغاز.
يُنذر ضخ المياه في شقوق الصخور بخطر الزلازل، تماماً كما يحدث عند حقن المياه المستخدمة في التكسير الهيدروليكي.
تم إيقاف تجربة سويسرية للطاقة الحرارية الأرضية المُعززة بعد أن تسببت في زلزال بقوة 3.4 درجة على مقياس ريختر عام 2006، وسجلت أجهزة الاستشعار في موقع نيوبيري خمس هزات أرضية بالفعل خلال الأشهر الستة الماضية، بلغت إحداها 2.5 درجة في 24 يوليو.
يقول العلماء إن الزلازل ستظل خطراً دائماً، ولكن يُمكن إدارتها من خلال المراقبة والهندسة الجيدة.
كما يستغل مشروع نيوبيري صخوراً أكثر سخونة من أي مشروع سابق للطاقة الحرارية الأرضية المُعززة، لكن حتى درجة حرارة نيوبيري البالغة 629 درجة مئوية لا ترقى إلى عتبة الحرارة الفائقة البالغة 705 درجات مئوية أو أكثر.
عند هذه الدرجة، وتحت ضغط كبير، يصبح الماء (فوق حرج) ويبدأ بالتصرف كشيء بين السائل والغاز.
يحتفظ الماء (فوق الحرج) بقدر كبير من الحرارة كالسائل، لكنه يتدفق بسلاسة الغاز، جامعاً أفضل ما في الحالتين (السائلة والغازية) لتوليد الكهرباء.
وقال سريرام فاسانثاراجان، الرئيس التنفيذي لشركة مازاما: «الفرق بين الماء السائل والماء الحرج مثل الفرق بين كلارك كينت وسوبرمان»، حيث يمكن لبئر حرارية فائقة السخونة أن تنتج طاقة تفوق بخمسة إلى عشرة أضعاف طاقة البئر عند درجات الحرارة النموذجية، التي تدور حول 400 درجة فهرنهايت (204 درجة مئوية).
هذا يعني أن مطوري مشروعات الطاقة الحرارية الأرضية لن يضطروا إلى حفر العديد من الآبار التي تبلغ تكلفتها ملايين الدولارات، ما يقلل التكاليف.
صرّح فاسانثاراجان بأن شركة مازاما ستحفر آباراً جديدة للوصول إلى درجات حرارة أعلى من 750 درجة فهرنهايت (399 مئوية) العام المقبل.
تحديات ساخنة
يواجه الحفر في صخور تبلغ درجة حرارتها 750 درجة فهرنهايت بعض التحديات، حيث تتعطل الحفارات القياسية المستخدمة في صناعة النفط.
يبرد مهندسو (مازاما) منصات الحفر الخاصة بهم عن طريق ضخ تيار مستمر من ثاني أكسيد الكربون السائل، ما سمح لهم بالتعامل مع صخور تبلغ درجة حرارتها 629 درجة فهرنهايت (332 مئوية) في وقت سابق من هذا العام.
وصلت آبار تجريبية أخرى في أيسلندا وهاواي وإيطاليا إلى درجات حرارة أعلى من ذلك، 900 درجة فهرنهايت (482 مئوية)، لكن لم يصمد العمل في أي منها طويلاً.
حتى الآن، تقول شركة مازاما إن عملها ما زال مستقراً، لكن الخبراء يقولون إن التحديات ستتزايد مع قيام الشركة بالحفر في صخور أكثر سخونة وتشغيل آبارها لسنوات متواصلة.
لكن المكاسب المحتملة أكبر من التحديات الجسيمة، حيث تخطط شركة مازاما لتوليد 15 ميغا وات من الكهرباء من بركان نيوبيري العام المقبل، على أن تصل في نهاية المطاف إلى 200 ميغا وات، وهو ما يكفي لتشغيل مركز بيانات كبير أو الوفاء باحتياجات مدينة صغيرة.
وصرّح فاسانثاراجان بأن موقع نيوبيري قادر على توليد ما يصل إلى خمسة غيغا وات من الطاقة، أي ما يقرب من ثلثي إنتاج الكهرباء في ولاية أوريغون.



